جدل العلاقة بين التعصب والأحادية إبداعيـًـا

90

الكاتب الأستاذ طلعت رضوان يكتب :

       لايعترف كثيرون من المتعلمين المصريين (المحسوبين على الثقافة السائدة) بتأثيرالثقافة القومية التى أبدعها الشعب عبـْـرتاريخه الطويل، وكذلك كيف صبغوا الدين (المسيحى والإسلامى) بثقافتهم القومية التى تأسستْ على التعددية ونبذتْ الأحادية. ومن هنا كان دورالأدب فى إبرازوتناول هذا الجانب كما فعل عبد الحكيم قاسم فى قصته الطويلة (المهدى) مع ملاحظة أنه انتهى من كتابتها فى شهرسبتمبر77 وهوفى ألمانيا. وإذا كان العمل الإبداعى يختمرفى عقل ووجدان المبدع لعدة شهوروأحيانًا لعدة سنوات، فمعنى ذلك أنّ أحداث القصة كانت داخل عقله ووجدانه منذ أنْ كان فى قريته المصرية. خاصة أنّ التلميذ عبد العزيزواحد من شخصيات القصة. وهوأيضًا واحد من شخصيات روايته البديعة (أيام الإنسان السبعة) وهوكذلك شخصية عبد الحكيم قاسم.

     هذه المقدمة سببها أنّ أحداث قصة (المهدى) تدورحول دورالإخوان المسلمين فى تحويل المعلم عوض الله من ديانته المسيحية إلى الإسلام. وإذا كان الأصوليون يحاولون (حتى لحظة كتابة هذه السطور) تحويل المسيحيين إلى الإسلام، فإنّ قصة (المهدى) كانت نبوءة متقدمة على تغلغل الأصولية التى ترى أنّ التقدم لن يتحقق إلاّ إذا  تمتْ (أسلمة) المجتمع المصرى (أسلمة) تشمل كل مؤسسات الدولة و (كل) المواطنين.

     المعلم عوض الله صانع شماسى. يستأجرحجرة فى بيت الست (جبونة) المسيحية. يعجزعن سداد الأجرة لعدم وجود زباين يصنع لهم الشماسى. يُقررالرحيل هو وزوجته وأطفاله. ويترك للست صاحبة البيت الأوانى النحاسية مقابل المتأخرمن الإيجار. ينتقل من قرية إلى قرية. يراه على أفندى. يسمع حكايته. وعندما علم منه أنّ صاحبة البيت هى الست (جبونة) المسيحية قال: قبّحها الله.  قال ذلك رغم أنه رأى وشم الصليب على ذراع عوض الله. قاسم فى هذا المشهد يُقدّم شخصية الست (جبونة) بشكل فنى، إذْ أنها قبل أنْ يغادرعوض الله البيت دقت على باب حجرته. ردّ عليها عوض الله ((ياست. ليساعدنا الله)) فماذا فعلت جبونة؟ دارت على عقبيها وانسحبت وهى تقول ((لاتخجلوا من قدومى لكم. إنما أريد أنْ أطمئن عليكم)) (ص88) فإذا كانت هذه هى شخصية الست جبونة الحقيقية، فمن أين أتى اليقين لعلى أفندى فيدعوعليها ((قبّحها الله)) وأنها ألقتْ بالرجل وأسرته إلى عرض الطريق دون رحمة. وطردته شرطردة هووأولاده؟ كل ذلك وعوض الله يمنعه خجله من الدفاع عنها. ويكتفى بمخاطبة نفسه أنه ((جلب الشتم على الست جبونة. لقد كانت طيبة وصدوقة ولم تؤذهم)) (من 95- 101)  

      من أين أتى اليقين لعلى أفندى فيتهمها بما ليس فيها؟ تكمن الإجابة عندما يُقررعلى أفندى استضافة عوض الله وأسرته فى بيته. للوهلة الأولى فإنّ الانطباع التلقائى هوأننا إزاء شخصية مُحبة للخير. فهل هذا صحيح؟ يقوم على أفندى بمهمة تسليم عوض الله إلى شعبة الإخوان المسلمين فى القرية لتتولى أمره. فما هومبررالإخوان المسلمين للقيام بهذه المهمة؟ يقول طلعت مسئول شعبة الإخوان للعمدة ((لقد إهتمتْ الشعبة بالرجل. فالمسلمون مأمورون بالحدب على (أهل الذمة) وأنْ يستألفوا قلوبهم للإسلام)) خاطب العمدة نفسه قائلا لها ((قبطى صانع شماسى. رجل من أهل الذمة. يُراد تأليف قلبه للإسلام. الشعبة والمجلس القروى والبلدة جميعًا. أى فأرسقط من السقف؟ يلهون به حتى ينفث الدم من أنفه.  يُـلبّسونه رداء الجوالة ويسوقونه عارى الركبتين. هاتفـًا الله أكبر)) (104 ، 105) لقد تحققت نبوءة العمدة. ذهب إليه أعضاء الإخوان المسلمين فى الدارالجديدة التى خصّصوها له ولأسرته. قدّموا له مذكرات الداعية الأول للإخوان المسلمين. ونسخة من القرآن. سقط الرجل على المصطبة من فرط الإعياء. قالت له زوجته فلة ((لنخرج يامعلم. لنخرج من هنا)) فردّ عليها ((لقد فات الأوان يا فـُـلة)) وقبل أنْ ينصرف أعضاء الإخوان فتحوا المصحف وطلبوا منه أنْ يقرأ ماورد فى سورة المائدة. وأشاروا على الآيتين 116 ، 117 فقرأ ((وإذْ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس إتخذونى وأمى إلهيْن من دون الله..إلخ)) قال الراوى ((لم يستطع المعلم أنْ يقرأ أكثر. ألقى برأسه على الحائط خلفه وانهمرتْ دموعه وهويتمتم: يايسوع المسيح. يا ابن الله. تمجد اسمك. كانت صياغة النص أكثرمما يطيق)) (110، 111) 

      كانت الخطوة التالية هى إشهارإسلام عوض الله فى المحكمة الشرعية. كان الرجل شديد الشحوب. ولكن الإخوان رأوا غيرذلك فهتف أحدهم ((لقد أضاء الإيمان وجهه)) لقد تحوّل عوض الله المسيحى إلى ولى من أولياء المسلمين. لدرجة أنّ الناس تصيح عندما يرونه ((الله أكبر)) وبعض النساء تقبّلن يده وتطلبن منه الدعاء. وعندما أخذه الإخوان إلى مقرالشــُعبة ((جُن الناس فرحًا وسيطرتْ عليهم فى التو فكرة أنه ولى من أولياء الله الصالحين. وإنكبوا عليه يحاولون تقبيل يده أوثوبه وتلمس دعوة صالحة منه)) وكان أعضاء الإخوان يتباهون لأنهم ساهموا ((فى هداية هذا الرجل إلى الإسلام)) ونتيجة ذلك فإنّ ((الإسلام يتقدم بفضل فتية آمنوا بربهم)) أما ((الممزقون الحائرون فلا يتقدم بفضلهم شىء)) يرون وهــْـمَ (التقدم) بينما الراوى يرصد (بلغة الفن) شوارع المدينة الرثة الفقيرة حتى النخاع من أية خدمات توفرلهم حياة إنسانة كريمة. ويصف الراوى أهل القرية وهم يتحرّكون فى موكب الإخوان المسلمين. وعلى إيقاعات دقات طبولهم العسكرية. يتحركون ((بسيقان ريفية مقشفة. فى سراويل قصيرة وجوارب مهلهلة. ووجوههم تحمل آثارسوء التغذية)) (133) كل هذا لايهم الإخوان. المهم هوأنّ ((الإسلام يتقدم)) وظهرالتقدم بالفعل إذْ أنّ النسوة أصبحنَ يحكينَ عن ((كرامات ولى الله عوض الله المهدى)) (135)  

***

     جدل العلاقة بين التعصب والتسامح. بين الأحادية والتعددية. جسّده الكاتب فى هذه القصة البديعة من خلال تعدد الأصوات. فإذا كان الإخوان المسلمون يتعصّبون لقناعاتهم، ذات الفكرالأحادى الذى يرى ضرورة (أسلمة المجتمع) فإنّ الشيخ سيد الحصرى (لاحظ أيها القارىء أنّ اسم الحصرى له دلالة فى وجدان المصريين بمراعاة أنه من جيل المقرئين الذين لم ينشغلوا بمسألة (الأسلمة) لأنهم كانوا جزءًا من منظومة الثقافة القومية المصرية التى أبدعتْ (الإسلام المصرى) وهوما أجمع عليه علماء علم الاجتماع) يقول الشيخ الحصرى ((نحن تستغرقنا شئوننا الصغيرة عن الانشغال بقضايا الكبار. إنّ الله قسّم الأفعال. وخليق بالعبد أنْ يختارأقلّها جلبة، حتى يكون سلام ولايؤرق القلوب الفزع)) وعندما وصله خبرالاحتفال بالشيخ عوض الله المهدى قال ((هذا الصخب الشديد يُـثقل على القلب ويطلس البصيرة. لايستطيع الإنسان أنْ يرى ماوراءه من الخير)) ولما ردّ عليه على أفندى أنّ المُتحلقين حول عوض الله يتلون القرآن، قال الشيخ الحصرى ((هذا الصخب ينفى الحكمة عن القراءة. وهذا العنف فيه مظنة الإكراه)) وإذْ قال له على أفندى أنّ الرجل لم يُـكره. وأنه اختارالإسلام طواعية. فإنّ الشيخ الحصرى يرى فى الأمرإكراهــًا. وقال ((أجد سكة العبد للصلاح فى رب يعرفه ويرتضيه ويحبه)) وتصل قناعته بالجريمة التى ارتكبها الإخوان المسلمون والأهالى إلى درجة أنْ يرفض الصلاة معهم. ويقول إنّ البلد لاتصلى . بل تقيم مندبة هائلة. لذلك هويرحل إلى قرية أخرى ليصلى. ورغم أنه لم يُشارك الإخوان فى تحويل عوض الله من المسيحية إلى الإسلام، فإنه يرى السكوت مشاركة فى الجريمة فيقول (لقد أسلمنا الرجل. كلنا فعل هذا) (87 ، 125 ، 126 ، 136) 

    ورغم أنّ على أفندى هوالذى سلــّم عوض الله المسيحى إلى الإخوان المسلمين، فإنّ موقفه تغير فى نهاية القصة. وهذا التغيرلم يكن فجائيًا، إذْ أنّ الكاتب مهّد له بشكل فنى حيث قدّمه بصفته أحد المتصوفة. فإذا عرفنا أنّ المتصوفة ينبذون العنف والإكراه، صدّقنا على أفندى فى تحوله الأخير. خاصة والكاتب وضع على لسانه موقفه من الإخوان المسلمين. فهويرفض الإنضمام إلي تنظيمهم، ويفضل ((الاجتماع حول دلائل الخيرات وبردة الأباصيرى)) وعندما يتهمه الإخوانى طلعت بأنّ ما يفعله هو((هلوسة دراويش ووثنية)) يرد عليه بالشعر((أمرعلى الديارديار ليلى/ أقبل ذا الجداروذا الجدار/ وماحب الديارشغفن قلبى/ ولكن حب من سكن الديار)) فيقول له طلعت ((ياعلى أفندى إقرأ قرآنــًـا)) فردّ عليه ((إننى أملأ قلبى حبًا)) (100) لذلك كان موقفه طبيعيًا عندما اقتنع برأى الشيخ الحصرى الذى أدان ماحدث مع عوض الله المسيحى ودخوله الإسلام مكرهًا. ويختتم الكاتب هذا المشهد بأنْ مشى على أفندى والشيخ الحصرى ((منكسريْن ينشدان بلدًا آخر يُصليان فيه)) (136)

   ورغم أنّ قاسم كتب هذه القصة عام 1977، فإنه تنبّأ فيها ببدايات التغلغل الأصولى، فنجد بعض أعضاء الإخوان يضعون على رؤوسهم الطاقية الباكستانية. ولهم علاقات قوية بدولة باكستان الإسلامية. وأحدهم عندما يخطب يملك مشاعرالناس. رغم أنه يشتم تخليهم عن كتاب الله بشكل موجع. وأنّ الإخوان ((رهبان بالليل فرسان بالنهار)) فى إشارة إلى أعمال العنف وإكراه المختلفين على تبنى معتقداتهم. وإذا كان أهالى القرية يعيشون فى الفقروالقذارة، فإنّ أعضاء الإخوان يعيشون فى رفاهية. فأحدهم يركب سيارة ويعيش فى مصر الجديدة، عندما يراها القروى لأول مرة، فهويرى شوارع نظيفة واسعة. حسنة الإضاءة. ويدخل به الإخوانى عمارة لها باب زجاجى هائل ومصعد لامع والشقة شاسعة كقصر(118، 119) وإذا كان الفلاحون يعانون من سوء التغذية، فإنّ الإخوان أصحاء ويأكلون بنهم أحسن الطعام من لحمة ومكسرات. ورغم هذه الرفاهية فى المعيشة، فإنّ الراوى يلاحظ أنّ على وجوههم جهامة وقسوة وصرامة. وثمة ملامح عامة من العنف والخواروالجنون. ويجمع بينهم تشابه إثنولوجى عميق (132) فماذا يقصد الكاتب بالتشابه الإثنولوجى الذى يتميّزبه الإخوان المسلمون؟ إنّ الإثنولوجيا فرع من فروع الأنثروبولوجيا ((التى تهتم بدراسة الأجناس البشرية. سواء الموجودة الآن أوالتى اختفت منذ عهد قريب. مع العناية بنوع خاص بالدراسات التحليلية المقارنة للشعوب البدائية)) (الموسوعة العربية الميسرة عام 1965 ص 52) فكأنّ الكاتب (بشكل فنى) يرى أنّ الإخوان المسلمين يعيشون بعقلية الشعوب البدائية رغم أنّ أجسادهم تعيش فى عصر العلوم والتكنولوجيا.

     فى مشهد الختام يستسلم عوض الله للإخوان كما استسلم يسوع لليهود وللرومان. وهوفى هذا الاستسلام يكتفى بما يراه خلف جفنيه. أى أنه غائب عن الحاضرالمادى الماثل أمام عينيه. يسمع دقات قلبه تقول إنّ ((الساعة قد اقتربت. وابن الإنسان يُسلم إلى أيدى الطغاة. وعندما يلحظ أحد شبان الإخوان حالته ويقول إنّ الرجل مريض. يرد طلعت ((لابد أولا أنْ يتم الاستعراض الذى تنتظره حشود الإخوان)) فتقدم ثلاثة منهم ((أحاطوا بالمحموم الذى أسلمهم جسده دون أية معارضة وهويرتعد)) بينما كانت شفتاه تتحركان بصراخ يرتد إلى داخله ولايسمعه أحد غيره . وخلف جفونه مشاهد من الكنيسة التى وعاها فى شبابه. وعندما قال طلعت ((لابد من لف العمامة على رأسه)) رنّ الصوت داخل عوض الله ((وضفــّـرالعسكرإكليلا من شوك ووضعوه على رأسه وألبسوه ثوب أرجوان)) وعندما تتضاعف الحـُـمى يرى الجنود والقائد وخدام اليهود وقد قبضوا على يسوع. وبينما كان عوض الله يجرقدميه بالأرض، انطلقتْ الزغاريد، فانتبه قليلا وفتح عينيه. ولكن الحمى عاودته فصوّرتْ له أنّ هؤلاء الناس هم جمهورالشعب الباكى فى كنيسة كفرسليمان. وعندما وصلوا إلى مقرشعبة الإخوان، أعطاهم يدًا طرية محمومة وهويتمتم والزبد على جانبىْ شفتيْه. ورغم منظره البائس فإنّ الإخوان ركبوا سيارة جيب ومعهم مكبرات صوت يذيعون منها شعاراتهم. وعندما اقترب الموكب من الجامع، والناس المحيطون بالمهدى يزدادون كثافة وجنونًا، وعاصفة الغبارتزداد كثافة والشمس تدق مساميرمحماة بالنارفى جبين عوض الله، يترنّح على الفرس. وإذْ ينزلوه عند باب المسجد ينكفىء على وجهه فاقد الوعى تمامًا . وتنطلق فى الناس حرقة ((لقد مات المهدى)) والناس حوله يجلسون على الأرض يُهزونه ويربتون على صدغيْه دون جدوى. فجأة تتسلل فــُـلة من وسط الجموع . ألقتْ بنفسها على زوجها . وفى لحظة كأنما غرق هديرالجماهيرفى بئرليس له قاع . صمتٌ يطن بعمق والناس ترى فلة تأخذه  فى صدرها وتـُـصلى بحرقة ((باسم الرب يسوع المسيح. وترسم على صدرها علامة الصليب)) (130- 137)  

***

     لا أميل إلى الكتابة عن الأخطاء اللغوية والنحوية. ولكن (قاسم) أرغمنى على ذلك لكثرة الأخطاء فى قصته البديعة (المهدى) وذلك بمراعاة أنه قارىء للتراث العربى. وكان دائمًا يدافع عن اللغة العربية. ويجنح كثيرًا فى استخدام الكلمات التى لايستخدمها أحد فى العصرالحديث، مثل استخدامه لكلمة (تكأكأ) حول (ص121) بدلامن الكلمة الشائعة تجّمع حول (وهى عربية أيضًا)

     ملحوظة ثانية لا أستطيع منع نفسى من ذكرها. إنّ (قاسم) الذى أدان التعصب الدينى فى هذه القصة البديعة، انتهى نهاية مغايرة، عندما انضم إلى صحيفة الشعب لسان حال الحزب الأصولى بقيادة إبراهيم شكرى. هذه النزعة الأصولية جعلته يكتب على لسان كمال بطل قصة (رجوع الشيخ) أنّ ((أمتنا على حال من الفضل لاتدانيها فيه أمة أخرى من الأمم)) (ص67 ، 73) وهذا الإيمان بالمطلق الذى يرى أنّ أمته أفضل الأمم لم يقابله صوت آخريعترف بالنسبى، الذى يؤكد أنّ لكل أمة مزاياها. خاصة وأنّ المطلق هوالطريق إلى التعصب والأحادية.  فلماذا هذا التغير؟ وكيف تم؟ أسئلة يصعب الإجابة عنها. ولكن تحول (قاسم) يشيرإلى أنّ الفكرالأصولى مسّ عقل الكاتب المبدع الموهوب الذى أدان الأصولية وانحازللعقل وللتعددية، ووعى مفردات الشخصية المصرية، عندما جعل الطفل عطية أحد أبناء على أفندى يقول لأبيه عند رحيل عوض الله المسيحى من بيتهم ((إلى أين يأخذون عمى عوض الله يا بابا ؟)) (109) الطفل يرى أنّ عوض الله عمه. ويبكى عند رحيله من منزلهم. وهذا المشهد المكتوب بشكل فنى، فيه تلخيص للشخصية المصرية، حيث كنا ونحن صغار(قبل الهجمة الأصولية) نقول لأى جارلنا (يا عمى) حتى لوكان من ديانة غيرديانتنا. بل إنّ المبدع كان على وعى بأهمية نبذ الأحادية وتعميق التعددية عندما وضع على لسان العمدة هذه الجملة الدالة عندما علم أنّ الإخوان المسلمين يقومون بتحويل عوض الله من ديانته المسيحية إلى الإسلام، فقال ((الناس لاتطيق المخالف، ولوكان واحدًا فى أربعين ألفــًا. هذا رهيب)) (106) أى أنّ هذه القصة البديعة كانت ترسم بشكل فنى العلاقة الجدلية بين التعصب والتسامح. التسامح الفلسفى المؤسس على أنّ من حق كل إنسان أنْ يعتقد مايشاء. وليس من حق أى إنسان فرض معتقداته على المختلفين معه. ولعلّ إيمان (قاسم) بالتعددية هوالذى جعله يختاراسم إيزيس المصرية رمزالوفاء والمحبة. وهى التى أحبّها كل المصريين القدماء بغض النظرعن معتقداتهم مابين (آمون) و(رع)إلخ  أطلق قاسم اسم إيزيس على إحدى بناته. والدلالة الأعمق أنه أهداها قصته البديعة (المهدى) 

                                                         ***  

قصة المهدى– ضمن كتاب (الهجرة إلى غيرالمألوف– ديوان قصص) دارالفكرللدراسات والنشروالتوزيع– عام 1986 وكذلك قصة (رجوع الشيخ)

طلعت رضوان

تعليقات الفيسبوك

أترك تعليقك