ثورة المجمع المقدس على الكهنة ــ الاشكاليات ــ

90

الدكتورة مرفت النمر تكتب

مثل أرخبيل من جزر معزولة عن بعضها البعض هكذا أصبح حال الكنيسة القبطية الأرثوذكسية فواقع الأمر أصبح يفضى الى أن الكنيسة القبطية لم تعد تدار بسياسة واحدة مؤسسيه كما أراد لها قداسة البابا تواضروس فى بداية اعتلاؤه الكرسي المرقسى، و لكن نظراً لاتساع رقعة الخدمة بالكنيسة فى الداخل و فى الخارج فقد أصبحت كل إيبارشيه تدار بسياسة تختلف عن باقي الايبرشيات بل لا نبالغ إذا ما قولنا ان داخل الايبارشيه الواحد تتعدد السياسات فيها بحسب كل كنيسة و أهواء الكهنة بها، و على الرغم من تنوع السياسات و اختلافها داخل الكنيسة إلا أنه أصبح هناك قاسم مشترك أعظم فى كل الكنائس ألا وهو تعاظم السلطان الدنيوي للكهنة يتواكب مع منظومة ثراء غير مسبوقة تشمل كل كهنة الداخل و الخارج بما لا يتناسب مع حجم الدخل المخصص لكل منهم داخل الكنيسة و للحق لا يوجد تحت أيدينا ما يبرر الثراء الفاحش لهؤلاء الكهنة و لا نستطيع أن نجزم من أى مصدر يأتي هؤلاء بتلك الأموال وسط بعض الأقاويل الغير مؤكده أو موثقة لوجود فساد فى الكنائس و لكن على ما يبدو فإن الأمر جد خطير و حقيقى و هو ما دفع المجمع المقدس ممثلا فى لجنة العلاقات العامة بالمجمع و من خلال اجتماعها السنوي إلى أن تنتفض  ضد ما مكن أن نسميه تجاوزات الكهنة و الحقيقة أنها بادرة طيبة و غير مسبوقة أن تنقى الكنيسة ذاتها بنفسها خاصة مع هبوب رياح تحديات اقتصادية غير مسبوقة تهب على البلاد و لا يعلم شدة قوتها و مداها الزمنى غير الله و لأنني أحسب نفسي من أهل البيت الكهنوتي فى مصر رأيت انه من واجبي الوطني و الديني أن أدلى بدلوى فى تلك الإشكالية فى رؤية تتفق كثيرا مع رؤية لجنة العلاقات العامة بالمجمع المقدس و لكن قبل طرح رؤيتي يحسن بنا أن نقف على فعاليات الاجتماع السنوي للجنة العلاقات العامة تلك الفعاليات التى جاءت صادمة و كاشفه لخطر يداهم كل الكنائس بل يداهم الوطن بذاته إن لم نعى جميعا كيفية التعامل مع المشكلة و تتضافر كل الجهود للمساهمة فى حلها ,نحن هنا  سوف لا نتصدى لكل ما جاء بالاجتماع و لكننا سوف نتوقف فقط أمام كلمة نيافة الحبر الجليل الأنبا أرميا التى كانت كاشفة للواقع كذلك سوف نحلل الكلمة المقتضبة التى ألقاها نيافة الحبر الجليل الأنبا بيمن و التى كانت صادمة بكل المقاييس.

التضخم يصل اعلي مستوياته

فى البداية تناول الأنبا أرميا رئيس المركز الثقافي القبطي الأرثوذكسي بعض المرجعيات الكتابية التى تحث على العطاء و الاهتمام بالفقير ثم استطرد قائلاً “هناك ظروف اقتصادية صعبة جداً و ها تزداد صعوبة فى الفترة القادمة لدرجة أن الكنيسة و كل أنشطتها سوف تتأثر بالدخل الذى سيأتي إليها.. و أردف قائلاً إن المساعدات التى تقدم من خلال خدمة أتحبني و التى يتم من خلالها تقديم “كرتونه” تحتوى على احتياجات الأسر الفقيرة الشهرية حيث يتم إعداد 20 ألف كرتونه شهريا قد تكلفت فى يناير الماضي 2.5 مليون جنية أما اليوم و بعد مرور ثلاثة أشهر فإن نفس عدد الكراتين يتكلف 6 مليون جنية بتاريخ النهاردة” و تساءل نيافته “فى ظل هذا التضخم و ارتفاع الأسعار ما هو دورنا كرجال دين و أساقفة و خدام و خادمات؟”

دوائر التأثير و التأثر بين الكنيسة و الأزمة الاقتصادية

أوضح الأنبا أرميا انه سوف يكون هناك تقاطعا بين دوائر التأثير و التأثر بين الكنيسة و المجتمع من جانب و بين الأزمة الاقتصادية من جانب أخر حيث ان الأزمة الاقتصادية سوف تؤثر على الموارد المالية مع توقف الاقتصاد و دورة رأس المال و هو ما سوف يؤثر سلباً على العشور التى تحصل عليها الكنيسة من الأفراد و المؤسسات و هو ما سوف يؤدى الى تراجع الإيرادات بشكل عام و سوف يبدأ بعض الأشخاص العاديين فى تقليص و تقليل التبرعات الخاصة بهم أو انه سوف يتم توجيه التبرعات لأماكن أخرى غير الكنيسة لن تراها او تسمع عنها الكنيسة.

العزلة الاجتماعية

أشار الأنبا أرميا إلى انه “من المتوقع مع استمرار التدهور الاقتصادي الذى يضرب البلاد فإنه من المتوقع أن يؤثر ذلك على معدلات حضور الناس إلى الكنائس حيث ستتأثر ظروف المعيشة و هو ما سوف ينعكس على التزام الأفراد و الأشخاص فى الحضور و الانتظام داخل الأنشطة الكنسية المختلفة حتي أن البعض سوف يجد صعوبة فى المشاركة بسبب قلة الوقت فالمؤكد أن معظم الأشخاص لكى ما يعوضوا الفاقد من مستويات الدخل نتيجة غلاء الأسعار سوف يلجئون الى العمل فى أكتر من “شغلانه بعض الضهر” إلى جانب عملهم الرئيسي” و هنا يدق الانبا أرميا ناقوس الخطر فالمغزى من كلام نيافته أنه نظرا للتدهور الاقتصادي و ما سوف يخلفة من ضيق ذات اليد سوف يصبح الحضور إلى الكنائس رفاهية غير متاحة للجميع و مع استمرار هذا التدهور و زيادته و هو ما يهدد بدورة عزوف الشعب عن الذهاب إلى الكنائس و هنا تظهر أمامنا إشكالية خطيرة و هى أن الكنائس سوف تصبح قلاع خراسانية مهجورة و خاوية على عروشها فهل سوف نعود الى عصور الكنيسة الأولى التى كان يذهب فيها الكاهن الى المنازل لعمل القداسات و بعض أنشطة الخدمة مثل مدارس الأحد أم انه سوف تكون هناك آليات أخرى يمكن لنا اللجوء إليها؟ و هذا سوف ما أناقشة فى نهاية تلك السلسلة من المقالات ضمن حلول للمشكلة .

الدعم الاجتماعي للكنيسة

يتصاعد الأنبا ارميا بنعومة حوارية فى المشكلة الى ان يصل الى الذوبان الطبقي لبعض الطبقات الاجتماعية فى الطبقات الأدنى حتى يصل بنا إلى أن الطبقة الأدنى التى تقع فى قاعدة الهرم الطبقي للمجتمع سوف تعانى من الاغتراب داخل الكنيسة و المجتمع و يمكن ان تفقد هويتها الكنسية و المجتمعية و هنا يتساءل نيافته هل يمكن أن تكون الكنيسة مصدر للدعم الاجتماعي للفرد و المجتمع فى ظل تلك الظروف الاقتصادية الصعبة و التى سوف تزداد صعوبة على كل الناس باختلاف مستوياتهم الطبقية ؟فالطبقة المتوسطة دخلت فى الطبقة الفقيرة فالفقيرة كم و كم تكون؟ و يستطرد نيافته لوضع الحلول على استحياء لأن الحلول سوف تكشف تقصيراً داخل الخدمة بالكنيسة و بالتأكيد ليس من الصعب اكتشاف اليد التى تتلاعب داخل الخدمة فإن أردت أن تصل الى سبب أى مشكلة داخل الكنيسة فتش عن الكهنة وهو ما أشار إليه الأنبا ارميا ضمنا بخجل و صراحة على مضض حيث يقول” الكنيسة هنا وظيفتها توفير المساعدات المادية إن استطاعت كذلك توفير الدخل و المساعدات الروحية للأفراد اللذين يحتاجون الى الدعم فى هذه الفترة فالتدهور الاقتصادي سوف يؤثر على الأنشطة الاجتماعية و الخيرية فالجميع سوف يسعى الى طلب مساعدات مالية من طعام و إسكان و رعاية صحية و المشكلة تكون أكبر و أكثر صعوبة فى الرعاية الصحية لأنها لا تقتصر على الكشف فقط و لكن تمتد الى العلاج و عمل العمليات الجراحية

تعديل استراتيجيات الكنيسة

يفجر الأنبا ارميا قنبلة موقوتة طال انتظار انفجارها داخل الكنيسة منذ عقود طويلة مضت و هى ضرورة البحث عن أنماط و استراتيجيات و آليات جديدة تستخدم داخل الخدمة بدلا من تلك التى أكل عليها الدهر و شرب، و أن الاستراتيجيات القديمة تنذر بتفاقم الأوضاع و انفجارها و هو ما حاول نيافته التنبيه له بنبرته الهادئة المعتادة فى الحوار حيث قال” الكنيسة فى الفترة دى لازم تعدل الاستراتيجيات بتاعتها علشان تستطيع توفير الدعم للأفراد و المجتمع” و يكمل موجهاً حديثة للآباء المطارنة و الأساقفه “كل واحد عايز يعمل مبنى خدمات، نعيد توجيه المصادر الى ان تنتهي هذه الفترة الحالكة.. و ده اقتراح غير ملزم و كل واحد و ضميره مع ربنا !!!!؟؟؟؟” و يشرح نيافته أبعاد المشكلة “ها يجيلك ناس عايزة تدفع فواتير المنزل من كهرباء و ماء .. الخ كنا بنسمع الكلام ده من عائلات تحت خط الفقر دلوقتى بتسمعه من العائلات المستورة و هنا يأتي دورنا كرجال دين نقدم دعم نفسي للأفراد لأنهم عنهم شعور بالقلق من الظروف الاقتصادية الصعبة” و يقترح نيافته بعض المسارات للتغلب على ذلك و هى

  • عمل برامج للتوظيف لان هناك كثيرين سيفقدون وظائفهم نتيجة توقف مصانع و شركات نظرا للظروف الاقتصادية التى ستزداد سوء .اذاى إحنا نستطيع أن نقنع هؤلاء الناس بقبول وظائف أقل قدراً مما هم فيه
  • توفير برامج طعام للناس.. الناس جعانة معندهمش توفير وجبات غذائية، إما أن نجمع تبرعات فى صورة اكل و نوزعها أو بعلاقتنا بالفنادق ناخد الأكل اللى ها يترمى و نوزعه فى نفس اليوم
  • تقوم الكنيسة بتقديم برامج تعليمية لتعزيز التعليم .. تسرب الطلاب من المدارس تتم مواجهته بعمل سناتر و مجموعات تقوية كنسية مجانية داخل الكنيسة و نجيب مدرسين و نتعاقد معاهم و الطلبة تستفيد مجانا
  • تنظيم ورش عمل فى مهارات حياتية نجارة و تفصيل.. الخ و يتم التسويق بمعرفة الكنيسة

الوعي الاقتصادي للأقباط

ينتقل الأنبا ارميا الى الجانب الأكثر خطورة من المشكلة و هو كيفية التعامل رفع مستوى الوعى الاقتصادي لدى الأفراد و هو ما يمكن أن يعطيهم قدرة فى التعامل مع المشكلة و يحدد بعض النصائح الواجبة الإتباع فى هذا الشأن وهى

  • توجيه الأفراد للتعامل مع المحال و السوبر ماركت الكبيرة التى تقدم عروض و خصومات جدية
  • تقوم الكنيسة بتجميع احتياجات الأفراد و شرائها بأسعار الجمل و إعادة توزيعها بنفس الأسعار المنخفضة للشعب
  • الاعتناء بالأجهزة المعمرة حتى لا يقل عمرها الافتراضي و يصعب تعويضها مع الارتفاع المتزايد للأسعار
  • تأجيل الفسح و الترفية

و يقدم نيافة الأنبا أرميا فى نهاية كلمته التى سوف نتوقف عندها طويلا و كثيرا بأن قدم نموذج من التاريخ للبابا يؤانس ــ 770ميلاديةــ حيث حدثت مجاعة فى أيامه فما كان منه إلا أن اصدر أوامره بفتح كل مخازن الكنيسة للمسلمين و المسيحيين على حد السواء.

أوقفوا بناء الكنائس و خفضوا مصاريف الكهنة

يختتم الأنبا أرميا كلمته بإلقاء بيت القصيد فى كلمته حيث يقترح قائلا ” اقترح اللى بيبنى حاجة يوقفها و اللى بيشطب حاجة يوقفها التشطيب على ” و يناشد الكهنة بتقليص مصروفاتهم و خاصة فى استهلاك بنزين السيارات و مظاهر الرفاهية التى يتمتعون بها مؤكد لهم انه لن نستطيع أن نغلق أعيننا عن الشعب.

إلى هنا تنتهي كلمة الأنبا أرميا أما ما حدث من تراشق ناعم بينه و بين الأنبا بيمن رئيس اللجنة فله مقام أخر نناقشه فى مقالنا القادم

تعليقات الفيسبوك

أترك تعليقك