بين أذعان شنودة وتنوع تواضروس ومصير الوحدة بين الكنائس في مصر 7.1

90

دكتورة مرفت النمر تكتب


يخطئ من يظن أن الوحدة بين الطوائف و المذاهب المسيحية فى العالم بشكل عام و فى مصر بشكل خاص تخضع لأسس لاهوتية و عقائدية موروثة تتم محاولة تقريبها من بعضها البعض بغرض الوصول إلى و حدة بين الكنائس و صياغة إيمان واحد قويم يخضع له كل مسيحيي المسكونة، و لكن الحقيقة التى يعلمها من يحركون ملف الوحدة فى العالم أن تلك الوحدة باتت أمراً سياسياً بحتاً تم تغليفه بسوليفان ديني حتى يتم تمرير العديد من المخططات السياسية فى العالم كله من خلال مجلس إدارة العالم الذى يتكون من فطاحل الاقتصاد و السياسة و بعض العائلات التى تملك ما يقرب من 80% من ثروات المسكونة، و نحن هنا نؤكد على وجود العديد من المخططات وليس مخطط واحد بحسب التركيبة الديموغرافيه لكل منطقة فى العالم فالمخطط الذى يتناسب مع تفريغ أوروبا العجوز من الأصولية الدينية و تحويلها إلى واحة علمانية هو بالتأكيد يختلف عن المخطط الذى تم إعداده لمواجهة المد اليميني البروتستانتي المتطرف فى جنوب أمريكا و الذى تمتد أزرعه لتصل إلى قلب أفريقيا، و بالتأكيد فإن هذا يختلف كلياً عن المخطط الذى تم إعداده للشرق الأوسط صاحب الوجدان الديني الحساس
وحدة أم كونفدرالية دينية؟
لا أحد يستطيع أن ينكر أن هناك محاولات جادة بين الكنائس على مستوى العالم للتقارب و مصطلح”الوحدة” هو المصطلح الذى يتم الترويج له للتعبير عن هذا التقارب دون ذكر أساساته أو مميزاته أو حتى المسارات التى سوف يتحرك فيها هذا المصطلح، و الباحث المدقق و الراصد المتخصص لتلك الوحدة لا يجد لها سمه مميزة، فالفعاليات التى يتم تنظيمها من خلال تلك الوحدة لا تعدو كونها اجتماعات دورية للصلاة و الملاحظ هنا انه على الرغم من أن اجتماعات الصلاة تلك تشمل العديد من ممثلي الطوائف و الكنائس إلا أن هناك تمسك بإظهار الخلفية الطائفية للحضور عن طريق الزى الديني الخاص بكل فرد من الأفراد ممثلي تلك الطوائف و هو ما يؤكد على انه هناك عسر فى الذوبان العقائدي لتلك الطوائف و إننا لن نصل فى يوم ما إلى مفهوم الكنيسة الواحدة الوحيدة المقدسة الجامعة الرسوليه التى تعتنق الفكر المسيحي الجامع المانع الذى لا يأتيه الباطل من أمامه أو خلفه فالحقيقة التى تظهر هنا و لا يمكن إخفائها هى أن تلك الطوائف و الكنائس اتفقت ضمناً أو سراً على ان تكون تلك الكيانات مؤسسات مستقلة ذات سيادة تفوض بموجب اتفاق مسبق بعض الصلاحيات و الامتيازات للكيان المشترك “الوحدة” بحيث لا تنتقص تلك الامتيازات و الصلاحيات من استقلالية تلك الهيئات التى تدخل كأعضاء فى مشروع الوحدة كما أن هذا التجمع للأطياف المختلفة من المؤسسات الدينية سواء كانت طوائف او كنائس لا يشكل فى مجملة أى كيان جديد تذوب فيه تلك المؤسسات و يتم التأكيد على مبدأ السيادة الدينية لكل طائفة، فالتجمع هنا ليس بغرض الاندماج و الانصهار فى كيان واحد و لكن بغرض الاتفاق على العمل المشترك فيما يتعلق بمصالح تلك الكيانات تلك المصالح التى تتعاظم من خلال هذا التجمع و تتقزم بعيداً عنه و هنا نجد أنفسنا أمام اتحاد كونفدرالى دينى بامتياز.
اشكاليات دستور الوحدة
لازالت الوحدة الكونفدرالية بين الطوائف تحاول ان تجد ملامح لها و ذلك عن طريق وضع دستور ملزم لكل من يدخل فى هذا التجمع الكونفدرالى و الكيان لا زال هلاميا غير محدد الملامح و هو ما يستدعى صياغة دستور لهذا الكيان يستطيع هذا الكيان أن يتعامل من خلاله مع المؤسسات الحكومية و منظمات المجتمع المدنى، و فكرة دستور للكنائس ليست بجديدة أو مستحدثة فجميع الكنائس فى الغرب يطلب منها أن تقوم بعمل دستور بمثابة عقد اجتماعي تلتزم به بينها و بين مؤسسات الدول الحكومية التى تعمل فيها هذه الكنائس و بالطبع فإن فكرة عمل دستور موحد لكل الطوائف التى تشترك فى مشروع الوحدة هو أمر فى غاية الصعوبة، و قد وجد القائمين على مشروع الوحدة أنه يمكن عمل اتفاقيات ثنائية بين بعض الأضداد التاريخية التى يوجد بينها نزاعات كبيرة موروثة لحلحلة تلك النزاعات، تلك الاتفاقيات التى سوف تشكل فى مجموعها على المدى الطويل بنوداً لدستور يمكن صياغته بسهولة يعبر عن تلك الوحدة و يقدم الوحدة بشكل جيد و متفق عليه للمجتمع الدولى عامة و المسيحى خاصة، و قد كانت أشهر تلك الاتفاقيات الاتفاقية التى تم إبرامها فى ابريل 2017 بين الكنيسة الكاثوليكية ممثلة فى البابا فرنسيس و الكنيسة القبطية الأرثوذكسية ممثلة فى البابا تواضروس الثانى لتوحيد المعمودية بين الكنيستين، و بحسب جريدة الأهرام القاهرية الصادرة يوم الجمعة 28 أبريل 2017 وقع البابا تواضروس الثاني بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، مساء اليوم الجمعة مع البابا فرانسيس بابا الفاتيكان اتفاقا حول توحيد المعمودية، ويقضى الاتفاق باعتراف الكنيسة المصرية بمعمودية الكنائس الأخرى، حيث كانت الكنيسة المصرية لا تعترف بمعمودية الكنائس الأخرى، وتلزم المسيحي الذى يتحول إليها من أى كنيسة أخرى بإعادة التعميد وفقا لطقوسها، وجاء نص الوثيقة كما يلي:
“طاعةً لعمل الروح القدس الذي يقدس الكنيسة ويحفظها عبر العصور ويقودها لتبلغ الوحدة الكاملة التي صلى المسيح من أجلها، نحن اليوم البابا فرنسيس والبابا تواضروس الثاني كي نُسعد قلب ربنا ومخلصنا يسوع المسيح وكذلك قلوب أبنائنا في الإيمان، نسعي جاهدين بضمير صالح نحو عدم إعادة سر المعمودية الممارَس في كنيستينا للشخص الذي يريد الانضمام للكنيسة الأخرى حسب تعاليم الكتاب المقدس وإيمان المجامع المسكونية الثلاثة في نيقية والقسطنطينية وأفسس.. نطلب من الله الآب أن يقودنا في الأوقات وبالطرق التي يريدها الروح القدس إلي بلوغ الوحدة التامة لجسد المسيح السري”.
تجاهل الموروث التاريخى
إن الوثيقة التى تم إبرامها بين الكنيستين القبطية و الكاثوليكية عام 2017 تؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن هناك رغبة بين الحلفاء الكونفدرالين على القفز على الحواجز التاريخية فمن المعروف أن بداية الانشقاق بين الكنائس كان فى مجمع نيقية و لكن الوثيقة تؤكد أنها تنطلق من قرارات هذا المجمع بما يوحى بأن الوحدة كانت متأصلة منذ البدء و لكن أسئ فهمها نتيجة الظروف السياسية التى مرت بها الكنائس و على صعيد أخر فقد أكد البابا تواضروس الثانى أنه لا يوجد أى خلافات عقائدية بين الكنائس و لكن الخلافات كانت خلافات كارزماتية بين أباء هذه المجامع و أن كل منهم كان ينتصر للـ “ايجو” الذى بداخلة و ذلك بفرض أراء شخصية لا علاقة لها بالعقيدة و هو ما أدى إلى إساءة فهم قرارات تلك المجامع التى كان الهدف منها ان توحد و لكن عوامل الشخصنه هى التى أفسدت أجواء تلك المحافل المسكونيه و جعلت منها مادة خلاف و شقاق بدلا من أن تكون مادة للتوحد و الاتفاق.
العجيب هنا فى الأمر أنه على الرغم من ظهور توجهات كثيرة داخل الكنيسة القبطية ترفض الفكر التقليدى فى فهم العقيدة و كل تلك التوجهات ليست على قلب رجل واحد و لكنها توجهات متصارعة يقف من ورائها جميعا أباء من الكنيسة إلا انه فى النهاية فإن تلك التوجهات لا ينسحب الصراع فيما بينها إلى الشقاق التاريخى بين الكنائس أو حتى إعادة صياغة و إنتاج مفهوم جديد لهذا الشقاق بمضمون توافقى و كأن هناك اتفاق ضمنى بين المتناحرين على الهرولة نحو الوحدة كل بطريقته الخاصة بل لقد أمعن البعض فى تلك الهرولة بتقديم أنفسهم على أنهم رموز المرحلة الجديدة و أنهم الأكثر فهما و تسامحا مع الأخر فى حين يختفى هذا التسامح عند التماس أو التقاطع مع مصالحهم التى يسعون إلى تحقيقها عن طريق تلك الوحدة .
الطريق من الإذعان إلى الوحدة
إن الأمر المزعج هنا و الذى يؤرق مضاجع تلك الوحدة هو أنه ما يزال هناك صراع بين حمائم و صقور الكنيسة القبطية بين صقور تتمسك بالموروث الثقافى الدينى ولا تريد ان تمتد إليه الحداثة و التطور و يجب ان يتم التضحية بكل نفيس و غالى فى سبيل ذلك و الويل و الثبور و عظائم الامور لمن يجرؤ على المساس بذلك الموروث بكل محتوياته العتيقة من طقس و عقيدة و هذا التيار أطلق عليه مؤخراً التيار “الشنودى” نسبة إلى البابا الراحل شنودة الثالث و الذى كان أكثر المتشددين اللذين جاءوا فى الكنيسة القبطية و الذى كان يرفض أى وحدة بين الكنائس قائمة على التقارب و لكن على من أراد الوحدة أن يزعن للمعتقد القبطى دون قيد أو شرط و يوقع مرغم على اتفاقيات الوحدة الشنوديه القهرية و هو ما كان يلقى رفضا من كل الكنائس، و الأمر يختلف هنا بالنسبة لحمائم الكنيسة القبطية اللذين يرون أن عهد شنودة قد ولى إلى حيث لا رجعة و أن هذا العهد و الفكر أصبح قابع فى القبر مع صاحبه و أن الكنيسة لن تحكم أو تدار من القبر و أنه يتوجب على كل التنويريين أن يحملوا راية التنوير فى مواجهة القوى الشنودية الظلامية و الدخول بالكنيسة فى عهد جديد من الإصلاح يحمل نيره البابا تواضروس الثانى. هذا العهد على الرغم من عدم تبلور سماته و ملامحه حتى الآن على الرغم من مرور حوالى العشر سنوات عليه إلا أن ما يحسب له بوضوح هنا هو أن هذا العهد يتقبل كل الآراء و الرؤى بعيد عن الإقصاء و الإبعاد و الحرمان من خلال تنوع ثقافى تظهر ملامحه بوضوح فى بعض الكيانات و خاصة مكتبة الإسكندرية و التى يتولى رعايتها و الإشراف عليها دير البراموس الذى عهد بإدارتها إلى أحد أباء الدير و هو الأب سيرافيم البراموسى و الذى يعتبر و عن استحقاق فيلسوف الكنيسة المعاصر و سوف تكون لنا وقفة تحليلية مع مكتبة الإسكندرية و المقارنة بين التوجهه الفكرى لهذا الكيان مقارنة بما يمكن أن نسميه مجازاً ” العُهدة الشنودية” من خلال احدى حلقات سلسلة مقالاتنا تلك.
و السؤال الذى يفرض نفسه هنا هو هل تتحول تلك الوحدة و التى يفترض منها أنها وحدة بين كيانات و مؤسسات و كنائس كبيرة حول العالم إلى “سبوبه” شخصية بين المهرولين و المتصارعين عليها و يتم تفريغ تلك الوحدة من محتواها العالمى لتتشرزم و تصبح أرخبيلاً من جزر معزولة يسيطر على كل منها أشخاص لهم وزن معيارى دينى نسبى ثقلت موازينه أو خفت ؟
هذا ما سوف يكون محل بحث ودراسة فى مقالنا القادم.

تعليقات الفيسبوك

أترك تعليقك