مئوية البابا شنودة الثالث حكيم الزمان 6ـ7″البابا والرئيس”

90

د. مرفت النمر تكتب:

كانت العلاقة بين الرئيس جمال عبد الناصر والبابا كيرلس من اقوى العلاقات بين بابا الكنيسة القبطية وبطريرك الأقباط وكانت علاقة الكنيسة بالدولة هادئة وتسير على أفضل ما يكون وتشاء الأقدار ان يرحل الرجلان في نفس العام لينطوي عصر ويأتي عصر أخر برجالة فلقد جاء الرئيس السادات في أجواء غير مستقرة وصراعات بين رجال الدولة ومحاولات لأقصاء الرئيس أما البابا شنودة فقد كان أكثر ثقافة وانفتاحاً من البابا كيرلس وكان يريد أن يدخل بالكنيسة عصر جديد من عصور النهضة وهو ما كان له ولكن في البدايات كان الرجلان البابا والرئيس يسعى كل منهم لتكريس سلطان كرسيه وتعارضت السلطات بينهما ورأى الرئيس من البداية ان البابا ينازعه زعامة الاقباط فبدأ العصر الجديد بالصراعات بين بطريرك يتسم بالحكمة وعدم الصدام ورئيس أصبح فرعوناً يريد الكل ان يخضع له لينجح كل من الرجلين في صناعة الكاريزما الخاصة به ويدخلان في صراعات طائفية على مدى عقد من الزمان 

البداية من الخانكة

تعتبر حادثة الخانكة هو أول حادثة طائفية من نوعها فى مصر وبعدها تفجرت حوادث العنف حيث تم اشعال النار فى مبنى “جمعية” اتخذها المسيحيون منزلا للصلاة فقاموا بإنشاء المحال التجارية من حولها  وأقاموا في وسطها ملعبا ًرياضا ثم أقاموا فيها “مذبح” للصلاة  وقام بتدشين المذبح ككنيسة  أحد الأساقفة وتمت الصلاة بها  فقام متطرفين بصدام واعتداء على الأقباط وساروا فى مظاهرات تهدد رجال الأمن وحرقوا الجمعية ونهبوا محتوياتها

وفى يوم الأحد التالي 12 نوفمبر 1972 اقبل عدد كبير من القساوسة بالسيارات ومعهم (400 مواطن قبطي) واتجهوا إلى أطلال الجمعية التي تم إحراقها واقاموا شعائر الصلاة فى الخلاء وكان المشهد مثيراً ليستدعي الأقباط عصور الاضطهاد الرومانية وفى نفس اليوم ليلاً قامت مجموعات متطرفة بالتجمع فى مسجد السلطان الأشرف وتوجهوا إلى مركز الشرطة فى مسيرة جهادية يحملون العصى والأسلحة وهم يكبرون بعبارة الجهاد قائلين: ” الله أكبر .. ألله أكبر ” وأشعلوا النيران في محل حانوتي وبقال أقباط قيل انهما أطلقا النيران على المتطرفين وهو ما أثارهم فقاموا بإشعال النار فى محلات اخرى ومنازل وأصيب الاقباط بالرعب وتوجهوا إلى مبنى الجمعية المحترقة وأشعلوا فيها النار مرة أخرى

البابا في المواجهة

لم يكن البابا شنودة الثالث يستطيع ان يغض البصر عن تلك الأحداث ففي صباح اليوم التالي أرسل عدداً كبيراً من الأساقفة والمطارنة واستقلوا أتوبيساً قاصدين الخانكة وكانوا يريدون أن يقف الأتوبيس على مشارف البلدة ويترجلون إلى مكان الكنيسة لأقامه الشعائر الدينية وقيل أنه كانت لديهم تعليمات من البابا أنه أذا ما أعترضهم المتطرفين فعليهم ان يواصلوا التقدم مهما كانت النتائج حتى لو أدى الأمر الى الاستشهاد على أسم المسيح  ولكن البابا نفى ذلك فيما بعد قائلاً “لم تصدر منى تعليمات بتنظيم أي مسيرات  ولكن حقيقة ما حدث أن بعض الكهنة ذهبوا فى اليوم التالي ليروا المبنى المهدم في سيارات وأتوبيسات فأنزلتهم الشرطة قبل المكان بمحطة أتوبيس ولهذا ظهرت شائعة المسيرة ولو كانت الشرطة سمحت للسيارات بالوصول إلى مقر الحادث لما رآهم أحد ولما ظهرت الشائعة” وكان المشهد مثيراً  وكان عواقبه المحتملة خطيرة  وادلى البابا بتصريح  حيث قال: “قررت ألا تراني الشمس آكلا أو شاربا  حتى تحل المشكلة” وغضب السادات واتهم البابا بأنه يثير أوضاعا بالغة الخطورة لا سبيل إلى معالجتها وقال السادات لمحمد حسنين هيكل ” إن شنودة يريد أن يلوى ذراعي ، ولن أسمح له أن يفعل ذلك ” ومنذ هذه اللحظة بدأ السادات يشعر ان البابا يقود الاقباط وكأنه زعيم سياسي وليس رجل دين وأعتبر هذه المسيرة الغير مسبوقة  تحديا مسيحيا وتمردا علنيا على حكمه

البابا يدعو الى التصعيد

وفى 17 يناير عقد اجتماع مسيحي قبطي عاماً  وأصدر المؤتمر بياناً  جاء فيه “دعت الضرورة لعقد هذا الاجتماع وذلك لبحث المسائل القبطية العامة وتفضل قداسة البابا المعظم الأنبا شنودة بحضور جلسة الاجتماع الأول وكانت بتاريخ 17 ديسمبر 1976فى الكاتدرائية المرقسية الكبرى وكانت المسائل المطروحة للبحث هي حرية العقيدة و حرية ممارسة الشعائر الدينية و حماية الأسرة والزواج المسيحي و المساواة وتكافؤ الفرص” وخرج المؤتمر بتوصيات أهمها فرض صوم انقطاعي على الأقباط لمدة ثلاثة أيام من 31 يناير الى 2 فبراير واعتبار المؤتمر فى حاله انعقاد مستمر لمتابعة ما يتم فى مجال توصياته بالنسبة لجميع المسائل القبطية العامة وأعلن البابا شنودة على الفور الصوم والصلاة فى جميع الكنائس يرفع الله الغمة عن الكنيسة وشعبها وتوالت الرسائل من الداخل والخارج على رئاسة الجمهورية وكل مؤسسات الدولة تندد بموقف الدولة من الأقباط  ويحكى محمد حسنين هيكل  ما حدث فى موضوع حادثة الخانكة قائلا ” ذهبت لمقابلة الرئيس السادات فى بيته فى الجيزة أعرض عليه وجهه نظر مفصلة فى إمكانية الحل كان رأيي أن قضية الخط الهمايونى لازالت أكبر سبب للمشاكل وأنه لابد من حل ” يعطى ما لقيصر لقيصر وما لله لله ” ثم رويت للرئيس السادات كيف جرى حل هذه المشكلة عملياً أيام الرئيس عبد الناصر ومن خلال اتفاقه مع البابا كيرلس على وضع عدد معين من تصريحات بناء الكنائس الجديدة تحت تصرف البابا وكان رأيي أن ذلك لا يحل المشكلة عملياً فحسب وإنما يرضى مشاعر البابا حين يجعله يحس أنه يملك صلاحيات عملية وفعالة كرئيس لكنيسة عالمية كبرى  وسألني الرئيس السادات كم عدد الكنائس الجديدة التى صرح بها عبد الناصر سنويا للبابا كيرلس وحين ذكرت العدد ” خمسة وعشرين كنيسة سنوياً ” هز الرئيس السادات رأسه معترضاً قائلاً  ” إن ذلك كثير جداً ” ويعقب أسامة سلامة فى كتابة ( مصير الأقباط في مصر )على عبارة السادات قائلا ” معنى هذا أن السادات كان إلى جانب الحد من بناء الكنائس فهو يرى أن بناء 25 كنيسة كل عام كثير وهو الرقم الذى أعطاه عبد الناصر للبابا كيرلس فإن صح الأمر فإن هذا يعنى طائفيه السادات فى هذا المجال أو خوفه من التيار الديني وبناء على نصيحة محمد حسنين هيكل اجتمع السادات بالمجلس الإسلامي الأعلى برياسة شيخ الأزهر ثم اجتمع بالبابا شنودة ومعه الأساقفة وصرح لهم بإنشاء خمسين كنيسة بدلا من بناء خمسة وعشرين كنيسة سنوياً التى صرح بها عبد الناصر وفوجئ السادات بالحفاوة التى أستقبل بها أثناء الاجتماع ثم نظر لساعته وقال لمن حوله من الأساقفة أعضاء المجمع القدس   وعلى رأسهم البابا “حان موعد صلاه الظهر” ثم قام يؤدى صلاة الظهر فى غرفة الاجتماعات وكان محمد حسنين هيكل فى بيت السادات ينتظره فسئله : ” كيف سارت الأمور ؟ ” فكان ردة ” رائعاً ” ثم راح يصف لى كيف استقبله شنودة  وكيف قال له” أنه زعيم الشعب وأب كل طوائف الأمة وراعيها جميعاً ” ثم استطرد قائلا ” إن شنودة ليس سيئاً كما تصورت ” وأضاف السادات  لقد قلت له “كيرلس كان تحت تصرفه تصريحات ببناء 25 كنيسة  وسوف أضع تحت تصرفك أنت تصريحات بخمسين ” وقال هيكل  ” إنك كنت تستكثر خمساً وعشرين  وعلى أي حال أنا سعيد لأنك أعطيته خمسين وقال السادات ” إنك لا تتصور ماذا قال لى إنه لم يتوقف لحظة طول الوقت عن تكرار قوله إنك قائدنا وزعيمنا وأبونا وراعينا ” إلا أن هذه الوعود تبخرت عند بزوغ النهار فقد حدثت شكاوى من رجال الدين المسيحي من النبوي إسماعيل وزير داخلية حكومة السادات الذى كان يتباطأ فى تنفيذ تعليمات رئيسة ببناء 50 كنيسة ووضع العراقيل الروتينية وقال البابا شنودة  ” إنه لم يتم تنفيذ هذا القرار ” 

تمدد الكنيسة بالخارج

وجد البابا شنودة أن بناء الكنائس داخلياً قد توقف فراح يركز على كنائس الخارج ويتوسع فيها ويرسم لها أساقفة جدد خاصة فى أمريكا الشمالية وكندا وأستراليا  ولم يترك القارة الأفريقية وبدأ يمد نشاط الكنيسة القبطية إلى كل أرجائها وراح يحقق تواجداً دولياً ملحوظاً لكرسي للكنيسة بالخارج فوقع فى سنة 1973 إعلاناً مشتركاً مع البابا ” يوحنا بولس ” بابا الفاتيكان وقتها من أجل الاهتمام المشترك بتحقيق الوحدة بين كل الكنائس المسيحية

مظاهرات أمريكا 

كانت سياسة السادات قد أعطت الضوء الأخضر لانتشار الجماعات الإسلامية بمختلف اتجاهاتها داخل الجامعات والشارع السياسي المصري وبدأ نفوذ الجماعات الإسلامية يتزايد وسيطرت على اتحادات الطلبة وامتدت سيطرتها إلى إدارة الجامعة وذلك لمحاربة التيار اليساري والشيوعي فكان أن تحقق له هذا بالفعل وكثرت اعتداءات الجماعات الإسلامية على إدارات الجامعات والطلبة الأقباط فى جميع فروع الجامعات المصرية  وتميزت جامعة أسيوط بعنف التواجد الإجرامي بها بل وذهب السادات إلى جامعة أسيوط وعقد اجتماعا أذيع بالتلفزيون على الهواء مباشرة وتحدث أحد الأساتذة قائلاً: ” أن الدولة قامت عن قصد بتشجيع هذه الجماعات على أساس أنها تناوئ المد الشيوعي وهذا سبب تضاعف قوة إجرام الجماعات الإسلامية ”  وأمتد العنف ضد الأقباط  إلى الجامعات مثل جامعة أسيوط والمنيا والإسكندرية. ومُنع الاحتفال بعيد العذراء فى كنيسة العذراء بالجبل وكان المهاجرون المصريون فى أمريكا تصل إليهم أخبار تلك الأحداث فى مصر من أهاليهم وفى زيارة للسادات الى الولايات المتحدة عام 1975  استقبله الأقباط هناك بمظاهرة رفعوا فيها لافتات تصف ما يحدث للأقباط فى مصر بأنه اضطهاد وظهرت إعلانات تحكى عن معاناة الأقباط من وعود الحكومة الزائفة ثم قاموا بعد ذلك بنشر أخبار تلك المظاهرات فى صحيفتي النيويورك تايمز والواشنطن بوست ووصفت الحكومة المصرية هذه الإعلانات أنها مستفزة وهو الشيء الذى لم أغضب الرئيس فطلب الاتصال بالبابا من أجل إيقاف المظاهرات وحدث هذا فعلا ولكن بشكل متأخر بعض الشيء مما دفع السادات للظن بأن البابا يتحداه، فأصدرت أجهزة الأمن قرارا للبابا بأن يتوقف عن إلقاء درسه الأسبوعي يوم الأربعاء 

البابا يرفض

رفض البابا الامتثال لقرار الرئيس وقرر تصعيد الأمر بأن أصدر قرارا بعدم الاحتفال بالعيد فى الكنيسة وعدم استقبال المسئولين الرسميين الذين يوفدون من قبل الدولة عادة للتهنئة بل وصل الأمر إلى ذروته عندما كتب فى رسالته التى طافت بكل الكنائس قبيل الاحتفال بالعيد أن هذه القرارات جاءت ” احتجاجا على اضطهاد الأقباط فى مصر” ورفض إذاعة الاحتفال بالأعياد فى أجهزة الإعلام كما جرت العادة وقتها وكانت هذه المرة الوحيدة التى يقر فيها البابا علانية بوجود اضطهاد للأقباط فى مصر ولم يفعلها بعد ذلك مطلقا 

زيارة البابا 1977

بدأت العلاقة تتعقد بين البابا والرئيس وكان عام 1977 أحدى المحطات الكبيرة التي أغضبت الرئيس من البابا فلقد ذهب البابا لزيارة رعوية الى الولايات المتحدة ولكن تلك الزيارة اتخذت منحى أخر ويحكى البابا شنودة عن هذه الزيارة قائلاً (في أعقاب زيارة السادات لأمريكا وجهت لي الإدارة الأمريكية دعوة من خلال الأنبا صموئيل مسئول العلاقات الدولية في الكنيسة لزيارة أمريكا وتحدد موعدها على أن تكون يوم 14 أبريل 1977 وحدث أن سافرت فوجدت استقبالا عظيما من المصريين المسيحيين المقيمين في أمريكا وكان من المقرر وفق جدول الزيارة أن ألتقي جيمي كارتر الرئيس الأمريكي الجديد آنذاك إلا أنني كنت غير مرتاح لطلب الإدارة الأمريكية لقائي الرئيس الأمريكي خاصة أنها المرة الأولي في تاريخ الكنيسة الأرثوذكسية التي يلتقي بطريركها رئيساً أمريكياً كما أن الساحة السياسية كانت تشهد حراكا شديداً على المستويين الإقليمي والدولي خصوصا في العلاقات المصرية الأمريكية فطلبت مرافقة السفير أشرف غربال سفير مصر في واشنطن في زيارتي للبيت الأبيض ليكون شاهدا على ما سيدور في اللقاء فلا يساء فهم وتفسير ما سيحدث فيه من الرأي العام الداخلي لاسيما أن الإعلام الرسمي أخذ يشن هجوما شديداً علي نشاط أقباط المهجر واتهمهم بالخيانة والعمالة وتشويه صورة مصر في الخارج. التقيت الرئيس الأمريكي لمدة نصف ساعة في وجود السفير المصري والأنبا صموئيل مسئول العلاقات الدولية في الكنيسة استفسر خلالها عن أوجه نشاط الكنيسة القبطية التي كان مهتمًا بها وتاريخها وآثارها القديمة كما تحدث عن رحلة العائلة المقدسة إلى مصر وقدمت له أيقونة ذات ثلاثة جوانب على أحدها تظهر القديسة مريم وعلى الجانب الثاني تعميد المسيح وعلي الثالث تظهر قيامة المسيح إلا أنني فوجئت بالرئيس الأمريكي يقول أمام مندوبي الصحافة والتليفزيون في المؤتمر الصحفي الذي أعقب اللقاء إنه يعرف أن عدد الأقباط في مصر بلغ 7 ملايين وهذا هو الرقم الصحيح لتعداد الأقباط في مصر الصادر عن الكنيسة بينما تعداد الدولة كان مليونين وثلث المليون نسمة وفي الجلسة المغلقة التي أعقبت المؤتمر الصحفي وجه الرئيس الأمريكي عدة أسئلة حول الكنيسة القبطية وعن رأيي في موضوع القدس لأنه يعرف أن الكنيسة القبطية لها رأي في المشاكل السياسية لاسيما الصراع العربي الإسرائيلي وكان الرئيس الأمريكي يريد من كل ذلك استدراج الكنيسة القبطية إلى موقف ملائم من وجهة النظر الأمريكية في مشاكل الصراع العربي الإسرائيلي فقلت له” إن اليهود ليسوا شعب الله المختار في الوقت الحاضر وإلا ماذا نسمي الكنيسة المسيحية؟ فإذا كنا نعتقد أنهم شعب الله المختار فمعني ذلك أننا المسيحيين لسنا مختارين من الله بالمرة أما عن المشاكل السياسية فنحن نتحدث عن المبادئ العامة الأساسية الخاصة بالمشكلة أما التفاصيل فهي متروكة لرجال السياسة ويبدو أن الرئيس السادات لم يلتفت لتفاصيل ما دار في اللقاء لكنه آلمه أن يكون هناك اتصال من أي نوع بين الكنيسة الأرثوذكسية والإدارة الأمريكية فغضب من الزيارة برمتها

البابا وكامب دافيد

فى افتتاح دورة مجلس الشعب في 1981وفي هذه الجلسة الشهيرة أعلن السادات استعداده للذهاب للقدس بل والكنيست الإسرائيلي وكان فى ذلك الوقت يحتاج الى تايد الشعب فأنشأ السادات الحزب الوطني الديمقراطي وتولى رئاسته وزادت قبضته العنيفة على القوى المعارضة لتوجهاته ثم لجأ إلى الاستفتاء الشعبي على شخصه وطلب من عدة قيادات رئيسية بمصاحبة الرئيس اثناء الزيارة وهو ما عرف وقتها بسياسة التطبيع وهذا ما رفضه البابا شنودة كممثل للأقباط كما أكد البابا أن الأقباط لن يزورا القدس حجا والأراضي الفلسطينية تحت الاحتلال وايضا احتجاجا على الاستيلاء على أحد الأوقاف القبطية في القدس وهو “دير السلطان” وله مقولة شهيرة ان الاقباط لن يدخلوا القدس الا وايديهم فى أيدى اخواتهم المسلمون والقدس حرة وذلك رغم أن البابا أيد السلام مع إسرائيل لكنه رفض الذهاب إلى إسرائيل 

الصدام

اضطر السادات الى السيطرة على جميع أطراف المعارضة من جميع الجهات لحين الانتهاء من اتفاقية كامب ديفيد وذلك ما يعرف بأحداث سبتمبر 1981 حيث تم القاء القبض على حوالي 1500 شخص من جميع الفئات المعارضة من بينهم السياسيون كما قام باعتقال كثير من القيادات الدينية داخل سجن المرج وطره و حدد اقامة البابا بدير الانبا بيشوى   وعمل علي تكوين اللجنة الخماسية وهم الأنبا صموائيل أسقف الخدمات والأنبا غريغوريوس أسقف البحث العلمي والأنبا مكسيموس مطران القليوبية والأنبا يوأنس أسقف الغربية والأنبا أثناسيوس مطران بني سويف وبعد وفاة الأنبا صموائيل يوم 6 أكتوبر تم اختيار الأنبا باخوميوس مطران البحيرة الحالي الجدير بالذكر ان اللجنة لم تمارس أي عمل. وكان الرئيس السادات كان يستعين بالقمص متي المسكين و له دخل كبير في تحديد أسماء اللجنة الخماسية بعد أن رفض أن عرضاً من السادات بتعينه بطريركاً للأقباط بدلاً من البابا شنودة لأن قوانين الكنيسة لا تسمح بذلك

تحديد أقامه البابا

 فى  مؤتمر صحفي عالمي عقده الرئيس السادات فى قريته ميت ابو الكوم فى 9 سبتمبر 1981 علق السادات على هذه المشكلة وقال” بالنسبة للبطريرك فإن مهمة البابا أولاً أنه قس ثم المهمة الثانية مسئوليته في رعاية الكنيسة وإني أتوجه لشعبي المسيحي وأود هنا أن أقول إنهم انتخبوه بناء على قوانين الكنيسة على أنه بابا والدولة فوراً أصدرت ما تسميه بالقرار الجمهوري لتعزيز هذا الانتخاب وهو أمر حيوي بالنسبة لأي بابا ليعمل وان ما حدث هو لا يمكن لأحد أن يكون له أي دخل بالقوانين ولكن ما ألغيته بالفعل هي النقطة الثانية والتي لدي السلطة أن ألغيها وهي إعلانه أمام الدولة وأمام العالم بأسره على أنه رئيس الكنيسة ولهذا فإنني عملت فقط داخل حدود مسئولياتي ولكن لو طلبت أن أعدل عن فكرتي فإني أقول إنه يتعين على الرجل أن يبقى في ديره كما كان الحال في الماضي وأقول هنا أن كل ما أحدثه من دمار بالنسبة لشعبي فانه يتعين على شعبي أن يقف إلى جواري وأن يمنعوا ما حدث وأن يمنعوا إثارة الفتن كما حدث من جانب بعض المسيحيين في الخارج ولذا أفضل أن يبقى في ديره ولن أقبض عليه أبداً فعليه أن يظل في ديره وأن اللجنة التي تم تشكيلها قد عينت طبقاً للنظام الديني وقوانين الكنيسة وليست تخرج عن قوانين الكنيسة.

أيام العزل

تم التحفظ على البابا شنودة في الدير مدة 40 شهر و يقول الأنبا بسنتى أسقف حلوان وسكرتير البابا شنودة وقتها عن أيام التحفظ وتحديد أقامه البابا ( في السنة الأولي من سنوات التحفظ لم يكن مسموحا لأحد بزيارة البابا في الدير إلا الشخصيات الرسمية وكبار رجال الدولة حتى المطارنة والأساقفة وجميع رجال الدين لم يكن مسموحا لهم بالزيارة فكان البابا يقضي يومه ما بين الصلاة والقراءة والكتابة والعمل وكان يفضل أن نأخذ “المقصات” ونذهب معا لتقليم الأشجار بحكم أنني خريج كلية الزراعة والبابا مارس الزراعة جيدا من قبل هذا بجانب الوقت الذي يقضيه في تعليمنا من خلال الدروس الروحية)

السماح بالزيارات

 أما بعد السنة الأولي فقد بدأ السماح بالزيارات للجميع وأخذت مشاغل البابا في التزايد وكانت تحوز على مساحة كبيرة من وقته و كتب كتبا روحية بل إن هذه الفترة شهدت صدور أروع مؤلفات البابا منها كتاب “الرجوع إلي الله” والله وكفى ” و”الإيمان” فقد كان يجمع محاضراته في موضوع معين ويعيد صياغتها ويضعها في كتاب استثمارا لوقت فراغه في الدير أما عن المسئولين اللذين زاروا البابا في تلك الفترة هم اللواء حسن أبو باشا واللواء أحمد رشدي وكان للواء حسن أبو باشا أثناء زيارته للبابا تفسير لاحتجاز البابا في الدير فقد قال للبابا “إن هذه الحراسة الموجودة حول أسوار الدير لك وليست عليك”، وكان رد البابا بفصاحة وبراعه بالغتين فقال:” يا سيادة الوزير الحراسة التي لي تحرسني أينما ذهبت أما الحراسة التي على فهي التي تمنعني من الحركة واعذرني في القول إن الحراسة القائمة من النوع الثاني وليس الأول”.

من نوادر البابا

روي الأنبا أنطوني أسقف أسكتلندا( أنه في أيام قضاء قداسة البابا شنودة فترة التحفظ بدير الأنبا بيشوي  كنا شغالين في الخرسانة و الأسمنت خلص فكلمت رئيس الدير الأنبا صرابامون و قلت له” الأسمنت خلص” فقال” و إيه المشكلة” قلت له “و العمال نعمل فيهم إيه؟” فقال لى “مشِّيهم” فقلت له “لو مشيوا مش هانعرف نجيبهم تاني علشان فيه عساكر محاصرة المكان كله مش سهل إنهم يدخلوا تاني” فقال لي” طيب خليهم قاعدين لحد ما ييجي الأسمنت قلت له” بس اليوميات بتاعتهم محسوبة كل يوم فيه يومية ” فقال” نشوف سيدنا البابا أحسن” فرُحت لسيدنا البابا فقال لي طب إنت عايز كام طن ؟ ” قلت له”عايزين 25 طن أسمنت نقفّل بيهم بقية المبنى علشان نخلصه فقال سيدنا”طب مانقدرش نجيبه خلاص نكلم المسيح ” فأخذ سيدنا البابا العصاية بتاعته و ابتدا يشاور بها في السماء  و قال” يا رب عايزين 25 طن أسمنت “و قال لي ضاحكاً “عايز نوعه إيه ” فقلت ” عايزينه أسمنت بورتلاندي عادي فقال للسماء” يا رب عايزين 25 طن أسمنت بورتلاندي عادي ” و قال لي سيدنا “مش عايز حاجة تاني ؟” قلت له “لأ” ولم تمر ثلث ساعة بالضبط و لقينا عربية مليانة أسمنت جات على الدير و نزل السواق و راح لسيدنا البابا و قال له “أنزل الأسمنت ده فين ؟” فقال له البابا” طب نوعه إيه ؟” قال له” بورتلاندي عادي” فقال له “كام طن ؟” فقال له  “25 طن”  فجاء نحوي الأنبا صرابامون رئيس الدير و قال لي” ما قلتش ليه 30 علشان ربنا كان فاتح السماء “

اغتيال السادات وعودة البابا

في السادس من أكتوبر من نفس العام اغتيل الرئيس محمد أنور السادات على أيدى الجماعات الإسلامية في ذكرى انتصار أكتوبر المجيد وعندما علم البابا بالخبر حزن حزناً شديداً وكان أول ما قاله ” ربنا يستر على البلد” وبتولي الرئيس حسنى مبارك مقاليد الحكم فى 14 أكتوبر 1981 خلفاً للسادات قام بعدد من الزيارات الخارجية ودخلت الكنيسة والبابا في مرحلة جديدة مع الدولة وأراد البابا أعادة صياغة العلاقة بين الكنيسة والدولة  فأوفد البابا شنودة بعض الأساقفة لأبناء الكنيسة من المتواجدين بالمهجر لتهدئة الأجواء وضرورة الترحيب بالرئيس حفاظًا على صورة مصر وكانت هناك عدة محاولات لإلغاء تحديد إقامة البابا إلى أن قام مبارك فى 3 يناير 1985 بإصدار قرار جمهوري بإلغاء قرار السادات، وإعادة تعيين الأنبا شنودة الثالث بابا الإسكندرية بطريرك الكرازة المرقسي

تعليقات الفيسبوك

أترك تعليقك