انبطاح اللاهوت القبطي

90

د. مرفت النمر تكتب:

من المعروف والمسلم به ان الكنيسة القبطية الارثوذكسية قد أنعزلت عن النتاج اللاهوتى العالمى طيلة ما يقرب من قرن ونصف ولاهوت الكنيسة القبطية لاهوت متشرزم قائم على النقل من بعض القصاصات لاباء الكنيسة الأولين، فتراث الإباء الذى تفخر به الكنيسة القبطية وتناطح به السحاب لم يتم جمعه حتى الان عن قصد فهذا التراث به الكثير من اجتهادات الإباء عجزت الكنيسة عن فهمها فنقلت الكنيسة من تراث الإباء ما فهمت ورفضت ما استعصى عليها فهمة دون محاولات جادة للخوض في أعماق فلسفة تراث الإباء وتبنت الكنيسة لاهوت بدائى يعجز عن تقديم رؤى حقيقية لأهم مكونات العقيدة بينما كان الاهوت الغربى ومعظمة أرثوذكسى ينفتح على كل الفلسفات والثقافات مؤثراً ومتأثراً بها في دوائر بحثية وفلسفية متقاطعة وهو ما أغرى بعض أباء الكنيسة المعاصرين مثل الانبا غريغوريوس والقمص متى المسكين للانفتاح على هذا النتاج اللاهوتى وترجمة البعض منه والنقل عنه بتصرف ليطرح هؤلاء لغه لاهوتية جديدة تختلف ابجديتها عن ما هو متداول في الفكر الكنسى القبطى ومن هنا كان التصادم بين تياريين داخل الكنيسة الأول قائم على النقل من لاهوت متشرزم والثانى يعمل العقل وينفتح على كل الثقافات ومع أهتمام الكنيسة القبطية بتكريس سلطاتها الدنيوية وما تعرضت له الكنيسة من موائمات سياسية كثيرة تردى البحث العلمى داخل الكنيسة وهو ما يظهر جلياً وواضحاً عن مقارنة الحركة الاكاديمية الاكليريكية (الكليات الاكليريكية) بمدرسة الإسكندرية اللاهوتية التي أسسها القديس ديدموس الضرير فهناك بون شاسع بين توهج مدرسة الإسكندرية وبين انكفاء الكليات الاكليركية ومع بداية ثورة الاتصالات وسيطرة الميديا على التعليم لجأت الكنيسة الى منع تراث الإباء المجددين وحرق كتبهم وتبنت اعلام التخدير والتغييب عن طريق تقديم بعض الأعمال الدرامية التي تحكى سير الشهداء والقديسين وما تعرضوا له من اضطهاد وتم نشر المنهج الارسطى في التطهير عن طريق اثارة الشفقة والخوف لتتوالى الضربات التي تقسم ظهر لاهوت الكنيسة وتطفو على السطح ازمة تقييد العقل القبطى ومنعه من الانفتاح على النتاج اللاهوتى العالمى على الرغم من سهولة الحصول على المعلومات وحرية تداولها، ومنع عظات هؤلاء الإباء المجددين على الفضائيات الكنسية  ليس بجديدا ولكنه استمرار لمخطط تقييد العقل القبطى وتغيبه وأقصاء كل ما يمكن ان يضع لاهوت الكنيسة المتشرزم (بحثياً) في حرج. إلا أن المتابع لحركة التعليم داخل الكنيسة خلال العقد المنصرم يلمح بما لا يدع مجالا للشك روحا جديدة قد دبت فى التعليم اللاهوتي داخل الكنيسة فالبابا تواضروس الثاني يقود منذ اعتلائه الكرسي المرقسى حركة تنوير حملتها رياح التغيير داخل الكنيسة و على الرغم من عدم تبلور منهج حديث للاهوت القبطي حتى الآن إلا أن ملامح هذا المنهج بدأت فى الظهور على أيدي بعض آباء الكنيسة المحدثين مثل أثناسيوس المقارى و صرافيم البراموسى الذى يقود واحدة من أعظم أكاديميات اللاهوت القبطي فى العصر الحديث و هى مدرسة الإسكندرية الجديدة التى أصبح لها نتاج علمي و بحثي كبير يقوم عليه خيرة الباحثين الشباب و ذوى الخبرة من المجددين.

لا شك إن هناك محاولات كثيرة من آباء و علمانيين فلاسفة داخل الكنيسة لإخراج اللاهوت القبطي من كبوته التى استمرت لقرون طويلة و أظن ان تلك المحاولات سوف تثمر عن منهج لاهوتي قبطي يضارع المناهج اللاهوتية الغربية إن لم يعلو عليها.

تعليقات الفيسبوك

أترك تعليقك