مئوية البابا شنودة الثالث حكيم الزمان 7ـ7البابا و مبارك و الثورة

90

د. مرفت النمر تكتب:

كانت علاقة البابا شنودة بالرئيس مبارك مزيجاً من الهدوء والتوترات وانتهت بالود الشديد وتبدأ العلاقة الحقيقية بين الرجلين ظهر يوم سبت النور” ليلة عيد القيامة ” من سنة 1980 أى قبل صدور قرار الرئيس السادات بعزل البابا شنودة بشهور قليلة وكان البابا قد أتخذ قراراً بإلغاء الاحتفالات في هذا العام وأعتكف في الدير بسبب خطف بعض الفتيات القبطيات فذهب وفد من أقباط الكنيسة الى رئاسة الجمهورية في محاولة لنزع فتيل الأزمة وعن ذلك اليوم نشر القس أغسطينوس حنا فى مجلة مار يوحنا الصادرة بكاليفورنيا عدد ديسمبر 2006، يقول(كانت مقابلتنا للسيد حسنى مبارك دون أي ترتيب سابق استقبلنا وقتئذ بوجه جاد ولكن لا يخلو من ابتسامة ترحيب خفيفة وأشار لنا بالجلوس وبدأ الأستاذ عدلى عبد الشهيد المحامى وعضو مجلس الشعب بالحديث وقال” سيادة النائب معذرة للحضور بدون ميعاد سابق ولكن مجيئنا فى الحقيقة هو لتفادى كارثة كبيرة وهو بخصوص الأزمة الطارئة بين الرئيس أنور السادات وقداسة البابا شنودة فالرئيس السادات غاضب جدًا لأنه اعتقد أن قرار البابا والمجمع المقدس بإلغاء الاحتفال الرسمى بعيد القيامة مقصود به إثارة العالم الخارجى ضده وضد مصر وكما قال الرئيس إن أعداء البلد يتربصون بنا فنحن نستطيع تفويت الفرصة عليهم والوقت لم يفت بعد فالساعة الآن الواحدة بعد الظهر والدير على بعد ساعة ونصف منا فإذا وافقتم على إرسال مندوب رسمى عن الرئيس معنا إلى البابا وحددتم موعدًا لمقابلة مباشرة بين سيادة الرئيس وقداسة البابا الساعة الخامسة أو السادسة مساء اليوم فإذا تقابلا لمدة ساعة واستمع الرئيس لشكوى البابا فسوف يعذره ويعودان كالسمن على العسل ويصلى البابا قداس العيد فى موعده كالمعتاد ويذيع التليفزيون وتنتهى الأزمة على خير ونفوت على أعداء البلد فرصتهم لعمل تصدع داخلى” ورد السيد حسنى مبارك الرجل المعروف بهدوئه بثورة غضب شديدة قائلا “لا لا سيبك من الكلام ده مش إحنا اللى نتحرك تحت لوى دراع فأنتم دايمًا تصطنعون هذا التوقيت كلما ينوى الرئيس الذهاب الى أمريكا تعملوا أنتم فرقعة لتهييج الأقباط فى أمريكا لإحراج الرئيس والإساءة لسمعة مصر فى الخارج روحوا قولوا للبابا إن هذا ليس فى مصلحته ولا فى مصلحة الأقباط وأن الرئيس أنور السادات غاضب وثائر جدا البابا مش صغير وكان يجب أن يعرف أن تصرفاته لها ردود فعل وأبعاد كبيرة فى الداخل والخارج لو كان قسيس ولا مطران كنا التمسنا له العذر أو تغاضينا عن تصرفه لكن البابا يعمل ده كله عشان شوية بنات ماشيين على حل شعرهم” بالتأكيد نقل المجتمعون مع نائب رئيس الجمهورية الى البابا ما دار في الاجتماع وبالتأكيد تركت كلمات النائب أثاراً سيئة لدى البابا

مبارك رئيساً

تسارعت الأحداث بعد ذلك سريعاً فلقد عزل السادات البابا شنودة وتم التحفظ عليه في الدير وما هي الا أيام قليلة حتى اغتيل السادات وجاء مبارك رئيساً للبلاد كانت الأجواء محتقنه ومشحونة بالغضب القبطى حزنا على تقييد بطريرك الاقباط وأنتظر الجميع ان يعيد الرئيس الجديد البابا الى كرسيه وهو ما فعله مبارك ولكنه جاء متأخراً بعض الوقت وهو الموقف الذى لم ينساه البابا شنودة لمبارك طوال أيام حكمة لم ينسى البابا مطلقاً أن مبارك أعاد له أو أعاده الى كرسيه البابوي ليبدأ عهد جديد بين الرئيس والبابا في علاقة اتسمت بالمد والجزر اقترب فيها الطرفان  البابا والرئيس لبعضهما وشعر كل منهما بحاجته للآخر واستمر البابا طوال فترة حكم مبارك و لكنه غير من سياسته التصادمية مع السادات لينتهج سياسة تقوم على المناورة و اندفعت الكنيسة لتوسع وجودها فى عالم السياسة  وهو ما استفادت منه الكنيسة ولكن خسر الأقباط قدرتهم على الوجود السياسى وعاد البابا شنودة من وادى النطرون مبارك ونظامه حرصا على ألا يخسرا الأقباط 

الكشح

كانت هناك نقاط فارقة في العلاقة بين البابا والرئيس مبارك أهمها أحداث الكشح فى 31 ديسمبر 1999 حيث شهدت قرية الكشح فى مركز دار السلام بمحافظة سوهاج معارك طائفية أدت إلى مقتل 20 منهم 19 مسيحيا وأصيب 33 آخرون و كان السبب خلاف وقع بين تاجر قبطى وزبون مسلم ليلة رأس السنة تطور إلى معارك الكشح شهدت مصادمات قبلها بعام عندما اتهم مسيحيون أجهزة الأمن بخطف وتعذيب مسيحيين أثناء التحقيق فى جريمة قتل اثنين من المسيحيين وأصدرت المنظمة المصرية لحقوق الإنسان بيانا أدانت فيه سلوك أمن الدولة  وقالت إن الشرطة كانت تريد إلصاق التهمة بأحد الأقباط، لتجنب تصعيد التوتر بين المسلمين والمسيحيين بعدها تم تقديم 4 من ضباط وأمناء شرطة للقضاء الذى برأهم من تهم التلفيق والتعذيب.وبلغ التوتر بين المسيحيين والمسلمين ذروته فى معارك نهاية 99 وكان أغلب القتلى مسيحيين مما أدى إلى تصاعد الغضب بين المسيحيين فى الداخل وتصعيد الاتهامات فى الخارج و كانت تلتقط هذه الأحداث منظمات قبطية فى الخارج تتبنى الدفاع عن حقوق الأقباط و كانت أحداث الكشح الطائفية بداية التصعيد من جماعات أقباط المهجر التى اتهمت النظام فى مصر بالانحياز للمسلمين واضطهاد المسيحيين و استمر التوتر بين المسلمين والمسيحيين فى الكشح لشهور بعد هذه الحادثة وتم تقديم 96 متهما بينهم 57 مسلما و39 قبطيا للمحاكمة وفى فبراير 2001 برأت المحكمة 92 شخصا وأصدرت أحكاما بالسجن عشر سنوات على متهم واحد وآخر بالسجن عامين وآخرين بالسجن عاما واحد الحكم جاء مخيبا لآمال الأقباط وتم الطعن عليه أمام محكمة وهو ما أغضب البابا شنودة  ولهذا طلب مبارك من البابا شنودة تهدئة أقباط المهجر وقال له: النيابة نقضت الحكم وعلينا أن ننتظر حكم النقض وأنت تعلم أننى لا أتدخل فى القضاء

توزيع السلطات

كان هناك اتفاق ضمني  بين مبارك والبابا فالأول هو زعيم سياسى لكل المصريين أما الثانى فهو وكيله لدى الأقباط مقابل ترسيخ سلطته السياسية وعدم مساندة الدولة للتيار العلمانى فى المجتمع القبطى أو أي تيار معارض للبابا ودعم البابا مبارك فى جميع الاستفتاءات ففى 28 سبتمبر 1993 وقع البابا شنودة و50 من أعضاء المجمع المقدس على بيان يؤيدون فيه ترشيح مبارك لفترة رئاسية ثالثة ويدعون المسيحيين للذهاب للأدلاء بأصواتهم يوم الاستفتاء وفى 29 مايو 1999 كان البابا شنودة و66 من أعضاء المجمع المقدس يؤيدون ترشيح مبارك لفترة رئاسية رابعة وفى عام 2005 كان البابا و71 من أعضاء المجمع المقدس يوقعون على وثيقة يناشدون فيها الرئيس مبارك بالاستجابة لرغبات الجماهير بترشيح نفسه للرئاسة فترة خامسة وعندما أعلن مبارك ترشيح نفسه كان البابا شنودة فى الولايات المتحدة، وقال «نؤيدك بكل قلوبنا»

الدعوة للتوريث

العلاقة بين البابا ومبارك توجت بإعلان البابا تأييده الواضح لتولي جمال مبارك الحكم خليفة لأبيه نظرا لكفاءته كما كان يؤكد في كل الحوارات التي أجريت معه أن جمال مبارك هو أصلح المرشحين للرئاسة فهو شاب تربى في بيت سياسى وأدرى الناس بأمور الوطن عن غيره الذى لا يعلم شيء من خبايا تفاصيل الحكم في مصر وكان البابا لا يهتم  بعدد كبير من مثقفي الأقباط الذين أبدوا استياءهم من إعلان رأس الكنيسة عن موقفه من مرشحي الرئاسة وانحيازه الواضح لجمال مبارك دون مبرر واضح اللهم الا العلاقة القوية التي تربطه بوالده

أخر لقاء

كان مبارك يلتقى البابا شنودة فى أوقات التوتر الكبرى وآخر لقاء بينهما كان فى 22 ديسمبر 2010 حيث استقبل مبارك البابا شنودة فى لقاء مفاجئ بعد أن كانت العلاقة بين الكنيسة والدولة وصلت لدرجة من الاحتقان بسبب أحداث العمرانية  وكان نحو ألفى مسيحى حاولوا اقتحام مبنى محافظة الجيزة احتجاجا على منع الأمن لهم من تحويل مبنى خدمي إلى كنيسة فى العمرانية دون الحصول على ترخيص ووقعت مصادمات قتل فيها شابان مسيحيان وأصيب عشرات وتم اعتقال نحو 164 مسيحيا أفرج عن أغلبهم على دفعات والتقى مبارك مع البابا الذى طالب بسرعة إقرار قانون بناء دور العبادة الموحد المعطل فى البرلمان منذ سنوات وطلب تدخل مبارك للإفراج عن المعتقلين ووعد مبارك بالتدخل مؤكدا التزام الدولة بالمساواة بين المسلمين والمسيحيين

25 يناير

كان البابا شنودة هو الشخص الوحيد الذي أعلن صراحة أنه علي اتصال بمبارك في الأيام العصيبة للثورة وأنه كان يشد من أزره ويطمئنه بأن تلك الأحداث ستمر علي خير وسيعود الأمن والأمان الي البلاد العلاقة بين مبارك والبابا بدت واضحة جدا بعد الاعلان عن مظاهرات 25 يناير حيث طالب البابا شباب الأقباط بعدم المشاركة في المظاهرات ودعاهم الي عدم الخروج في ذلك اليوم غير أن عددا كبيرا من شباب الأقباط رفض الانصياع لكلام البابا وشاركوا في مظاهرات الغضب التي نجحت في الإطاحة بمبارك وبنظامه وبكى بعد تنحى مبارك بينما مبارك نفسه بعد التنحي قال في حديث لأحد مرافقيه بالمحكمة إنه بكى عند وفاة البابا شنودة الذى كان وطنيا عظيم

تعليقات الفيسبوك

أترك تعليقك