الأنبا بيمن يواجه أرستقراطية الكهنوت

90

الأنبا بيمن هو المصنف الأكثر شراسة و محسوب على جناح الصقور بالمجمع المقدس بل يعتبر هو قائد هذا الجناح بجدارة و هو الجناح الأكثر تأثيراً داخل المجمع المقدس و الداعم بقوة لكل سياسات البابا تواضروس الثاني و تعتبر كل توجهاته هى توجهات البابا و الكنيسة، فنحن إذن نتحدث عن انتفاضة يقودها البابا تواضروس بصراحة ووضوح ضد أباطرة الكهنوت منحازاً إلى العامة و الفقراء و على الرغم من أن كلمة الأنبا بيمن فى اللجنة لم تتعدى ستة دقائق إلا إنها وضعت الكنيسة و المجمع و الكهنة فى مواجهة مسئوليتهم معريا الجميع لتسقط كل الأقنعة أمام كلماته التى جاءت بلهجة “صعيدية” عامية حادة و مباشرة يفهمها الجميع بوضوح و صراحة و نحن هنا سوف نتوقف قليلاً أمام كلمات الأنبا بيمن و كثيراً أمام دلالات تلك الكلمات و المغزى المقصود منها

لازال حديثنا متواصل عن اجتماع لجنة العلاقات العامة بالمجمع المقدس و الذى فجر من خلاله أباء اللجنة مفاجآت  عديدة من العيار الثقيل كلها تتعلق بالمشاكل الاقتصادية للأقباط و على الرغم من أن الدولة كلها تعانى من أثار الوضع الاقتصادي الصعب إلا أن المعاناة مضاعفة لدى الأقباط فمن خلال فعاليات المؤتمر المشار إليه سلفاً يمكن لنا أن نستنبط طبيعة الإشكالية الكنيسة حيث يشير الواقع الكنسي إلى أن الأقباط أصبحوا محاصرين بين مطرقة الكهنوت و سندان الظروف الاقتصادية و أصبح رعايا الكنيسة يتم سحقهم مجتمعيا بين شقي الرحى الكهنوتية التى أصبحت لا ترحم فهناك بون شاسع بين المستوى الاجتماعي للكهنة و بين عامة الشعب خاصة الفقراء”أخوات الرب” و العجب العجاب أن كلا الفريقين ــ الكهنة و الفقراء ــ مصدر الدخل الوحيد لهم هو الكنيسة و لكن تحول وكلاء سرائر الله “الكهنة” إلى سادة و تحول إخوة الرب إلى عبيد فى الوسية القبطية الأرثوذكسية، و حسنا فعلت الكنيسة بأن انتفضت على أباطرة الكهنوت محاولة أن تنتصر للعامة و الفقراء، و على الرغم من أن تلك الانتفاضة جاءت على استحياء و بعبارات مائعة و غير حاسمة و متأخرة جداً و لكن أن تأتى متأخرا خيراً من ألا تأتى.

العين عليكم “الحقد الطبقي”

بدأ الأنبا بيمن حديثه برقة غير معتادة منه معلقا على كلمة الأنبا أرميا ــ التى تناولناها بالعرض و التحليل فى مقالنا السابق ــ قائلاً:  ” كلام سيدنا الأنبا أرميا مشبع لأنه وضع يده على نقاط الضعف و القوة فى المشكلة خاصة مشكلة مصروفات الكهنة المبالغ فيها” وهنا توقف الأنبا بيمن عن هدوءه و خرج عن رقته المصطنعة التى بدأ بها حواره مصطدما مع الأنبا أرميا بالقول” كان المفروض أنت أجرا منى يا أنبا أرميا كان المفروض تقول للآباء الكهنة العين عليكم الناس بتبص عليكم كرجال دين، طريقة أكلنا و شربنا و مواصلاتنا و كل حاجة .. من فضلكم مش عايزين الناس تحس بصغر نفس قدام ابن أبونا و أبونا نفسه. فعلاً اللي قاله سيدنا صحيح”

هنا تظهر أولى ملامح المشكلة ألا و هى الحقد الطبقي الذى استشرى فى الضمير الجمعي القبطي بسبب تعالى الكهنة و أصبح كل منهم يعيش فى برج عاجي خاص به لا يهتم بشئون الرعية من العامة و لكنة يهتمون بمتطلباتهم و متطلبات البطانة من حولهم التى تروج و تهلل لهم، هؤلاء يغدق عليهم الكهنة كل غالى و نفيس ولا عزاء للعامة و الفقراء، و هكذا غدت كنيسة المسيح أبعادية إقطاعية ارستقراطية انقسم من بداخلها إلى أسياد و عبيد أسياد يأكلون الأخضر و اليابس داخل الكنيسة و يلقون فتات فضلاتهم للعبيد من العامة و الفقراء، و الأمر الغريب العجيب أن هذا يحدث تحت سمع و بصر أساقفة و مطارنة هؤلاء الكهنة و هو الأمر المستغرب و الذى يضعنا أما احتمالين لا ثالث لهما:

  • إما أن هذه الانحرافات الطبقية تتم برعاية أساقفة و مطارنة تلك الكنائس بل هم يعيشون هذا الترف الارستقراطي و نسوا أنهم رهبان و أصبحوا يتعاملون على أنهم ملوك و سلاطين داخل كنائسهم و تركوا حياة التقشف و الزهد و الفقر الاختياري و أنهم ماتوا عن العالم و عن كل شهواته
  • أن يكون هناك “جيتو كهنوتي” قد تم تكوينه على مدار سنوات و أصبح يتحكم فى مصالح الكنيسة و يسيطر عليها و على الآباء الأساقفة و المطارنة شخصياً و أن هذا الجيتو أصبح بمثابة مراكز قوى تظهر لأول مره فى الكرازة المرقسية منذ عهد مار مرقس و هو ما يعنى انه تم إضعاف تحكم يد الحركة الديريه و الرهبانية فى السيطرة على مصير الكنيسة لصالح مراكز القوى الجديدة من الكهنة و أنقلب الهرم التنظيمي و الكهنوتي داخل الكنيسة و أصبح فى أعلى قمته مراكز القوة الكهنوتية يليها المجمع المقدس بكل آباءه

السيطرة على الوجدان القبطي

على الرغم من أن الأنبا بيمن بدأ صادما فى بداية حواره و توقعنا منه مسارات جدية و حقيقية للتعامل مع الأزمة إلا انه فجأة تمخض الجبل فولد فأرا هكذا كان حال الأنبا بيمن الذى لم يقدم حلول حقيقية و لكن كان خطابة حنجورى لا يرتقى الى مستوى المشكلة و كانت خلاصة اقتراحاته أن يتم التعامل مع الوجدان القبطي و التواجد الكهنوتى الوجداني فى كل الأزمات لزوم الطبطبة  و تركيع الشعب حيث أردف قائلاً”إحنا أخدين بالنا من الحالة الاقتصادية بتاعت كل الناس و ده بيدى رسالة جميلة جداً لأولادنا، و أنا أكثر من مره أدخل جنازة و ألاقى أرملة شابه صغيرة و معاها أطفال و مجرد ما أنزل دمعه و يشوفونى يبتدوا هما اللى يعزونى مش أنا اللي أعزيهم فمجرد مشاركة الكهنوت الناس فى الضيقة بتاعتهم أو فى الوضع الاقتصادي مجرد ما يشوفوا أبونا مشاركهم، الجلبية السودا دى بتبقى بلسم و بتبقى شافية جدا للاسرة.. فخد بالك يا أبونا من مروحاك و مجيك حتى لو الرصيد بتاعك يسمح.. من فضلك يا أبونا خد بالك و انت بتخدم وسط شعبك خصوصا انا شايف إن اللى جايين المؤتمر مجموعة من الأراخنة اللى ربنا مديهم أو أداهم. كل خادم أو كاهن أو سيدنا إن كان مدبر بقدر الامكان و الشعب واخد باله، اما تيجى تاكل كل فى وسط الناس مش على جنب و تاكل أكل مخصوص يعنى نبقى ذى بعض، ناكل لقمة ذى بعض و نشرب كباية شاى ذى بعض  على مرأى و مسمع من الجميع، هو فى ايبارشيات عاملة كده لكن لما كلنا نعمل كده نبقى شغالين هارمونى كلنا مع بعض سيمفونية حب .. الأنبا ارميا خبطنا قلم

تنتهي الى هنا كلمات الأنبا بيمن و على الرغم مما يبدو فيها من مواجهه لمشكلة كبيرة داخل الكنيسة إلا إننا إذا أمعنا النظر قليلا فى تلك الكلمات نجدها فارغة أو تم تفريغها من محتواها و تتبقى لنا هنا بعض الملاحظات على كلمات الأنبا بيمن و هى

  • يفجر الأنبا بيمن المسكوت عنه داخل الكنيسة من وجود خلل إدارى و تنظيمي و روحي داخل الكنيسة، فنتيجة كثرة الموارد المالية للكنيسة و التى أصبحت بالمليارات ولا نعرف بعد مصادر تلك الأموال إن كانت تبرعات حسبما تزعم الكنيسة أم من مصادر سرية لا يتم الإفصاح عنها فالمؤكد و الذى لا تخطئه أى عين هو انه يصعب علينا تصديق أن الكاتدرائيات تلك الغابات الخراسانية و التى تتكلف مئات الملايين لا يمكن أن يتم بنائها من تبرعات شعب ينتظر “كرتونه” أتحبني كمصدر للغذاء كل شهر
  • أصبح بناء الكنائس هو “طاقة القدر” التى تنفتح لأى كاهن يتم إسناد الإشراف على أعمال بناء كنيسة جديدة فالـ”البزنس” حدث ولا حرج فيه من عمولات من شركات المقاولات و عمولات الشركات التى تقوم بالتشطيب و السبوبة الكبرى فى رسم الأيقونات حيث لا يتم إسناد أعمال الرسومات إلا لشركات بعينها رغم عدم دقة الرسومات و هناك الأفضل و الأرخص بكثير إلا أن السبوبة تحكم
  • فشل الأنبا بيمن و من قبلة الأنبا ارميا فى وضع خارطة طريق للإصلاح الكهنوتي فكلها نصائح للآباء غالبا لن تنفذ و لكنه مؤتمر للاستهلاك المحلى تدعى فيه الكنيسة وقوفها بجانب الدولة فى تلك الأزمة
  • هناك مشكلة أمنية و سياسية تنبهت لها الكنيسة ألا و هى وجود تزمر من الشعب على الكهنة بسبب البون الشاسع بين الفريقين فى مستوى العيش و هو ما ينذر بقدوم صدام بين الفرقين و الكنيسة فقدت السيطرة على كهنتها و أصبح للكهنة اليد العليا داخل الكنيسة فلم يجد الأنبا بيمن غير انه نصح الكهنة “بالطبطبة” و ترضية الخواطر
  • سؤال يطرح نفسه هنا أين كانت الكنيسة و أباطرة الكهنوت يصنعون دولتهم التى أصبحت أقوى و أغنى من الدولة و هل حقا الإدارة الكنيسة متمثلة فى المجمع المقدس حريصة على مصلحة الشعب القبطي الاقتصادية أم أن هناك خوف من انفجار الأوضاع

نأتي هنا الى نهاية مقالنا هذا و الذى استعرضنا فيه و فى المقال السابق له أبعاد المشكلة الاقتصادية داخل الكنيسة كما وردت على لسان أباء لجنة العلاقات العامة بالمجمع المقدس و لأننا رأينا أن مؤتمر اللجنة الذى انعقد لمناقشة تلك المشكلات الاقتصادية لم يضع أى حلول أو شبه حلول و كانت توصيات المؤتمر كلها عبارة عن عبارات مرسلة لا تسمن و لا تشبع من جوع فقد رأينا من منطلق دورنا كمواطنين مصريين أولا و كرعاة فى كنيسة الله المتحدة يعنيهم كل ما تم توجيهه إلى الكهنة فى المؤتمر أن نضع رؤيتنا لحلول تلك المشكلة و نعرض ان نضع أيدينا فى أيدي أباء المجمع المقدس للكنيسة القبطي الأرثوذكسية للخروج من النفق المظلم 

تعليقات الفيسبوك

أترك تعليقك