الاقباط و الرئيس الجديد ــ قانون احوال شخصية مدنى

90
الدكتورة مرفت النمر تكتب

صراع مرير يدور بين الطوائف المسيحية الثلاث حول صياغة جديدة لقانون الأحوال الشخصية للاقباط وعلى الرغم من ضراوة الصراع وكثرة المسودات والاقتراحات الا انه يبقى هناك جانب خفى أتفق الغرماء على غض البصر عنه وهو ما نحاول هنا ان نكشف النقاب عنه فالجميع يهتم بالاستفاضة فى توسيع دائرة أسباب الطلاق ويحاول إيجاد مرجعيات إنجيلية وقانونية لها والبعض الآخر يؤكد على أنه «لا طلاق إلا لعلة الزنى» ولكن مع عدم التضييق على مفهوم الزنى. الأزمة ليست وليدة اليوم ولكنها حصاد سنوات بعد أن ألغى البابا شنودة لائحة 1938 والتى كان بها عشرة أسباب للطلاق فى المسيحية وقلص تلك الأسباب إلى اثنين هما الزنى وتغيير الدين.وفى محاولة الفكاك من شرك التعنت الكنسى لجأ البعض مؤخراً للزواج العرفى ومحاولة تقنينه وتوثيقة ولكن الأمر المستغرب هنا أن الجميع يدور في دائرة الطلاق على الرغم من أن هناك بابا آخر قد يقلص تلك المشكلة إذا ما طرقناه ألا وهو «تعدد الزوجات»، فالشريعة المسيحية تعرف بأنها شريعة «الزوجة الواحدة» وهو عرف وليس له أى مرجعية إنجيلية فلا يوجد نص فى الكتاب المقدس يمنع تعدد الزوجات، ولكن الكتاب يحفل بالعديد من القصص التى تؤكد سماح الشريعة بتعدد الزوجات غير المشروط وبلا حدود، كما أن النظام العام الذى يقره الدستور المصرى لا يجرم تعدد الزوجات ولكنه يقيده بأربع زوجات فقط ومن هذا المنطلق توجب علينا مناقشة «تعدد الزوجات فى المسيحية» فقد يكون هذا مخرجاً للبعض من قرار أبدى تفرضه الكنيسة نتيجة تأويل بعض نصوص الإنجيل بحسب مفهوم عفا عليه الزمن. 

التعدد في العهد القديم

«العهد القديم» هو الجزء الأول من الإنجيل وهو «ناموس» أو شريعة البشرية قبل مجىء السيد المسيح ويشكل مع «العهد الجديد» الذى يخبرنا بالمسيحية وحدة واحدة لا تنفصل ليكونا معاً «الكتاب المقدس» الذى هو الدستور الدينى للمسيحيين وهو ما أكده السيد المسيح «لاَ تَظُنُّوا أَنِّى جِئْتُ لأَنْقُضَ النَّامُوسَ أَوِ الأَنْبِيَاءَ. مَا جِئْتُ لأَنْقُضَ بَلْ لأُكَمِّلَ وفى قول آخر» إِلَى أَنْ تَزُولَ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ لاَ يَزُولُ حَرْفٌ وَاحِدٌ أَوْ نُقْطَةٌ وَاحِدَةٌ مِنَ النَّامُوسِ «فالاستدلال بالعهد القديم «الناموس» هو استدلال إنجيلى لا ريب فيه والعهد القديم يحفل بالعديد من حالات تعدد الزوجات، والمفاجأة الكبرى هنا أن من عددوا زيجاتهم لم يكونوا من عامة الشعب اليهودى فقط ولكنهم كانوا أنبياء الله، فسليمان الحكيم النبى والملك كان له 1000 زوجة ومحظية وَأَحَبَّ الْمَلِكُ سُلَيْمَانُ نِسَاءً غَرِيبَةً كَثِيرَةً مَعَ بِنْتِ فِرْعَوْنَ: مُوآبِيَّاتٍ وَعَمُّونِيَّاتٍ وَأَدُومِيَّاتٍ وَصَيْدُونِيَّاتٍ وَحِثِّيَّاتٍ 2مِنَ الأُمَمِ الَّذِينَ قَالَ عَنْهُمُ الرَّبُّ لِبَنِى إِسْرَائِيلَ: لاَ تَدْخُلُونَ إِلَيْهِمْ وَهُمْ لاَ يَدْخُلُونَ إِلَيْكُمْ، لأَنَّهُمْ يُمِيلُونَ قُلُوبَكُمْ وَرَاءَ آلِهَتِهِمْ. فَالْتَصَقَ سُلَيْمَانُ بِهَؤُلاَءِ بِالْمَحَبَّة . 3وَكَانَتْ لَهُ سَبْعُ مِئَةٍ مِنَ النِّسَاءِ السَّيِّدَاتِ، وَثَلاَثُ مِئَةٍ مِنَ السَّرَارِىِّ. فَأَمَالَتْ نِسَاؤُهُ قَلْبَه» (ملوك الأول 31 11)  ومما لا شك فيه أن سليمان قد أوتى الحكمة وهو النبى صاحب الأسفار الثلاثة فى الكتاب المقدس (الجامعة ـ نشيد الإنشاد ـ الأمثال) فمن المؤكد أنه قد رأى فى تعدد الزوجات حكمة ما عرفها، كما أن الله لم يغضب على سليمان وقطع عنه النبوة والوحى لأنه عدد زوجاته ومثل سليمان الكثير من أنبياء العهد القديم فالنبى داود صاحب المزامير تزوج ما يقرب من 70 امرأة «وَأَخَذَ دَاوُدُ أَيْضاً سَرَارِىَ وَنِسَاءً مِنْ أُورُشَلِيمَ بَعْدَ مَجِيئِهِ مِنْ حَبْرُونَ، فَوُلِدَ أَيْضاً لِدَاوُدَ بَنُونَ وَبَنَاتٌ. (صموئيل الثانى 1312 5) وأبوالأنبياء إبراهيم قد تزوج هاجر وسارة وقطورة وكان له الكثير من السرارى وكذلك النبى يعقوب تزوج ليئة وراحيل وزلفة وبلهة وهكذا أيضا فعل يعقوب وموسى.  

التغول على الانجيل

إن شريعة الزوجة الواحدة تتخذ مرجعيتها من قول المسيح «يَتْرُكُ الرَّجُلُ أَبَاهُ وَأُمَّهُ وَيَلْتَصِقُ بِامْرَأَتِهِ وَيَكُونَانِ جَسَدًا وَاحِدًا» وقول المسيح هذا لم يستحدث فى الإنجيل ولكنه ورد فى سفر التكوين فى بداية الخليقة وبالتأكيد فإن أنبياء الله الذين عددوا زيجاتهم كانوا يعلمون هذا النص ومع ذلك فعلوا ما فعلوا، والحقيقة فالنص يؤكد على أن يتعامل كل من الزوجين مع بعضهما كما يتعامل مع نفسه لأنهما «جسد واحد»، ولكن النص لم يمنع تعدد الزوجات فما المانع ان يكون الرجل جسداً واحدا مع زوجة ثانية وثالثة، وما المانع أيضا أن يكون الرجل وكل زوجاته أيضا جسدا واحداً؟ وحجة الجسد الواحد تفقد مصداقيتها أمام قول بولس الرسول «أَمْ لَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ مَنِ الْتَصَقَ بِزَانِيَةٍ هُوَ جَسَدٌ وَاحِدٌ؟ لأَنَّهُ يَقُولُ: «يَكُونُ الاثْنَانِ جَسَدًا وَاحِدًا»، وهو ما يؤكد أن المقصود هنا حسن معاملة الزوج والزوجة للآخر وليس المقصود التقييد بزوجة واحدة.

عاشروهم بالمعروف

اهتم الكتاب المقدس بالعناية بحقوق الزوجات لرجل واحد فمثلا إن كانت له زوجة مكروهة وجبت معاملتها مثل الزوجة المحبوبة «إِذَا كَانَ لِرَجُل امْرَأَتَانِ، إِحْدَاهُمَا مَحْبُوبَةٌ وَالأُخْرَى مَكْرُوهَةٌ(التثنية 15 21) كذلك عدم التفرقة فى المعيشة بين الزوجة الجديدة وباقى الزوجات «إِنِ اتَّخَذَ لِنَفْسِهِ أُخْرَى، لاَ يُنَقِّصُ طَعَامَهَا وَكِسْوَتَهَا وَمُعَاشَرَتَهَا» (الخروج 10 21) وعلى الرغم من ذلك لم يحدد الكتاب المقدس عدداً محددا من النساء يلتزم الرجل بالزواج منهن ولكن الأمر ترك لكل رجل أن يحدد ما يكفيه من نساء ولكن الكتاب حذر فقط من كثرة الزيجات التى يمكن أن تبعد الرجل عن محبة الله فلكل أن يتخذ ما شاء من زوجات طالما أن هذا لا يصرفه عن العبادة لله «وَلاَ يُكَثِّرْ لَهُ نِسَاءً لِئَلاَّ يَزِيغَ قَلْبُه».

المسيح لم ينهى 

 على الرغم من أن الكنيسة تؤكد على أن المسيحية شريعة الزوجة الواحدة إلا أننا نجد أنه لا يوجد نص إنجيلى واضح وصريح يمنع تعدد الزوجات، ولكن الكنيسة تتخذ من تأويل بعض آيات الكتاب المقدس زريعة لفرض عقيدتها فالسيد المسيح وإن كان تكلم فى أسباب الطلاق ولكنه لم يذكر أو يوصى أو حتى يلمح لإلغاء شريعة تعدد الزوجات فى الشريعة اليهودية مع تأكيده أن الناموس اليهودى وشريعة ما قبل المسيح لم تنقض ولكنها قائمة إلى الأبد وفى هذا يقول البابا شنودة الثالث: «كان مجىء المسيح أو المسيا المنتظر» هو أمل كل فرد من أفراد الشعب.وهكذا كانت قلوب جميع أبناء إبراهيم معلقة بالمسيا ومجيئه. وكانوا يعرفون أنه المقصود بوعد الله لإبراهيم «ويتبارك فى نسلك جميع أمم الأرض» (تكوين 2218) وهو نفس الوعد الذى سمعه إسحق أيضا (تكوين 264) وكذلك يعقوب (تكوين 2814)، كل رجل كان يتمنى أن يأتى المسيح من نسله وكل امرأة كانت تذوب شوقًا فى أن يكون المسيا من ثمرة أحشائها. ولهذا يقول القديس أغستينوس «فاشتعلت النساء القديسات -ليس بالشهوة وإنما بالتقوى- للإنجاب». وقال عن الآباء القديسين «كان الزواج واجبًا على القديسين، ليس طلبًا له فى ذاته وإنما لأجل شىء آخر». من أجل أى شىء؟ يريد القديس فى نفس كتابه «ليوا من أجل العالم، وإنما من أجل المسيح صاروا أزواجًا ومن أجل المسيح صاروا آباء وكانت الرغبة فى إنجاب الأولاد روحية وليست جسدية». ولهذا أصبحت قلة النسل عارًا. فرحيل زوجة يعقوب، لما كانت عاقرًا قالت ليعقوب «هب لى بنين وإلا فأنا أموت»! (تكوين 1 30)  ولم فتح الله رحمها فولدت، قالت «قد نزع الله عارى» (تكوين 23 30) وأليصابات العاقر لم ولدت ابنها يوحنا المعمدان سبحت الله قائلًا «نظر إلى لينزع عارى من بين الناس» (لوقا 25 1) وعلى عكس ذلك كان كثرة البنين بركة. فقيل «البنون ميراث من الرب..» (مزمور 3 127)… وكان من البركة أن يقال «امرأة مثل كرمة مخصبة فى جوانب بيتك، وبنيك مثل غصون الزيتون الجدد حول مائدتك..». (مزمور3 128) لذلك فعلى الرغم من أن الزواج بامرأة الأخ كان محرمًا حسب الشريعة (لاويين 16 18) فإنه كان يتحول إلى واجب حتمى إذا مات الأخ بدون نسل، فيضطر أخوه إلى اتخاذ أرملته زوجة ليقيم نسلًا للأخ المتوفى، فالبكر الذى تلده يحسب ابنًا للمتوفى «لئلا يمحى اسمه من إسرائيل» (تثنية 10 5 25) ويقول القس رفعت فكرى المتحدث الإعلامى للكنيسة الإنجيلية «لم يرد فى العهد الجديد ما يشير إلى تعدد الزوجات ولكن يمكن لنا أن نفهم أن الله منذ أن خلق الخليقة كان النموذج الذى أراده هو آدم وحواء أى رجل واحد لامرأة واحدة وكون أن أنبياء العهد القديم قد عددوا زيجاتهم فهذه رؤى خاصة بهم طبقا لعادات وتقاليد كانت سائدة فى هذا الوقت ولكن لم تأت بها وصايا إلهية ومن ثم فلن يلغى المسيح ما لم يوص به أصلاً.

القانون يبيح التعدد

أن القانون المصرى يتخذ من الشريعة الإسلامية مرجعية للنظام العام فى الدولة، ومن ثم فإن تعدد الزوجات حتى أربعة هو أمر شرعى وقانونى وحق دستورى إلا أن الدستور لا يفرض ذلك على غير المسلمين فلهم الاحتكام إلى شرائعهم فى الأحوال الشخصية متى أرادوا، ولكن إن ارتضت شريعتهم تعدد الزوجات فلا جناح عليهم شريطة الالتزام بأربع زوجات فقط.. فهل يأتي الرئيس القادم بقانون أحوال شخصية مدنى خاص بالأقباط مرجعيته دستورية و ليست دينية؟

تعليقات الفيسبوك

أترك تعليقك