إخوان الصفا والموقف العدائى من فلسفتهم

90

الكاتب الأستاذ طلعت رضوان يكتب :

   ظهرإخوان الصفا فى القرن الثالث الهجرى. ويرى من أرّخوا لحياتهم وفلسفتهم أنّ (أحمد بن السرخسى) تلميذ الكندى (قد) يكون هوالمؤلف الحقيقى لرسائل إخوان الصفا، وأنه كتبها سنة280هجرية. وتقترح الرسائل العودة إلى (حكمة القدماء) وأنّ عصرهم لم يكن (عصرجاهلية) وإنما هو(عصرالحكمة) وأنّ المعرفة يجب أنْ تكون (عقلية) وليست (نقلية) كما فعل فيثاغورس وغيره من فلاسفة اليونان. وعلى الإنسان أنْ يبحث عن الحقيقة بنفسه، ولاينتظرالوحى. وأنّ ابن الراوندى رفض (فكرة الوحى) وأكد على أنّ العقل الإنسانى قادرعلى إدراك الحق دون تدخل من الوحى، كما جاء فى (كتابه الزمرد) 

ومن أقوال أفلاطون فى (محاورة مينو): كيف يعلم الإنسان بوجود شىء لايعرف عنه شيئــًـا؟ وقد تأثرإخوان الصفا بهذا السؤال خاصة إذا كان هذا الشىء أوهذا العلم أتى من حضارة (كافرة) فى زعم المسلمين؟ وكان من شروط الانضمام للجماعة  أنْ يكون العضوغيرمنغلق على أفكاره، ويرغب فى معرفة كل ما هوجديد.

    يرى أهل السنة أسبقية الصورة على المادة، بينما يرى إخوان الصفا أسبقية المادة على الصورة، وتأكيدهم على قــِـدم المادة على أى صورة فى المطلق. وتناولتْ الرسالة رقم31 العداء المتبادل بين أصحاب المذاهب المختلفة، وجاء بها أنهم يقتلون بعضهم، ويلعنون بعضهم بعضًـا، كما يفعل النواصب والروافض والجبرية والخوارج والأشاعرة..إلخ والسبب فى ذلك يرجع إلى 1- خضوع المذاهب الدينية لأهواء الحـُـكام ولتنفيذ أغراضهم السياسية 2- اعتقاد أصحاب المذاهب الفقهية أنهم يمتلكون الحقيقة المُـطلقة، وهذا ما جعل الكندى يعارض المجوسيين والمسيحيين، ويجادلهم (فى محاولة لإقناعهم بوجهة نظرالإسلام) وهوما فعله تلميذه السرخسى، وهذا أحد مظاهرالتناقض داخل إخوان الصفا.

    والشىء المُـذهل أنّ إخوان الصفا تناولوا موضوع (إختلاف الشعوب) بأسلوب قريب من أسلوب ومنهج علماء الأنثروبولوجيا، حيث تساءلوا: كيف نــُـفسّـرتنوع اللغات والقوانين والأديان؟ وما مصدرالاختلافات الثقافية؟ وأنّ التفاوت الموجود بين الأفراد، نجده بين الشعوب والأمم. وأنّ لكل شعب طبيعته المختلفة (فى الفضائل والرذائل) ولايستخدمون نفس الحروف فتختلف لغاتهم. وأنّ الدول مكونة من عدة شعوب، وكل شعب يتميزعن غيره بلغته أوبديانته.

    وعن الإطارالتاريخى لإخوان الصفا، لابد من توضيح صراعهم مع (تيارأهل الجدل) الذى ظهرفى أواخرالقرن الثالث الهجرى، خاصة مع أصحاب (علم الكلام) أمثال (ابن الورّاق) و(ابن الراوندى) وآخرين الذين جادلوا حول الحاجة للوحى وللتنزيل وللأنبياء. وقالوا إنّ الإنسان لايحتاج لشهادة الأنبياء، لأنه قادربعقله على الوصول للحقيقة. ولكن هذا الجدل لم يمنع إخوان الصفا من ملاحظة ظاهرة التكرارفى القرآن، ومن بين الأمثلة ما ذكروه عن قصة آدم وإبليس والملائكة، وما هومذكورفى القرآن عنهم ورد فى نحوسبع وخمسين آية فى عدة سور. 

    ويرى من أرّخوا لإخوان الصفا أنّ حديث (العلماء ورثة الأنبياء) انتشرداخل مدرسة الكندى لسببين الأول: برجماتى/ نفعى لتبريرترجمة كتب اليونانيين المعروفين بأنهم (وثنيين) والسبب الثانى: حل إشكالية مصدرالعلم، حيث أنّ العلوم الفلسفية سبقتْ نزول الكتب السماوية. وقد أسّـس الكندى وإخوان الصفا الفلسفة، بتأثيرالميثولوجيا اليونانية (مثل هرمزالمأخوذ من الأساطيرالمصرية عن إله الحكمة والكتابة ” تحوت”) وبالرغم من ذلك وقع إخوان الصفا فى التناقض عندما رأوا أنه لايوجد تعارض بين دعوتهم (بتأسيس العلم على التنزيل) وربطها بالفلسفة اليونانية. وهوالأمرالذى لم يقتنع به أصحاب (مدرسة الجدل) الذين ركــّـزوا على الفلسفة، فابن الراوندى- على سبيل المثال- ذكرفى (كتابه الفريد) أنه إذا كنا ((سنعتبرمحمدًا نبيـًـا بسبب إعجازالقرآن، فعلينا أيضًـا أنْ نعتبربطليموس وإقليدس وسيبويه أنبياء، لأنّ كتبهم التى وضعوها (= ألفوها) جاءتْ بأشياء جديدة وشديدة التميز، فما الذى تمتازبه الكتب السماوية إذن؟ وقديمًـا قال (بروتاجوراس) أنّ الإنسان ((مقياس كل شىء)) وقد أسّـس فلسفته على أنّ (الإحساس مقياس المعرفة) وأنّ هذا التأسيس الحسى للمعرفة، نتج عنه (نسبية الحقيقة) بمعنى عدم الاعتراف بالمطلق. وبالرغم من ذلك فإنّ إخوان الصفا كان من رأيهم أنّ الإنسان (مطلق كونى) لأنهم عندما يقولون أنّ الإنسان هو(كتاب الله) فمعنى ذلك أنهم لايعترفون بقانون النسبية.

    وبالرغم مما سبق فإنّ إخوان الصفا، عند ترتيبهم لأهمية الكتب وضعوا كتب الفلاسفة فى المرتبة الأولى، ورسائل الأنبياء فى المرتبة الثانية. وكتب (العلوم الطبيعية) فى المرتبة الثالثة. والكتب (الإلهية) فى المرتبة الرابعة.

    وقد ذكرالترمذى فى سُـننه جزءًا من القرآن غيرموجود فى المصحف، وفيه ((إنّ ذات الدين عند الله الحنيفية المسلمة، لا اليهودية ولا النصرانية ولاالمجوسية)) (سُـنن الترمذى- كتاب المناقب- حديث رقم3898) أما إخوان الصفا فأضافوا الطائفة التى كانت فى هذا العصرمعترفــًـا بها تحت اسم (صابئة حرّان)  ((ويعيشون تحت مظلة شريعتهم الخاصة، التى أطلق إخوان الصفا عليها النواميس الفلسفية) وذكرالفارابى أنّ الإسلام والحنيفية متشابهان  فى أشياء كثيرة. وأضاف ((لكن المسلمين يجهلون مصدردينهم، وبالتالى فإنهم يصارعون ضد الفلسفة))  وبالرغم من أنّ إخوان الصفا كان رأيهم مثل رأى الفارابى، فقد كانت لهم شطحاتهم مثل قولهم أنّ فيثاغورس ((كان رجلا حكيمًـا موحدًا من أهل حرّان))

    وقد اتهم أهل السنة إخوان الصفا بالإلحاد، بينما ذكرمن أرخوا مسيرتهم أنهم كانوا غيرمتسامحين مع الملحدين ((كتسامحهم مع المشركين)) 

    أما أهم خاصية ميـّـزتْ إخوان الصفا فإنها موقفهم الإنسانى النبيل والراقى فى نظرتهم لكافة الشعوب وكافة الحضارات، حيث لايوجد لديهم أى ((تمييزبين عصرالجاهلية وعصرالمعرفة، أوبين الهمج والمتحضرين)) وكان من رأيهم أنّ لكل عصرحضارته. وكان من بين من تأثروا بفلسفة إخوان الصفا طائفة الإسماعيليين، الذين جعلوا من رسائل إخوان الصفا مرجعـًـا أساسيا لهم، وقد فسّـر(عارف تامر) دورهم قائلا إنّ ((رسائل إخوان الصفا قرآن الأئمة)) 

طلعت رضوان

تعليقات الفيسبوك

أترك تعليقك