10 مايو 1973 بداية الانطلاق و محاولة التخلص من تراث الأباء..مصير الوحدة بين الكنائس فى مصر 3ـ7

90

د. ميرفت النمر تكتب:

إن الانقطاع الذى دام قرابة الـ 15 قرناً و الذى عزلت فيه الكنيسة القبطية الأرثوذكسية نفسها عن المجتمع المسيحي العالمي و الذى عانت منه الكنيسة القبطية خاصة على مستوى التعليم اللاهوتي و العقائدي و هو ما أدى إلى انغلاق وتردى الفكر القبطي إلى الدرك الأسفل من الانحصار الإدراكي للمعنى الحقيقى للنص الكتابي خاصة و انه قد تم فى تلك الفترة الزمنية ظهور أشباه المعلمين و أنصاف الكاريزمات داخل الكنيسة هؤلاء اللذين جعلوا اللاهوت القبطي خرائب أبائية لا تمت لتراث الآباء بأى صلة و تبنت الكنيسة سياسة الإلهاء الروحي مع الشعب لضمان الولاء و السيطرة و عدم الخروج عن القطيع فكان أن تم تعظيم منظومة الطقوس فى عهد البابا شنودة الثالث و كان لابد من تنظيم الفعاليات الدينية التى تتوغل فيها تلك الطقوس على الفكر القبطى و خلق كوادر كاريزمية جديدة يلتف حولها الناس فكان أن تم الدفع بالعديد من خريجي الكلية الإكليريكيه و الشمامسة داخل الخدمة فى مختلف الكنيسة و كان يفترض أن هذه الكوادر تكون مهمتها التعليم و التنوير الديني و محاولة إخراج الكنيسة من ثباتها العقيدى و لكن بدلا من هذا تولت تلك الكوادر خلق و توسيع طقوس جديدة داخل الكنيسة و تنظيم المحافل مثل النهضات و الاجتماعات  الروحية التى يتم فيها ممارسة تلك الطقوس بعيداً عن اللوتورجيا الأصلية فى الكنيسة و خلق لوتورجيا جديدة موازية و لأن الطقوس تعتمد فى الأصل على الألحان الكنسية فقد تم الاهتمام بتفريخ تلك الأصوات العذبة التى يتم انتقائها من الريف و القرى و لتنتظم فى العديد من المعاهد المتخصصة فى تعليم تلك الطقوس و الألحان مثل معهد ديدموس الضرير. و قد واكبت حركة تفريخ مرتلين جدد فى الكنيسة ثورة فى تصدير تلك الألحان عن طريق طبع و توزيع و إنتاج سلاسل من شرائط الكاسيت التى كانت منتشرة فى ذلك الوقت، و قد خلت تلك السلاسل فى بدايتها من أى سلسلة للتعليم باستثناء عظة الأربعاء التى كان يلقيها البابا شنودة فى اجتماعه الأسبوعي و التى كان يتم تسجيلها و الدفع بنسخ منها للأقاليم و نشرها بأقل من سعر التكلفة و فى كثير من الأحيان كانت توزع مجاناً أو كهدايا فى الخدمة و الافتقاد أيام أن كان هناك افتقاد فى الكنيسة، و هكذا غرقت الكنيسة فى طقوسها و تراتيلها و ألحانها و انكفأت أمام التعليم اللاهوتي و ابتعدت و تخلفت عن حركة التنوير اللاهوتي التى كانت تزدهر فى الغرب

كسر الجمود

إن التاريخ سوف يشهد أن البابا شنودة الثالث كان رجلاً ذكيا و قائد كنسي من طراز فريد قلما يجود الزمان بمثله حتى و إن اختلفنا معه فى منهجه التعليمي و ضحالة فكره اللاهوتي إلا انه كان بارعاً على المستوى التنظيمي و الإدارى و نقل الكنيسة نقلة نوعيه كبيرة على مستوى الخارج و الداخل و أنتشر و ذاع صيته فى أرجاء المسكونة فيكفى أنه حصل على جائزة أكثر واعظ ديني وعظا على مستوى العالم بصرف النظر عن محتوى هذا الوعظ و حصل على الكثير من الجوائز و الشهادات الأكاديمية الفخرية كل ذلك كان محصلة انتشار البابا شنودة فى كل أرجاء المسكونة و تحول بابا الإسكندرية من شخصية هامشية دوليه إلى شخصية عالمية براقة يشار لها بالبنان و لما لا فشنودة يعتبر كاروز القرن العشرين داخل الكنيسة القبطية فلقد وصل بالكنيسة إلى كل بقاع و دول العالم و أصبح له العديد من الكنائس فى أوروبا و أمريكا و كندا و حتى أفريقيا بل تعدى دور الكنيسة الدينى ليصبح لها دور مجتمعي يعطى لها ثقل فى كل المجتمعات التى حلت بها و على الرغم من هذا الانتشار الواسع و ما صاحبه من اتفاقيات بين الكنيسة القبطية و العديد من المؤسسات الدولية الداعمة إلا ان شنودة كان يحلم بأن يكون على قدم المساواة مع بابا روما و له نفس المقام

بين كرسيين رسوليين

إن واقع الأمر يفضى إلى أن مقام شنودة أقل بمراحل كبيرة و كثيرة عن البابا الكاثوليكى الذى تخضع له كل زعامات العالم روحيا فشتان الفرق بين المقام الرسولى لكرسى الإسكندرية و كرسى روما،ً فيكفى أن نعرف أن بابا روما ينظم سنويا قداسا يجمع فيه كل رؤساء و زعماء الدول المسيحيين فى العالم و يحرص كل الزعماء على حضور هذا القداس لنوال البركة البابوية و يعتقدون أن تلك البركة سببا فى نجاحهم فى تسيير أمور بلادهم و على الجانب الأخر فلقد كانت تلك الدائرة السياسية العالمية التى تحيط ببابا روما و تدعمه كأكبر قيادة دينية فى العالم و هو ما لا يتوفر لشنودة و يحجم طموحاته فى الانتشار و التوسع العالمى الذى كان يطمح له فكانت فكرة زيارة البابا شنودة للفاتيكان مقر الكرسي الرسولى الكاثوليكي فطالما لم ينجح شنودة فى إضفاء كيان عالمي على نفسه ووضع نفسه كقيادة دينية عالمية كبيرة فلماذا لا يحتك بالكرسي البطرسى و يجتذب لنفسه هالة رسوليه خصما من الكيان البابوى وهو ما قام به البابا شنودة عام 1973 حيث قام بزيارة تاريخية للبابا الراحل يوحنا بولس السادس بابا الفاتيكان آنذاك و كانت الزيارة بمثابة انطلاق الحوار الرسمي بين الكنيستين الكاثوليكية والقبطية الأرثوذكسية لأول مرة، وذلك منذ مجمع خلقيدونية عام 451 الميلادي والذي تسبب في انشقاق الكنائس المسيحية و ابتعاد الكنائس الشرقية القبطية والأرمينية والسريانية، عن الشراكة مع الكنيستين الرومانية والبيزنطية  والتقى شنودة خلال تلك الزيارة مع بولس السادس وخلال تلك الزيارة استعاد “شنودة” رفات القديس أثناسيوس أثناء الاحتفال بذكرى مرور 16 قرنًا على وفاته تلك الرفات التى كانت بمثابة عربون صداقة من يوحنا بولس لشنودة و استمرت الزيارة لمدة 6 أيام تم خلالها  التوقيع على بيان مشترك للاتفاق على تشكيل لجنة مشتركة لإعداد دراسات مشتركة في “التقليد الكنسي، وعلم آباء الكنيسة، الليتورجيات، واللاهوت، والتاريخ، والمشكلات العلمية”، حتى يتمكن قادة الكنيستين من التعاون والسعي لحل الخلافات القائمة بين الكنيستين بروح الاحترام المتبادل. ثم تم انعقاد اجتماع بين الكنيستين في العام التالي و بعدها توالت الاجتماعات .

انقطاع الحوار و عودته

 كانت الأحداث الطائفية التى شهدتها مصر عام 1981 سبباً فى اعتقال البابا شنودة و تحديد إقامته الجبرية فى دير الأنبا بيشوى و هو ما أدى إلى تقييد تحركاته و من ثم توقف الحوار بين الكنيستين إلا انه عقب عودة شنودة لممارسة مهام منصبه البابوى عام 1985 عاد الحوار من جديد بين الكنيستين، والمستمر حتى اليوم والتقى البابا يوحنا بولس مع البابا شنودة داخل المقر البابوى بالكاتدرائية المرقسية في لقاء استمر 45 دقيقة وخلال وجوده في القاهرة أقيم قداس صلاة كبير للبابا يوحنا في اليوم التالى داخل إستاد القاهرة الدولى حضره نحو 23 ألف مسيحى.

تواضرس يكمل المسيرة

أصبح يوم 10 مايو عام 1973 علامة فارقة فى تاريخ الكنيستين القبطية و الكاثوليكية فهذه الأيام تحتفل الكنيستين بمرور خمسون عاماً على على أول لقاء بين بابا الإسكندرية و بابا روما كذلك مرور 10 أعوام على أول زيارة قام بها البابا تواضروس عقب جلوسه على الكرسى المرقسى و سوف يقوم البابا السكندرى بزيارة الفاتيكان فى 10 مايو للاحتفال بتلك المناسبة و ما أعلن تواضرس نفسه انه سيتم عقد لقاء كبير بين البابويين فى ميدان القديس بطرس أكبر ميادين الفاتيكان و هو المكان الذى يصلى فيه بابا روما مع جموع شعبه الغفيرة و سوف تتبادل الكلمات بين تواضروس و فرانسيس بهذه المناسبة كما سيتم المشاركة فى قداس احتفالى و ليس طقسى ؟؟؟؟. و أى كانت مظاهر الاحتفال بتلك المناسبة فإن ما يعنينا هنا الدلالات و ليست الأحداث و سوف نحاول فى السطور القليلة القادمة قراءة ما بين السطور فى هذه المناسبة

الفاتيكان قبلة المسيحية فى العالم

شئنا أم أبينا فإن واقع الأمر يفضى إلى أن العالم يدار من قبل الكرسى البطرسى فى الفاتيكان و أن بابا روما يعتبر رئيس مجلس إدارة العالم سياسياً و هو الكيان الذى يندرج تحته كل الكيانات السياسية فى العالم و مع هبوب رياح تغيرات كبيرة فى العالم أصبحت هناك إرادة سياسية عالمية لتسيس كل القيادات الدينية داخل الهيكل التنظيمى السياسى فى العالم و ما يعنينا فى هذا المقام هو الغربلة التى تحدث فى القيادات الدينية المسيحية فى العالم و التى يتم من خلالها إعادة هيكلة كل تلك القيادات ووضعها فى مكانها المناسب سياسياً و ليس دينياً على أن يكون على رأس الهرم التنظيمى السياسى للقيادات الدينية المسيحية فى العالم بابا روما و هو ما فطن إليه كل القادة المسيحيين فى العالم و هرول الجميع لحجز مكان أعلى الهرم التنظيمى بالقرب من الكرسى البطرسى فمن يقترب من هذا الكرسى سوف تتعاظم سلطته و سيطرته فالجميع أذن يقترب باستثناء الكنيسة الأرثوذكسية الروسية أكبر الكنائس الأرثوذكسية فى العالم نظرا للخلاف التاريخى بينها و بين كرسى روما و هذا الخلاف يعتبر حلقة كبيرة من حلقات الصراع بين الشرق و الغرب و الذى لا ينتظر أن يحل فى المدى القريب و سوف تكون لنا وقفه معه

لماذا فى الفاتيكان و ليس فى مصر؟

تثير زيارة البابا تواضروس الثاني العديد من علامات الاستفهام فلا يمكن لنا بأى حال من الأحوال أن نتعامل مع الحدث على انه حدث احتفالي فالكثير من الدلالات تقفز أمام وجوهنا و السؤال الرئيسى لماذا لم يتم الاحتفال فى القاهرة بدلاً من روما و يأتى بابا روما إلى القاهرة خاصة ان بابا الاسكندرية كانت له المبادرة بالسبق فى خلق هذا الحدث التاريخى منذ خمسون عاما و من ثم يصبح الاحتفال فرصه جيدة ليرد بابا روما تلك المحبة إلى جموع الأقباط فى مصر و لكن بدلا من هذا يتم الاحتفال فى روما للتأكيد على ان روما هى قبلة كل المسيحيين فى العالم و ان كل الكراسي الرسولية يجب أن تخضع للكرسى البطرسى صاحب “الكعب العالى” بين الكراسي البابوية فى العالم و من ثم تم انتهاز فرصة الحدث التاريخى لإعلان الولاء الضمنى من الكنيسة القبطية للكرسى البطرسى دون أى توافقات عقائدية أو حتى رفع الحروم المتبادلة تاريخياً بين الكنيستين و هو ما يضفى على الحدث الصفة السياسية لانه تم تفريغه من المحتوى الديني له .

على كل لا يهمنا هنا من سوف يخضع لمن و لكن الأحداث تفرض علينا أن نلتقط أنفاسنا قليلاً و ننتظر نتائج دخول الكنيسة القبطية فى الحظيرة الكاثوليكية على كل المستويات .

تعليقات الفيسبوك

أترك تعليقك