١٨٠ دقيقة فى قبو محكمة عين شمس

90

الدكتورة مرفت النمر تكتب:

“حجز” نيابة عين شمس .. بئر حجرى فى قبو معتم، لقد أبدع المهندسون و البناءون فى بناء سراي النيابات فى كل أرجاء المحروسة و زينوها بكل مظاهر الفخامة التى تليق بقصور العدالة إلا أنهم أهملوا أماكن الاحتجاز داخل تلك النيابات و لا نعرف إن كان هذا جاء مصادفة أم أنه ضمن سياسات القهر و القمع فى عصور بائدة لم تنتبه إليه الأنظمة المتلاحقة بعد، و بنظرة فاحصة نجد أن هناك بون شاسع بين جمال أروقة النيابات و غرفها المتعددة و ما تتميز به من وسائل الراحة و الرفاهية التى تمكن رجال العدالة من أداء مهمتهم على أفضل وجه و بين غرف الحجز و الاحتجاز بداخل هذه النيابات و كأن من يقطنون الغرف و الردهات بشر من طراز خاص و من يلقى بهم حظهم العاثر داخل غرف الحجز ليسوا ببشر و تتم معاملاتهم على انهم أقرب إلى الحيوانات، فلا توجد أى مقاعد للجلوس عليها ولا أى مصدر لشرب الماء أما الطعام فهو رفاهية غير متاحة لنزلاء تلك الغرف ولا يوجد فى تلك الغرف غير “صفيحة” للتبول بها يستخدمها جموع المحتجزين

رئيس المباحث و وسائل القمع

رئيس المباحث فى حجز نيابة عين شمس ليس ضابط شرطة أوكل إليه مهمة الإشراف على غرف الحجز و لكنه رئيس جمهورية المحتجزين و الحاكم بأمره و لا صوت يعلو فوق صوته و الويل و الثبور وعظائم الأمور لكل من تسول له نفسه أو يتوهم أن له حقوقاً إنسانية فى هذا المكان فمن يدخل “الحجز” يترك إنسانيته و كرامته  على بابه، وليت الأمر يتوقف على الإهانة  الإنسانية لنزلاء غرف الاحتجاز و لكن الأمر يتعدى ذلك إلى القهر البدني فالجميع مقيدون بالقيود الحديدية و لا نعرف ما الداعي لتقيد شخص مهما بلغت خطورته داخل مكان للاحتجاز شديد الحصانة و الحراسة فالأمر هنا لا يتوقف على احتياطيات و ضرورات التأمين و لكن هناك قصد لترويع و قمع المحتجزين دون داعي فالمحتجز ليس متهم ثبت اتهامه فى قضية بعينها بل يمكن أن يكون تعرض لشكوى كيدية و تفرج عنه النيابة دون أيه ضمانات و يكون ما تعرض له من قمع نتيجة انحراف نفسي ورغبة فى التشفي و الانتقام تسيطر على القائمين على إدارة مكان الحجز، و نحن هنا لا نتهم كل رجال الشرطة فجهاز الشرطة برجاله المخلصين هو جهاز أمنى وطني من الطراز الأول و لكننا فى هذا الصدد نلفت النظر لوجوب تطهير هذا الجهاز من بعض أصحاب الانحرافات النفسية اللذين يسيئون إليه

تجربة المحرر

كان لمحرر الموقع مغامرة صحفية داخل غرفة احتجاز نيابة عين شمس و كانت هناك حالة هى التى لفتت أنظارنا و دعتنا إلى عمل هذا التحقيق و لدينا كل ما يثبت الواقعة بالمستندات الرسمية إلا أننا نتحفظ على تفاصيل الواقعة و أسماء أطرافها مراعاة لخصوصية هذه الأطراف، و تخلص الواقعة طبقاً لما ورد بالمستندات الرسمية الموجود منها نسخة ضوئية تحت يد المحرر إلى أن هناك إحدى سيدات المجتمع و التى تعمل فى العمل الخيري و تتخذ من وحدة سكنية تملكها مقراً لجمعية خيرية تخضع لإشراف وزارة التضامن الاجتماعي  تقوم من خلالها بممارسة  أعمال البر و الخير هذه السيدة نشأت بينها و بين رئيس مباحث الدائرة التى تقع فى زمامها الجمعية الخيرية خصومة لأن رئيس المباحث هذا اعتاد فرض سطوته وإساءة استغلال سلطته على ابناء تلك الدائرة و هو ما رفضت ان تخضع له سيده المجتمع هذه و قامت بالشكوى منه إلى رئاساته و إمعاناً منه فى الانتقام قام بتحريض إحدى ساكنات العقار الذى تقع فيه الجمعية الخيرية باقتحام مقر الجمعية و الادعاء زورا بملكيتها للوحدة مقر الجمعية فقامت سيدة الأعمال بإبلاغ شرطة النجدة و تحرير محضر بالواقعة و تم احتجاز السيدتين فى حجز نيابة عين شمس و ما أدراك ما حجز نيابة عين شمس هو مكان تأنف العشرات من سكناه و تعف الجرذان على العيش فيه هو مكان للتنكيل بكل من يدخل إليه معنوياً و نحن هنا لسنا مع طرف ضد أخر فهذا الأمر متروك للعدالة و القضاء و لكن ما نرصده هنا ما تعرضت له السيدتان من قهر نفسي و معنوي و هن مسنات و لغن من العمر أرزاله فبداية تم تقيدهن بالأصفاد الحديدية و تركهم دون أكل أو ماء و أرادت إحداهن أن يشترى لها أحد زجاجة مياه فكلفتها تلك الزجاجة ثلاثمائة جنية لكى لا تموت عطشا فى هذا القيظ المرعب فى مثل هذا الوقت من العام أما السيدة الأخرى فقد انتابتها حالة هستيرية بسبب قسوة مكان الاحتجاز فما كان من المسئول عن الحجز إلا معاقبتها بتقيدها فى باب الحجز لتظل واقفة طول مدة احتجازها و هى مريضة سكر لم تكن تتوقع أن تعامل مثل تلك المعاملة أو أن تقف فى هذا الموقف و هى المحمية من رئيس المباحث شخصيا الذى تخلى عنها لان سيدة الأعمال توعدت إذا ما تم احتجازها دون السيدة الأخرى سوف تقوم بتصعيد الموضوع لأعلى المستويات .. استمرت مدة الحجز 180 دقيقة عانت فيها السيدتين الأمرين بسبب تجاوز رئيس المباحث كل قوانين الاحتجاز و حقوق الإنسان و فى النهاية تم عرض السيدتان على النيابة العامة و التى أمرت بالإفراج عنهن من سراي النيابة دون أى ضمانات

صرخة و بلاغ للنائب العام الجديد

الواقعة جد خطيرة و قرار النيابة العامة يكشف عن عدم وجود خطورة جنائية كانت تستدعى مثل تلك التجاوزات التى أصبحت أمراً مستقراً داخل حجز نيابة عين شمس أسس له رئيس مباحث الدائرة، و لم يتبقى لنا بعد فى هذا الصدد إلا أن نعرض الأمر برمته على معالي المستشار محمد شوقى عياد النائب العام الجديد و نعلم جيداً أن على رأس أولوياته استقرار العمل فى النيابات بكل أنواعها و درجاتها و هو فى الأصل كان يشغل مرتبه فى أعلى سلم التفتيش القضائى فلقد عمل سيادته مساعدا لوزير العدل لشئون التفتيش القضائى و هو يعلم جيداً كيف تنضبط الأمور قانونياً و لعلنا نهمس فى أذن سيادته بأن النيابة العامة هى صاحبة الحق الأصيل فى الإشراف على أماكن الاحتجاز أما ضباط الشرطة فهم ليسوا أكثر من مأموري للضبط القضائى بحكم القانون و بتفويض من النيابة العامة لا يلغى حق النيابة العامة الأصيل فى الإشراف و التفتيش على أماكن الاحتجاز كما أن الدستور و القانون و مواثيق حقوق الإنسان كلها تنص على ضرورة المعاملة الإنسانية للمحتجزين و المقيدة حرياتهم داخل أماكن الحجز و أن تلك الأماكن يجب أن يتوفر فيها كل مقومات العيش الإنساني من مأكل و مشرب و أقامة و هو ما لا يتوفر بل يتم انتهاكه داخل حجز محكمة عين شمس بمعرفة رئيس المباحث كما إننا نؤكد على ان أعضاء النيابة العامة يوجب عليهم القانون التفتيش  اليومي على أماكن الاحتجاز و التأكد من عدم وجود أى تجاوزات فى تلك ألاماكن و هو ما لا يحدث و يعطى الفرصة لبعض نعاف النفوس من مأموري الضبط القضائى فى التجاوز و فرض السيطرة و إساءة استخدام السلطة فهل يعيد معالي النائب العام صياغة منظومة الاحتجاز طبقا للدستور و القانون و السلطات الواسعة المخولة لسيادته و هو من يملك أن يفعل ذلك على أكمل وجه لخبرته الطويلة فى التفتيش القضائى

تعليقات الفيسبوك

أترك تعليقك