العهدة الشنودية والاذعان اللاهوتي ومصير الوحدة بين الكنائس في مصر 7.2

90

د. مرفت النمر تكتب:
لم يكن البابا شنودة الثالث بابا الإسكندرية الـ 117 مجرد راعى دينى لطائفة مسيحية ضمن العديد من الطوائف فى مصر ولكن كان شنودة شخصية كاريزماتية لم يحفل تاريخ بطاركة الإسكندرية بمثلها فالظروف التاريخية و الأجواء المحلية و العالمية كانت كلها عوامل أدت إلى بزوغ نجم قائد دينى على مستوى رفيع و غير خفى عن الأنظار أن أحداث 1981 و التى كانت نتيجتها أن عزل الرئيس الراحل أنور السادات البابا شنودة داخل دير الأنبا بيشوى كانت بسبب التنازع الخفى على السلطة بين الرئيس و البطريرك فالسادات كان يرى أنه رئيس لكل المصريين بما فيهم شنودة نفسه أما البطريرك فقد تضخمت نزعة الزعامة لدية ليتصور نفسه زعيما سياسيا و دينيا للأقباط و على الدولة و على رأسها الرئيس الرجوع له قبل التعامل مع أى شأن يتعلق بالأقباط و هو ما رفضه الرئيس و كانت الأحداث التى أسلفنا ذكرها، و فى غمرة النشوة الكاريزماتية للبطريرك و من منطلق امتلاك كل عناصر الإستقواء ضد الرئيس و الدولة فكر فى إنشاء مجلس كنائس لمصر يجمع فيه خمسة كنائس مصرية تمثل الطوائف المختلفة (الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، والكنيسة الإنجيلية، والكنيسة الأسقفية، وكنيسة الروم الأرثوذكس والكنيسة القبطية الكاثوليكية) و لما لا و سوف يكون هو الزعيم الفعلى لهذا المجلس حتى لو اتفق على أن رئاسة المجلس تكون بالتناوب بين الطوائف إلا أن واقع الأمر كان يفضى إلى أن المتحكم بهذا المجلس البابا شنودة و انه كيان جديد يتعاظم به كيان البطريرك فبنظرة سريعة على الكيانات الكبيرة التى تضم الكنائس فى العالم نجد أن هناك مجلس الكنائس العالمى وهو يضم كل الكنائس فى العالم و مجلس كنائس الشرق الأوسط و يضم كل كنائس الشرق الأوسط و الغريب فى الأمر أن الكنائس الأعضاء فى مجلس كنائس مصر جميعها أعضاء فى مجلس الكنائس العالمى و مجلس كنائس الشرق الأوسط فالكيان المستحدث إذن ( مجلس كنائس مصر) لم يكن الغرض منه كما أعلن الوحدة بين الكنائس الأعضاء فى الإيمان .
الخانكة البداية
ظلت الفكرة تراود خيال شنودة بداية من أحداث الخانكة 1972 حينما أحرقت جمعية الكتاب المقدس في منطقة الخانكة؛ على خلفية أداء بعض المسيحيين الشعائر الدينية بها تمهيداً لتحويلها إلى كنيسة، رغم عدم حصولها على ترخيص لذلك الغرض. أزالت وزارة الداخلية حينها بعض المباني التابعة للجمعية، التي تدخل ضمن الهيكل العام للكنيسة المزمع إنشاؤها، ومنعت استعمالها في الصلاة، ليصدر البابا أوامره بتنظيم مسيرة من القساوسة ضمت قرابة ألف كاهن حتى مقر الجمعية وأقاموا بها الصلاة وسط حراسة أمنية، ما أثار النعرات الطائفية في المجتمع.كما خرجت مسيرة مضادة من المسلمين في اليوم التالي من مسجد السلطان الأشرف الذين أطلق عليهم أحد الأقباط النار ليحرق المسلمون منزله وأماكن أخرى للأقباط، ومنذ هذه اللحظة بدأ “السادات” يشعر أن البابا يقود الأقباط وكأنه زعيم سياسي وليس رجل دين واعتبر هذه المسيرة غير المسبوقة تحدياً مسيحياً وتمرداً علنياً على حكمه. و نحن هنا لا نسرد أحداث الخانكة و تداعياتها و لكن ما يهمنا فى هذا المقام هو التأصيل لفكرة الوحدة بين الكنائس و هل كان الغرض منها دينى أم سياسى و كيف بدأت الفكرة كعنصر من عناصر التحدى و المواجهة مع النظام
وفاة الفكرة مع صاحبها
إن فكرة إنشاء كيان موحد للكنائس يكون نقطة ارتكاز لخروج الكنيسة القبطية من عزلتها التى فرضت عليها بعد الانشقاق الكبير للكنائس عام 1054وهو انقسامٌ أصاب الجماعة الدينية المسيحية حول العالم و التي انقسمت إلى ما أصبح يُعرف الآن باسم الكنيسة الرومانية الكاثوليكية والكنيسة الشرقية الأرثوذكسية تلك الجماعة التي استمرت متماسكة حتى القرن الحادي عشر حيث يُعتبر هذا الانشقاق تتويجًا للخلافات اللاهوتية والسياسية بين الشرق المسيحي والغرب المسيحي والذي تعمّقت هوّته خلال القرون المتعاقبة. تلك الفكرة التى حاول البابا شنودة كثير إخراجها إلى النور خاصة انها تصب فى مشروعه للاستقواء و التوغل السياسى أمام الدولة و لكن حالت الظروف السياسية دون خروج هذا الكيان (مجلس كنائس مصر) إلى النور إلا فى عام 2013 بعد وفاة شنودة وولد الكيان بأهداف و أغراض غير التى خطط لها البابا المتنيح
العهدة الشنودية و اللجان المسكونية
بعد تعثر مشروعه للوحدة بين الكنائس وجد البابا شنودة الثالث ضالته المنشودة فى الأنبا بيشوى مطران دمياط المتنيح حيث كان المطران مهتماً بنشر التوجه السلفى الأرثوذكسي الموروث و المنغلق على نفسه، و بيشوى هو صاحب المنهج الظنى فى تفسير و بلورة العقيدة فهو ليس لديه أى فكر أو منهج تم طرحه فى أدبياته التى نشرها فى عشرات الكتب و لكن كان يفرض رؤيته الخاصة و ساعده فى ذلك انغلاق اللاهوت القبطى و انعزاله عن مشروع اللاهوت العالمى و لم سكسر هذا الانعزال فيما بعد إلا الأب متى المسكين و الذى كان له صولات و جولات مع شنودة و بيشوى، و قد لاقت عظات و كتابات الأنبا بيشوى رواجاً هائلا بين الأقباط المتعطشين للمعرفة و التى نضبت منابعها منذ عقود داخل الكنيسة و من هنا قام البابا شنودة بذكاء شديد بتطوير المشروع الثقافى الظنى للمطران بيشوى إلى ما يمكن لنا ان نطلق عليه (العهدة الشنودية) فلقد عهد البابا للمطران بقيادة حركه مسكونية و عالمية للحوار بين الكنيسة القبطية و سائر كنائس العالم تقوم هذه الحركة على الإذعان التام للمنهج الظنى فى العقيدة الذى تبناه بيشوى و الذى حفل بالكثير من المضحكات و المبكيات اللاهوتية و التى كان يتوجب على اى كنيسة تدخل فى حوار لاهوتى مع الكنيسة القبطية ان تقر منهج بيشوى الظنى المبتعد كل البعد عن المنهج الأبائى للرسل و القديسين و هو ما أدى إلى فشل مشروع الحوار اللاهوتي المسكونى بين الكنيسة القبطية و باقى الكنائس التى دخلت فى الحوار معها لأن تلك الكنائس رفضت الإذعان للمنهج الظنى للمطران و الذى تم بلورته فى العهدة الشنودية
إن النموذج الفج للإذعان للعهده الشنودية الذى أظهرته تلك الحوارات ظهر جلياً وواضحا فى الحوار مع كنيسة المشرق الأشورية تلك الكنيسة التى تتبنى الفكر النسطورى و تعتبر نسطور بطريرك القسطنطينة من قديسى الكنيسة بعكس الكنيسة القبطية التى تهرطق هذا النسطور فلقد كشف حوار المطران بيشوى مع كنيسة المشرق الأشورية أن نسطور ليس مهرطقاً و أن إيمان الكنيسة الاشورية هو إيمان أرثوذكسي سليم و قويم و لكن كان الخلاف حول إصرار الكنيسة القبطية على الايجو الخاص بها بعيدا عن اى توافقات عقائدية و لاهوتيه و هو ما سوف نكشف عنه النقاب بالتفصيل فى مقالنا القادم. كما سوف نكشف عن ان الكنيسة النسطورية هى كنيسة أرثوذكسية معترف بها من معظم الكنائس الأرثوذكسية فى العالم و على رأسها الكنيسة الكاثوليكية كما اننا سوف نكشف عن ابتعاد كنائس العالم عن الحوار مع الكنيسة القبطية بسبب موقفها المتشدد و الغير مبرر فى الإصرار على فرض العهدة الشنودية على كنائس العالم.

تعليقات الفيسبوك

أترك تعليقك