بيان الأزهرالذى كرّس لثوابت الماضى

90

الكاتب الأستاذ طلعت رضوان يكتب :

أليس طلاق الزوج لزوجته بإرادته المنفردة اهانة للمرأة؟

لماذا لم ينص البيان الأزهرى على وجوب التوثيق قبل الطلاق؟

    أصدرما يـُـسمى مجلس كبار(العلماء) بالأزهربيانــًـا يوم5 فبراير2017ذكرفيه أنّ وقوع الطلاق الشفوى المُـستوفى أركانه وشروطه، والصادرمن الزوج عن أهلية والدال على الطلاق، هوما استقرّعليه المسلمون منذ عهد النبى ((دون اشتراط اشهاد أوتوثيق)) ولفتَ البيان النظرإلى أنّ هذا الرأى صدربإجماع (العلماء) ((باختلاف مذاهبهم))

    ورغم أنّ هذا البيان أغفل دعوة السيسى إلى ضرورة إصدارقانون يحظرالطلاق الشفوى، مما يعنى تحدى رئيس الدولة صراحة، فمن أين يستمد هؤلاء الأصوليون صلفهم وتعنتهم، لدرجة تحدى (رغبة) رئيس الدولة لتنظيم (عشوائية الطلاق الإسلامى)؟ ورغم ذلك فإنّ بيان مجلس ما يـُـسمى كبار(علماء) الأزهرجاء فى ختامه مايتناقض مع بدايته فنصّ على ((من حق ولى الأمرشرعـًـا أنْ يتخذ ما يلزم من إجراءات لسن تشريع يكفل توقيع (عقوبة تعزيرية) رادعة على من امتنع عن التوثيق أوماطل فيه، لأنّ فى ذلك اضراربالمرأة وحقوقها الشرعية))  

    وأعتقد أنّ هذا البيان لم يـُـضف جديدًا على لغة الأصوليين المُـتمسكين بالمرجعية الدينية، وأسبابى هى:

    أولا: كعادة الكهنوت الدينى فى تملق السلطة الحاكمة، كان على أعضاء هذا الكهنوت (الذين وصفوا أنفسهم ب “العلماء” بينما العالـِـم هومن تخصص فى العلوم الطبيعية: Science) أنْ يُـثبتوا ولاءهم للسلطان فأصدروا هذا البيان الهزيل المراوغ.

    ثانيـًـا: البيان صريح فى الانتصارلحق الزوج فى تطليق زوجته بالإرادة المُـنفردة، وهى الإرادة التى منحتها له الشريعة الإسلامية، وقد تأكــّـد ذلك عندما بدأ البيان بالنص على ((إنّ وقوع الطلاق الشفوى المستوفى أركانه..إلخ هوما استقرّعليه المسلمون منذ عهد النبى دون اشتراط اشهاد أوتوثيق)) فهذا النص صريح صراحة مطلقة فى أنه ضد آليات العصرالحديث، وضد مفاهيم (المجتمع المدنى) التى هى نقيض (المجتمع الدينى) حيث أنّ الأول لايعرف ولايعترف بالتفرقة بين المرأة والرجل، وذلك عكس المجتمع الثانى الذى يحرص كهنته على تلك التفرقة البشعة.

    ثالثــًـا: أعجبنى النص فى البيان الأزهرى أنه ((صدربإجماع (العلماء) باختلاف مذاهبهم)) فهذا كلام صريح (يجب أنْ أشكرهم عليه) حيث اعترافهم بأنهم لايختلفون فيما يرونه من (أصول الشريعة الإسلامية) وبالتالى فإنهم مع (سيادة الزوج) على زوجته، ومع حقه فى إنهاء العلاقة الزوجية من (طرف واحد) بينما عقود الزواج فى الأنظمة الاجتماعية المحترمة، مثلها مثل أية عقود لاتنتهى العلاقة إلاّبرغبة الطرفيْن وبإرادتهما الحرة، ولايجوزلأحد الطرفيْن إنهاء العلاقة بإرادته المُـنفردة، وفى هذه الحالة يكون تصرفه باطلا بطلانــًـا مطلقــًـا، وبالتالى فإنّ الزوج الذى يـُـطلق زوجته بإرادة منفردة، فإنه يعتبرزوجته مثلها مثل أى شىء (مادى) داخل شقة الزوجية: كرسى، سرير..إلخ ويقول لزوجته (فى لحظة غضب أولسبب داخل نفسه): لقد استغنيتُ عنك مثلما أستغنى عن هذا الكرسى.

    رابعـًـا: وحتى ختام البيان الذى حاول فيه أعضاء الكهنوت الأزهرى التظاهربإرضاء رئيس الدولة بالنص على ((من حق ولى الأمرشرعـًـا أنْ يتخذ ما يلزم من اجراءات لسن تشريع يكفل توقيع (عقوبة تعزيرية) رادعة على من امتنع عن التوثيق..إلخ)) فهذا النص عليه بعض الملاحظات: 1- لماذا لم ينص صراحة على أنّ الطلاق لايقع (أصلا) إلاّبعد التوثيق؟ لأنّ جملة توقيع عقوبة على امتنع عن التوثيق، تعنى أنّ الكارثة قد وقعتْ، وأنّ العقوبة التى (قد) تــُـصيب الزوج، لن تستفيد منها الزوجة، التى عاملها الزوج مثل معاملته لأى شىء مادى 2- يترتــّـب على الطلاق الشفوى (بدون توثيق) ضياع حق الزوجة وأولادها 3- لماذا الاصرارعلى استخدام التعبيرات الإسلامية/ التراثية مثل (عقوبة تعزيزية) التى يرجع تطبيقها للسلطة (التقديرية) الممنوحة للقاضى؟ أى أنّ له الحق فى تطبيق حدها الأدنى أوالأقصى.

    خامسًـا: إلى متى ستستمركارثة الكهنوت الإسلامى الذى يتدخل فى كل صغيرة وكبيرة تمس حياة شعبنا؟ وكيف تخلى (المثقفون) عن تراث أجدادنا قبل يوليو1952، وبصفة خاصة بعد ثورة شعبنا فى شهربرمهات/ مارس1919حيث أصدرتْ لجنة السيدات بحزب الوفد كتيبـًـا مهمًـا متضمنــًـا برنامجـًـا شاملا، وأرسلنه لرئيس مجلس الشيوخ، وكان من بين بنوده ((ضرورة سن قانون يمنع تعدد الزوجات إلاّ للضرورة كأنْ تكون الزوجة عقيمًـا أومريضة بمرض يمنعها من أداء وظيفتها الزوجية، وفى هذه الحالات يجب أنْ يثبت ذلك الطبيب الشرعى، وكذلك سن قانون يـُـلزم المطلق أنْ لايـُـطلق زوجته إلاّ أمام القاضى الشرعى، مع محاولة التوفيق بحضورحكم من أهل الزوجة وحكم من أهل الزوج)) (مذكرات هدى شعرواى-  دارالمدى للثقافة والنشر- عام2003- ج3- ص36)  

    فى تلك الفترة الليبرالية ظهرتْ (درية شفيق) التى دعتْ المشرعين للنظرفى تعدد الزوجات، وإلغاء المحاكم الشرعية، وإحالة جميع القضايا الزوجية إلى المحاكم المدنية للفصل فيها وفقــًـا لقوانين العصرالحديث، وهى الدعوة التى شاركها فيها عدد كبيرمن الكتاب أمثال: سلامة موسى، إسماعيل مظهر، عبدالحميد الحديدى الذى كتب عدة مقالات فى مجلة التطور، وحذرمن تعدد الزوجات ((لأنّ الأسرة التى تــُـبنى على تعدد الزوجات أسرة لاتقف على قدميْن ولاحتى على قدم واحدة، بينما الأسرة المبنية على زوجة واحدة نظامها هوالنظام المثالى))

     أما سعاد الرملى (المثقفة الليبرالية) فلها دورمهم فى الدفاع عن المرأة من منظورإنسانى شامل فكتبتْ ((إنّ الأصوات التى ترتفع من حين إلى آخربالاستنكاركلما ظفرتْ المرأة بحقوقها، هذه الأصوات الرجعية هى أصوات الفاشيين الذين يريدون عودة المرأة إلى البيت)) (كفاح المرأة- دارالثقافة الحرة- عام1948- ص 31)  

***

هامش:

درية شفيق (1908- 1975) من رواد تحريرالمرأة. يرجع إليها حق المرأة فى الترشح والانتخاب، وهوما نـُـصّ عليه فى دستور56. أرسلتها وزارة المعارف فى بعثة للتعليم فى السوربون بفرنسا على نفقة مصر. فحصلتْ على الدكتوراه عام1940عن (المرأة فى الإسلام)

طلعت رضوان

تعليقات الفيسبوك

أترك تعليقك