المسلمون اول من احتفل بقيامة المسيح

90

د. مرفت النمر تكتب:

هناك سيل من الفتاوى المتشددة البعيدة عن روح الدين ينهمر علينا بالتزامن مع احتفال الأقباط بأعيادهم تلك الفتاوى التي تحرم وتمنع مشاركة الأقباط في مظاهر احتفالاتهم بالأعياد حتى بلغ التطرف مداه بعدم التهنئة بتلك الأعياد والترويج لتلك الفتاوى على انها صحيح الدين الذي توافق عليه المسلمون منذ أزمان بعيدة وفي مقابل تلك الفتاوى المتشددة تخرج لنا بعض الآراء المستنيرة لتوضيح الحقيقة والتي كان منها تصريح سابق للدكتور على جمعة مفتى الديار المصرية السابق الذي فجر قنبلة من العيار الثقيل حيث أكد أن المسلمين هم أول من احتفلوا بالأعياد المسيحية وان الاقباط نقلوا عنهم تلك الاحتفالات .
لا احتفالات في طقس الكنيسة
إن المدقق في طقوس الكنيسة يكتشف أن تلك الطقوس لا تحتوي على أي مظاهر احتفالية خاصة بتلك المناسبة ولكن هي عبارة عن صلوات القداس العادية حتى أن بعض مظاهر العيد المستقرة مثل بعض المأكولات هي عادات وليست احتفالات طقسية او دينية مأخوذ معظمها من الموروث الفرعونى فمصدر الاحتفالات شعبي وليس كنسي وهو متوارث ولم يقنن بحسب قوانين وتقاليد الكنيسة
البداية عند الفاطميين
من أزهى عصور التعايش في مصر بين جميع أطيافها هو عصر الدولة الإسلامية الفاطمية وخاصة تحت حكم المعز لدين الله وولاية جوهر الصقلي فلقد كانت شخصية المعز طيبة مع الكل واقتدى به قائده جوهر الصقلي فاحسن معاملة المصريين جميعاً و حكم بينهم بالعدل والإنصاف دون تمييز بين مسلم و مسيحى وابقى على أبو اليمن قزمان بن مينا وزير كافور الإخشيدي القبطى وزيراً له ووثق به فخوله سلطات أوسع واستمر الحال هكذا في عهد العزيز بن المعز الذى تزوج من مسيحية والتي كانت حريصة على رعاية أهل ملتها من المسيحيين وقد نال الأقباط قسط كبير من الاهتمام فرممت الكنائس القديمة وأنشئت كنائس جديدة وزاد عدد الرهبان ونشطت الخدمة المسيحية إلى حد ملحوظ كما ظهر الأقباط في الشوارع والمحافل بل وأظهروا طقوسهم الدينية علانية في غير خفاء سواء في أعيادهم أو في مواسمهم وزاد اشتراكهم في الوظائف الإدارية والمالية
مواطنة حقيقية
كانت معظم الصناعات والحرف بيد الأقباط فكان منهم الصباغ والجواهر جية و النجارين و الترزية و البنائين والحدادين والمهندسين والنقاشين وصناع الورق ولم يتوقف الأمر على امتهان الأقباط للحرف الصناعية فقط بل كانوا أيضا من رجال الدولة فتاريخ الفاطميين يدل على طموحهم وهم حكام مصر الإسلامية الذين قطعوا صلتهم بمركز الخلافة العباسية وأعلنوا سيادتهم السياسية والدينية و عاش الفاطميون في حالة ترف لا مثيل لها لذا كانوا في حاجة ملحة إلى المال وبالتالي إلى إدارة منظمة تقوم على عاتق موظفين أكفاء ومخلصين يقومون بجباية الضرائب في مواعيدها ويعملون جاهدين على إنماء الثروة الاقتصادية وكان الأقباط على استعداد تام للقيام بهذا الدور خير قيام.
مشاهير الأقباط
تقلد كثير من الأقباط في عهد الدولة الفاطمية الوظائف العليا في دواوين الحكومة حيث برع الأقباط في وضعهم نظم حسابية دقيقة لأعمال الدواوين وكذلك لأعمال المساحة و ساعدهم على الاستمرار في أعمالهم اتقانها للغة العربية. لذا نجد بين الأقباط عدد من المشاهير كل في مجاله ومن أشهرهم المعلم سرور الجلال ملتزم الخليفة المستنصر و كان غنياً جداً ووجد حظوة في عيني الخليفة ونال ثقته و كان ذو علاقات طيبة مع الجميع أقباط ومسلمين و الشيخ السعيد أبو الفخر الذى كان كاتب الرواتب في خلافة الحافظ ثم ترقى فأصبح رئيس مجلس الرواتب و لما مات تولى أبنه الشيخ سعيد شديد الملك وظيفة أبيه الأولى. و الأسعد أبو الخير جرجة بن أبي وهب و كان من أكابر الأقباط و أثريائهم في زمن الخليفة العاضد وأبو سعد منصور بن أبي اليمن كان كاتباً بليغاً و تولى الوزارة لفترة في أيام الخليفة المستنصر و الشيخ صفي الدولة أبن أبي ياسر بن علوان الكاتب الذى شيد كنيسة باسم أجيا صوفية بالقرب من أهرامات الجيزة ولكنها اندثرت. و الشيخ الأحزم و كان كاتب ديوان النظر وهو ديوان المراجعة على دواوين الأموال و كان عالماً محباً للعلم والعلماء و أعاد تجديد دير مار مينا بالفسطاط بعد حرقه كذلك أنشأ به مدرسة ومكتبة و كان المرأة القبطية تواجد في صفوة المجتمع الفاطمى مثل السيدة ترفة وكانت سيدة غنية بمصر القديمة اشتهرت بالتقوى والغيرة الدينية وأعمال الخير و شيدت كنيسة على اسم أبي نفر السائح وشيدت بها ديراً للعذارى والراهبات و أنفقت على استنساخ جملة كتب مخطوطة و أوقفتها على الدير المذكور
الأعياد المسيحية
كان من الأعياد الظاهرة آنذاك عيد البشارة وعيد أحد الشعانين الذي اشتهر باسم عيد الزيتونة وكانوا يخرجون فيه حاملين سعف النخيل ويدورون حول الكنائس ومعهم الورود مرنمين بألحان ذلك اليوم والكهنة والشمامسة بملابسهم وكذلك خميس العهد وكان يسمى خميس العدس أو خميس البيض فكان المسيحيون يأكلون فيه العدس وأخواتهم المسلمون يأكلون البيض ويقول عنه المقريزي “وسُنَّتهم في ذلك أن يملأوا إناء من ماء ويزمون عليه (يقرأون المزامير)، ثم يغسل للتبرك به أرجل سائر النصارى وكان في الدولة الفاطمية تضرب في خميس العدس هذا خمسمائة دينار، فشمل ضراريب” عملات ذهبية صغيرة الحجم ” تفرق في أهل الدولة ويباع في أسواق القاهرة من البيض المصبوغ عدة ألوان ما يتجاوز حد الكثرة فيتآمر به العبيد والصبيان والغوغاء و ينتدب لذلك من جهة المحتسب من يردعهم في بعض الأحيان ويهادى النصارى بعضهم بعضا ويهدون المسلمين أنواع السمك المتنوع مع العدس المصفى والبيض” ولم يكتفى الفاطميون باقرار الاحتفال بأعياد الأقباط الدينية ولكنهم كانوا يشاركون في تلك الأعياد بل انهم صبغوا هذه الاحتفالات بالصبغة الرسمية أي اعتبروها أعياد دولة يعيد فيها الجميع مسلمون ومسيحيون بل كانت الدولة تتكلف بالصرف على مظاهر الاحتفالات بتلك الأعياد و تقوم بتوزيع الهدايا ويجزل العطايا لكل أفراد الشعب بدون تمييز وكان المسلمون يحتفلون بتلك الأعياد للبهجة والفرح وليس على سبيل مشاركة الأخر أعياده
عيد الميلاد
يقول المقريزى في وصف الاحتفال بعيد الميلاد في مصر في العصر الفاطمي ” أدركنا الميلاد بالقاهرة ومصر وسائر أقاليم مصر موسمًا جليلًا تُباع فيه الشموع المزهرة بالأصباغ الجميلة والتماثيل البديعة بألوان لا تنحصر فلا يبقى أحد من الناس أعلاهم وأدناهم حتى يشترى من ذلك لأولاده وأهله وكانوا يسمونها الفوانيس ويعلقونها في الأسواق والحوانيت ويتنافس الناس في أثمانها، حتى لقد أدركت شمعة “فانوس” عُمِلَت فبلغ مصروفها ألف درهم وخمسمائة درهم فضة عليها ما يزيد عن سبعين مثقال من الذهب و يفرق فيه أيام الدولة الفاطمية الحاجات من الحلاوة القاهرية والمثار التي فيها السميذ وقربان الجلاب و طمافير الزلابية والسمك المعروف بالبوري “تلك هي أجواء الميلاد في القاهرة كما وصفها المؤرخون
عيد الغطاس
كان الاحتفال الأكثر بهجة والأكثر شعبية هو الاحتفال بعيد الغطاس الذى يأتي بعد أيام قلائل بعد عيد الميلاد في أجواء باردة الطقس ممطرة ولقد حظى عيد الغطاس بشعبية جارفة لدى كل المصريين لما له من روافد في الموروث الفرعوني حيث يتشابه الاحتفال به إلى حد كبير بالاحتفال بعيد وفاء النيل الفرعونى ويقول المسعودي في كتابه “مروج الذهب ومعادن الجوهر” ولليلة الغطاس بمصر شأن عظيم عند أهلها، لاهتمام الناس فيها، وهي ليلة الحادي عشر من طوبة ولقد حضرت سنة ثلاثين وثلاثمائة (الهجري) ليلة الغطاس بمصر والإخشيد محمد بن طفج أمير مصر في داره المعروفة بالمختار في الجزيرة الراكبة للنيل والنيل يطيف بها وقد أمر فأسرج في جانب الجزيرة وجانب الفسطاط ألف مشعل غيرها أسرج أهل مصر من المسارج والشمع. وقد حضر بشاطئ النيل في تلك الليلة آلاف من الناس من المسلمين ومن النصارى منهم في الزوارق ومنهم في الدور الدانية من النيل ومنهم على سائر الشطوط لا يتناكرون كل ما يمكنهم إظهاره من الأكل والشرب والملابس وآلات الذهب والفضة والجوهر والملاهي والعزف والقصف وهى أحسن ليلة تكون بمصر وأشملها سرورًا ولا تغلق فيها الدروب ويغطس أكثرهم في النيل ويزعمون أن ذلك أمان من المرض وإبعاد للداء” وقال أيضًا: “في سنة ثمان وثمانين وثلاثمائة للهجرة كان الغطاس، فضربت الخيام والمضارب والأسرة في عدة مواضع على شاطئ النيل وأوقِدَت الشموع والمشاعل له وحضر المغنون والمُهَلِّلون إلى أن كان وقت الغطاس فغطس الجميع وانصرف وكان الرجال يغطسون في النيل والترع ليلًا بينما كانت النساء يغطسن في الكنائس في أحواض كبيرة تُملأ بالمياه بعيده عن أعين الرجال ومعهم الأطفال والبنات وفى صباح اليوم الثاني كانوا يشترون الضأن وينحرونه بهجة وفرح ونذور وتباع الفاكهة في أيام الفاطميين وكان الخلفاء يشاركونهم فرحتهم هذه ويمرون عليهم في كنائسهم وبيوتهم الكبيرة وكانوا يأمرون بإيقاد المشاعل والشموع على حساب الدولة الفاطمية وتشدد الحراسة في تلك الليلة أثناء الصلوات وأثناء الغطس في النيل ومن الفواكه التي كانت تؤكل وتوزع على الناس والفقراء النارنج والليمون وأطنان القصب وسمك البوري.

تعليقات الفيسبوك

تعليق

أترك تعليقك