أغانى غزلية من بردية شستر بيتى

90

الكاتب الأستاذ طلعت رضوان يكتب :

    شستر بيتى هو عالم بريطانى ، اهتمّ بجمع العديد من البرديات التى تركها أجدادنا المصريون القدماء ، وهذه البرديات محفوظة بالمتحف البريطانى ، ويعتمد عليها علماء علم المصريات الذين تعلــّـموا اللغة المصرية القديمة ، وترجموا القصص والأناشيد المصرية. ومن بين هذه البرديات ، بردية بعنوان (أغانى غزلية) وكان من بينها النص التالى :

أول كلام النديم العظيم..

أختى (= محبوبتى) مُـنقطعة النظير..

أرشق بنى الإنسان..

إنها كالزهرة عندما تظهر..

فى باكورة سنة سعيدة..

ضياؤها فائق وجسمها وضـّـاء..

جميلة العينيْن عندما تــُـصوّبهما..

حلوة الشفتيْن عندما تنطق بهما..

لا تنبس بكلمة فيها تطفل أو فضول..

طويلة العنق ناعمة الثدى..

شعرها أسود لامع..

أصابعها كأنها زهرة البشنين..

ساقاها تنمان عن جمالها.. نحيلة الخصر..

رشيقة الحركة عندما تتبختر على الأرض..

لقد أخذتْ بلبى فى قــُـبـْـلتها..

تجعل أعناق الرجال تنثنى لانبهارهم برؤيتها..

***

العذراء ترد عليه :

إنّ أخى (حبيبى) يـُـوجع قلبى بصوته..

وقد جعل المرض يتملــّـك منى..

وهو جار بيت والدتى..

ومع ذلك ليس فى استطاعتى أنْ أذهب إليه..

أمى تقول له : إنه مُـحرّم رؤيتها..

لأنّ قلبى يتوجـّـع عندما أتذكره..

حبه قد أسرنى..

إنه مجنون.. وأنا مثله..

إنه لا يعرف مقدار شغفى لتقبيله..

آه يا أخى.. إنّ مصيرى لك..

وقد قضتْ بذلك الخميلة التى كنا نلتقى فيها..

تعال إلىّ حتى أشاهد جمالك..

سيفرح والدى ووالدتى.. سيفرح كل الناس

سيـُـرحـّـبون بك أيها الحبيب..

الشاب يرد :

إنّ قلبى يتوق لمشاهدة جمالها..

عندما أجلس فى المكان الذى جمعنا..

إنّ الطريق أصبح كالنهر..

لا أعرف أين أضع قدمى..

الفتاة ترد :

لقد ضاع صوابك يا قلبى..

لماذا تريد أنْ تستخفّ بحبيبى ؟

تأمـّــل إذا مررتَ أمامه..

فإنى سأخبره عن ترددى..

أنظر إنى ملكك.. هذا ما سأقوله له..

وسيتباهى باسمى..

الشاب يرد :

إنّ قلبى يخفق سريعـًـا.. عندما أذكر حبى لك..

ولا يجعلنى أسير كبنى الإنسان..

لا يجعلنى أتزيـّـن.. أو أتحلى بمروحتى..

هكذا يـُـحـدّثنى قلبى.. لا تلعب دور المجنون يا قلبى..

لا تلعب دور الرجل المخبول..

اهدأ إلى أنْ تأتى أختى.. كن ثابتــًـا..

أنت قلبى ولا تستسلم..

إنى شكوتها لسيدتى حتحور.. (إلهة الحب)

حتحور وافقتْ على حبى.. ومنحتنى حبيبتى..

وقد حضرتْ بنفسها لترانى..

ما أعظم ما حدث لى.. إنى فرح.. مرح.. فخور..

ها هى هنا..

لقد حضرتْ.. خضع الشباب الغض لها..

ما أعظم غرامهم بها..

إنى أقيم الصلاة لإلهتى حتحور..

حتى تمنحنى أختى هدية..

ولكن قد مرّتْ ثلاثة أيام (يا قلبى)

وغابت عنى..

الفتاة ترد :

لقد مررتُ بجوار بيته..

وجدتُ بابه مفتوحـًـا..

وحبيبى واقف بجانب والدته..

ومعه إخوته وأخواته..

حبه يأسر قلب كل من يمشى على الطريق..

إنه شاب ممتاز.. مُــنقطع النظير..

محبوب وآية فى الفضيلة..

لقد اقترب منى حينما مررتُ..

فكان الفرح لى وحدى..

ما أعظم طرب قلبى بالفرح..

يا حبيبى.. إنّ نظرتك لى..

لو كانت والدتك قد عرفت قلبى..

لتوارت فى البيت فى الحال..

يا خميلة حبنا.. ضمى ذلك فى قلبها..

حيتئذ سأسرع إلى حبيبى.. سأقــبــّــله أمام الجميع..

لن أسكب الدمع أمام أى إنسان.. سأفرح عندما يلحظون أنك تعرفنى..

سأقيم وليمة لإلهتى..

إنّ قلبى يخفق للخروج..حتى أجعل حبيبى يرانى..

ما أسعد ذلك لو حدث..  

الشاب يرد :

لقد مرّتْ سبعة أيام من أمس ولم أر حبيبتى..

وقد هجم علىّ المرض..

أصبحتْ كل أعضائى ثقيلة..

وقد أهملتُ جسمى..

 وإذا حضر الأطباء.. فإنّ قلبى لا يرتاح لعلاجهم..

إنّ دائى خفى.. وما قلته عن حبيبتى هو الذى يـُـحينى..

إنّ اسمها هو الذى يـُـنعشنى..

وكلام رسلها إلىّ هو ما يعيد إلى قلبى الحياة..

وحبيبتى أعظم شفاء لى من أى علاج..

هى أكبر شأنــًـا من مجموعة كتب الطب قاطبة..

إنّ شفائى يكون بزيارتها لى..

وعندما أراها سأتعافى وأطرد مرضى..

وإذا هى نظرتْ بعينيها إلىّ فإنّ كل أعضائى يعود إليها الشباب..

وإذا تكلــّـمتْ فإنى أصبح قويـًـا..

وعندما أقــبـّـلها فإنها تــُـزيل عنى كل ضر..

ولكنها غابت عنى سبعة أيام..

مقطع على لسان كاتب البردية

ليتك تأتى مسرعـًـا لأختك.. حبيبتك..

كالغزال الشارد فى الصحراء..

الذى ترنـّـحتْ تحت أقدامه وتخاذلتْ أعضاؤه..

وقبع الرعب فى كل أعضائه..

إنك تعرف أثر حب أختك.. حبيبتك..

وقد شهدتْ الخميلة أنْ تكون لك يا صديقى..

***

    وفى بردية أخرى من تأليف كاتب جبانة (نخت سوبك) ورد ما يأتى :

ستحضر إلى بيت أختك.. حبيبتك..

متــّــعها بألحان الحنجرة..

ووفــّــر لها الخمر والبيرة.. وداعب مشاعرها..

ستقول لك ضمنى بين ذراعيك.. وستكونان على هذه الحال حتى مطلع الفجر..

……..

فى الصباح ستنتشر رائحة العطر..

والخميلة الذهبية سوف تهبها لك..

وتعيد إليك حياتك..

قال الحبيب 

إنها ترمينى بأحبولة من شعرها..

وتأسرنى بعينيها..

وتشدنى باحمرار خديها..

فتكوينى بحبها..

وقال كاتب البردية :

عندما تتحدث بقلبك..

أرجو منك أنْ تتوسل إليها حتى تــُـقـبـّـلها..

قالت الفتاة :

بحياة آمون أنا التى آتى إليك..

وقميصى على ذراعى..

لقد وجدتُ حبيبى عند الجدول.. وساقه كانت فى النهر..

وكان فى انتظار البيرة..

 قال الشاب :

لقد مررتُ ببيتها فى الظلام..

طرقتُ الباب ولم يـُـفتح لى ..

إنها ليلة جميلة.. أيها المزلاج سأفتحك..

وأنت أيها الباب.. إنّ فيك حظى..

هل أنت من وحى إلهى الطيب.. متى يتمكن المحبوب من المجيىء ؟

ويجد بيتها مفتوحـًـا.. ويجد سريرًا مفروشـًـا بالكتان الجميل..

وفيه عذراء جميلة.. 

***

بردية (مناجاة الأزهار)

يا أزهار.. إنكِ تجعلين القلب منشرحا..

وإنى أفعل بك ما يحبه القلب عندما أكون بين ذراعىْ حبيبى..

إنى التمس كــُـحل التوتيا لعينى.. ورؤيتى لكَ يا نور عينى..

إنى أعشش بالقرب منك..

إنى أرى حبك.. وأتوق شوقــًـا إليكَ..

ما ألذ ساعتى.. وليت ساعة واحدة تصير لى حينما أنام معك..

إنك قد أنعشتَ قلبى..

أمام الأزهار يشعر الإنسان بأنه عظيم وطيب..

إنى حبيبتك الأولى.. وإنى لك كجنية غرستْ فيها الأزهار..

وكل أنواع العشب المعطر..

إنّ المجرى الذى حفرته يدك جميل.. عندما يهب نسيم الشمال البارد..

إنه المكان الجميل الذى أتنزه فيه.. ويدك فى يدى..

وجسمى مُـبتهج وقلبى مُـفعم بالسرور..

إنه لشراب لذيذ أنْ أسمع صوتك.. إنى أحيا لأنى أسمعه..

وإذا رأيتك كان ذلك أحلى لى من الطعام والشراب..

***

     وفى بردية أخرى نجد خيال كاتب البردية جعل الشجرة تتكلــّـم مع الفتاة وتدعوها إلى وليمة تحت ظلالها :

نص البردية

قالت الشجرة :

    إنّ أحجارى تــُـشبه أسنانها.. وشكل فاكهتى يـُـشبه ثدييها.. وأنا أحسن أشجار الجنينة. وأنا باقية فى كل الفصول.. لتغازل الحبيبة حبيبها تحت ظلالى.. بينما يكونان ثمليْن بالخمر.. مُـعطريْن بمسوح كمى (اسم مصر) 

    إنّ شجرة التين تنطق بصوت الفتاة وأوراقها تقول : سأكون خادمة للحبيبة.. فهل هناك من يساوينى فى النبل ؟

    وشجرة الجميز الصغيرة التى غرستها الفتاة بيدها تتكلــّـم بصوتها وتقول : إنّ همس أوراقها حلو كالعسل المُـصفى.. ما أرشق غصونها الجميلة.. وهى مُـحمـّـلة بفاكهة الجميز التى تفوق العقيق حـُـمرة.. وأوراقها مثل الزمرد الأخضر.. إنها تجذب إليها العشاق الذين لا يجدون مكانــًـا يتظلــّــلون تحته.

    وقالت الشجرة : إنّ الفتاة تضع خطابـًـا فى يد بنت البستانى.. وطلبتْ منها الاسراع به إلى حبيبها وكتبتْ فيه : تعال وامض مع حبيبتك فإنّ الجنينة مُـزهرة وفيها مظلات ومأوى لنا.. والبستانيون سيفرحون ويبتهجون برؤيتك.. إنّ الإنسان ينتشى عندما يـُـسرع للقائك قبل أنْ يثمل من الخمر.. تعال لنمضى اليوم فى سرور.. وكذا فى الغد وبعد الغد ثلاثة أيام جالسـًـا فى ظلى.. إنّ حبيبها يجلس على يمينها.. وهى تــُـسكره مُـستجيبة لكل ما يطلبه منها.. والوليمة قد اختلّ عقد نظامها بالسكر.. ولكن الفتاة لم تــُـغادر حبيبها.. إنّ الحبيبة (الآن) تتنزه وأنا أرى كل شىء.. ولكننى لن أحكى لأى إنسان. ولن أفتح فمى..

طلعت رضوان

تعليقات الفيسبوك

أترك تعليقك