أعداء مصر وبناء الأهرم

90

الكاتب الأستاذ طلعت رضوان يكتب :

لماذا يـُـردّد بعض المصريين كلام الصهيونيين؟

ولماذا يتنفسون بخاشيم العبرانيين؟

    منذ عدة سنوات ردّد كثيرون من الصهونيين أنّ اليهود هم الذين بنوا الأهرام، وكان من بينهم الثيوصوفى (بازل ستيوارد) فى كتابه (سر الهرم الأكبر) فكتب ((ليس هناك ما يبرر القول إطلاقــًـا بأنّ المصريين هم الذين بنوا الهرم لمجرد أنه فى مصر. إنّ بذور عظمة مصر بذرتها حفنة من المستوطنين دخلت مصر ونظــّـمتْ القيام بعمليات الانشاءات العظيمة، وهم من الآسيويين. وبعد أنْ بنوا الهرم الأكبر خرجوا من مصر آخذين معارفهم معهم)) فعلــّـق المفكر شفيق مقار قائلا ((أولئك السوبرمـِـن الآسيويين هم بلاشك أسلاف إبرام وإسحاق ويعقوب وبيجين. والنتيجة التى تترسب فى عقل القارىء الأوروبى هى أنّ المصريين كانوا متخلفين، وليس أولئك الرعاة الرحل الجياع الذين تسللوا عبر حدود مصر ليأكلوا وينهبوا)) (قراءة سياسية للتوراة- رياض الريس للنشر- عام1991- ص92)

    فى مارس1979أثناء مفاوضات كامب ديفيد سأل أحد الصحفيين مناحم بيجين عن سير المفاوضات فقال ((لقد عانيتُ فى المفاوضات كما عانى جدودى فى بناء الأهرامات)) وعندما جاء إلى مصر، زار الأهرامات مع السادات، وقال ردًا على سؤال من أحد الصحفيين ((إننى أشعر بالزهو والفخر وأنا وسط الأهرامات التى بناها جدودى)) فكانت المأساة مزدوجة: 1- ادّعاء هذا الصهيونى أنّ جدوده هم بناة الأهرامات 2- الصمت المزرى من كل الذين سمعوا وقرأوا كلام بيجين (خصوصًـا من حضروا اللقاء مع السادات) ولم ينطق واحد (واحد فقط) بكلمة يدافع فيها عن الحقيقة التاريخية، ناهيك عن دفاعه عن ذاته القومية.

    توالتْ محاولات الصهيونيين حول سرقة الحضارة المصرية، إلى أنْ دخل فى الخط وزير الإسكان الأمريكى (بنجامين سلومون كارسون) فى حكومة ترامب فى محاضرة بجامعة أندروس بولاية ميتشجان، فقال إنّ الأهرام ليست مدافن للفراعنة، بل هى لحفظ الحبوب، وأنّ الذى بناها النبى يوسف، تحضيرًا للسنوات السبع العجاف.

    وهذا الأمريكى الصهيونى سبق له أنْ قال نفس الكلام منذ17سنة، وعندما وصل كلامه إلى وزير الأثار المصرى (ممدوح الدماطى) لم يهتم وكل ماقاله إنّ ((هذا الكلام لا يستحق الرد عليه)) أما محمود عفيفى رئيس قطاع الآثار فقد اهتم وردّ بشكل علمى خلاصته أنّ كلام كارسون غير دقيق من الناحية العلمية. وكلامه سبق أنْ ردّده كثيرون من الجهلاء بعلم الآثار.

    وقد سخر رسامو الكاريكاتير الأمريكان من كارسون. أما ترامب فقال إنّ كارسون وقع ضحية للهلوسة.

    وإذا كان الصهيونيون يـُـروّجون لهذا الكلام فهذا شأنهم، بينما الكارثة أنه بدلا من الرد العلمى عليهم، حدث العكس من معظم المتعلمين (المصريين بالاسم فقط) حيث كتب باحث كبير له عدة مؤلفات فى الفولكلور إنّ الحضارة المصرية ((حضارة السخرة الانشائية من أهرامات ومعابد ومقابرعلى طول وادى النيل، فهى قوة عمل تقودها أسواط المشرفين..إلخ)) (شوقى عبدالحكيم – صحيفة الأهرام- 10/5/98، 28/2/99) ونجد أستاذًا آخر يحمل درجة الدكتوراه وله عدة مؤلفات فى العلوم الإنسانية، يـُـردّد تعبير(الحضارة المصرية حضارة سخرة) ونظر للأهرام على أنّ ((ألوف البشر ظلوا يعملون عشرات السنين لينشئوا قبرًا لإنسان واحد)) (د. حسين مؤنس- فى كتابه “الحضارة : دراسة فى أصول وعوامل قيامها وتطورها- سلسلة عالم المعرفة الكويتية- سبتمبر98- ص11)  

    إنّ من يـُـروّجون لكلام الصهاينة عن (السخرة) فى بناء الأهرام يتجاهلون الدراسات العلمية التى أكــّـدتْ أنه تم اكتشاف (مدينة للعمال) والعثورعلى كشوف بأسمائهم، وبيانات عن كميات الطعام بل والعطور التى تــُـوّزع عليهم. وبيان بالعمال المصابين وتمّ (تجبير) أذرعهم بواسطة الأطباء المصريين..إلخ. والأهرام – حتى يعرف الجهلاء بالحضارة المصرية – كما كتب علماء المصريات والآثار- معجزة معمارية، اعتمد جدودنا فى تشييدها على علوم الهندسة والفلك والرياضيات. وردّا على ادعاءات (السخرة) كتب السير(فلندرز بترى) أنّ ((العمل كان يجرى أثناء موسم الفيضان، أى بين آخر يوليو وآخر أكتوبر، وهو الوقت الذى تــُـزرع فيه الأرض ويكون معظم الأهالى بلا عمل)) وأنّ الأهرامات ((شيـّـدها بناؤون مهرة وكانوا يسكنون فى مبانى وجدها (بترى) غرب هرم خفرع (أهرام مصر تأليف أ. أ. س إدوارز- ترجمة مصطفى أحمد عثمان- هيئة الكتاب المصرية- عام97- ص212، 213) وأكــّـدتْ عالمة المصريات (مرجريت مرى) ذات الحقيقة وأضافتْ أنّ الملك المصرى استخدم العمال فى عملية البناء ((وأمدهم بالطعام فى أسوأ فترة من العام، وأنّ بقايا المستعمرة القائمة حول هرم خفرع تشير إلى أنه كان يتعهدهم كذلك بالسكنى. وأنّ هيرودوت ذكر أنّ العمال كانوا يحصلون على الطعام الطيب)) (مصر ومجدها الغابر- ترجمة محرم كمال- هيئة الكتاب المصرية- عام98)

    وبينما يرى الدكاترة (المصريون) أنّ الحضارة المصرية (حضارة سخرة) يرى المتخصصون فى علم المصريات عكس ذلك، من بينهم  د. محمود سلام زناتى الذى كتب ((كانت الحرب المصدر للأرقاء. وقد تمتع الأرقاء فى مصر بوضع قانونى واجتماعى يفضل وضعهم فى كثير من المدنيات القديمة، فقد كان الأسير شأنه شأن الأحرار، يتمتع بحالة مدنية رسمية. وكان من حقه أنْ يتخذ اسمًا مصريًا، وأنْ يـُـسجل فى مكاتب التوثيق باسمه المصرى. ويتمتع ببنوة شرعية، حيث كان اسمه واسم أبيه واسم أمه يـُـدونان فى السجل المدنى. وأنّ ((عادة المصريين كانت تجرى فى حالة وفاة أحد ملوكهم، بأنْ يوضع فى آخر أيام الحداد النعش الذى يضم رفاته أمام مدخل القبر، وأنْ تــُـشكــّـل محكمة لتنظر فيما قـدّم الملك المتوفى من أعمال، وأباحوا لمن يشاء أنْ يتهمه. فيـُـعددّون مناقبه، وألوف الناس الذين اجتمعوا لتشييعه ينصتون ويشتركون فى تأبينه، إذا كان الملك المتوفى قضى حقــًـا حياة مجيدة. أما إذا كانت حياته على العكس وضيعة تصايحتْ الجماهير)) ونتيجة ذلك كما ذكر ديودور الصقلى أنّ بعض الملوك حـُـرموا من الدفن الرسمى الذى تــُـخوّله لهم الشرائع نتيجة اعتراض الشعب. ولهذا ((كان من يخلفونهم على العرش يقيمون العدل خوفــًـا من العار الذى يلحقهم بعد الموت ومن اللعنة الأبدية)) (تاريخ القانون المصرى فى العصور: الفرعونى والبطلمى والرومانى والإسلامى- د. محمود سلام زناتى- أستاذ التاريخ وفلسفة القانون وعميد كلية حقوق بجامعة أسيوط – عام1985- من ص50- 474)  

     فإذا كان أعداء مصر من الصهيونيين يدّعون أنهم بناة الأهرام وبناة الحضارة المصرية، فلماذا ينضم إليهم بعض (المصريين بالاسم)؟ ولماذا يتنفسون بخاشيم عبرية؟

***

هامش

(1) ديودورالصقلى: (90ق.م- 30ق.م) زارمصر، وله موسوعة من30مجلدًا عن التاريخ القديم، وخصص المجلد الأول عن الحضارة المصرية. وكتب عنه (وهيب كامل) كتابـًـا بعنوان (ديدورالصقلى فى مصر)

(2) فلندرزبيترى (1853- 1942)  عالم آثاربريطانى، وأحد العلماء الذين وضعوا المنهج العلمى لعلم الآثار. اكتشف العديد من الآثارالمصرية مثل (أبيدوس) وتل العمارنة (أخيتاتون) وأهم أعماله الكشف عن صـِـرح (مرنبتاح)

طلعت رضوان

تعليقات الفيسبوك

أترك تعليقك