د. مرفت النمر تكتب:
كان البابا شنودة الثالث يدرك جيداً أن أمان هذا الوطن يكمن في وحدته الوطنية فالجميع يعيش على نفس الأرض وتظلل الجميع سماء واحدة وعلى الرغم من المحاولات الكثيرة والمستميتة من مخربي الوطن لدق الأسافين وافتعال المشكلات بين المسلمين والمسيحيين الا ان البابا كان حكيماً بما يكفى بحيث لا ينجر الى تلك المخططات المشينة بين عنصري الامة وكان دائماً هو من ينزع فتيل الاحتقان الطائفي وكانت قناعاته تسير دائماً في اتجاه ان مزيداً من الحب يزيل كل الرواسب في النفوس فكان منظومة محبة متكاملة تعيش بين الجميع وكانت هناك علاقات من الود تحكم كل تعاملاته مع اخوانه من المسلمين وتشارك معهم كل افراح وأحزان وأزمات وانفراجات هذا الوطن والمظاهر على ذلك كثيرة وتكتب فيها الكثير من الكتب ولكننا هنا نرصد النذر اليسير منها للدلالة على أن البابا شنودة أستحق عن جدارة أن يوصفه مفكري ومثقفى هذا الوطن بـ (صمام أمان الوطن)
مائدة العائلة المصرية
“العيش والملح” هو من أقوى الروابط التي تربط المصريين ببعضهم البعض فالعرف يقضى بأنه لا يجوز مخاصمة من يمد يده ويقتسم معك رغيف خبز ومن هنا جاءت فكرة مائدة العائلة المصرية التي كرس لها البابا شنودة فكان في كل عام يستثمر قدوم شهر رمضان ليقيم مائدة افطار كبيرة داخل الكاتدرائية ويدعو لها رموز الوطن في كل المجالات ويلتف الجميع من حول تلك المائدة ويتشارك الكل “العيش والملح” وبدأ البابا هذا التقليد عام 1986 وقد امتدت هذه الفكرة الى كل أبرشيات الكنيسة القبطية في كل انحاء مصر وخارجها لتؤكد تلك الموائد على عمق روابط الوحدة الوطنية بين أبناء مصر
العلاقة بشيوخ الأزهر
كان البابا يحرص على ان تكون له علاقات جيدة يغلفها الحب والود مع شيوخ الجامع الازهر فلقد عاصر ستة منهم وهم الشيخ محمد الفحام والشيخ عبد الحليم محمود والشيخ محمد عبد الرحمن بيصار والشيخ جاد الحق على جاد الحق والشيخ محمد سيد طنطاوى والشيخ أحمد الطيب وكانت أول زيارة يقوم بها البابا الى مشيخة الأزهر في عهد الشيخ جاد الحق على جاد الحق ثم تكررت وتبادلت الزيارات بين الكاتدرائية ومشيخة الأزهر وكانت هناك علاقة خاصة بين البابا والشيخ محمد سيد طنطاوى حيث تشاركا معا في العديد من المؤتمرات والندوات لمناقشة قضايا وطنية وقومية و اجتماعية وكان لهما دائما رأى واحد وفكر واحد ومن تلك المؤتمرات مؤتمر( دعوة الأديان لمحو الأمية في 3 ابريل 1996 ) ونظمته نقابة الأطباء ومؤتمر ( التعايش بين الديان في 30 يونيو 1997) ونظمه معهد الاهرام الإقليمي للصحافة ومؤتمر ( الإرهاب وموقف الأديان منه في 27 نوفمبر 1997) بنادى هليوبوليس مصر الجديدة وغير ذلك الكثير من المؤتمرات
العلاقة مع الشعراوى
العلاقة بين البابا شنودة الثالث والأمام محمد متولى الشعراوى بدأت فاترة على أثر أنتشار بعض الاشاعات التي تدعى ان الشيخ يهاجم المسيحية وحدث ان مرض الشيخ وسافر الى العلاج في لندن فأرسل له البابا شنودة بعض الإباء الكهنة من الكنيسة هناك يتابعون معه العلاج كما أوصى البابا أبناءه من الأطباء هناك بالاعتناء الفائق للشيخ حتى يسترد صحته وحمل الجميع أطيب أمنيات البابا الى الشيخ المريض والأمر العجيب ان البابا وضع صورة للشيخ في مكتبة واوقد من حولها الشموع وراح يصلى له كل يوم لكى ينعم الله عليه بالشفاء وعندما عاد الشيخ إلى مصر سالما زار البابا فى الكاتدرائية فكان استقبال الشعراوى فى الكاتدرائية استقبالا حافلا وكان عشرات الأساقفة والكهنة فى انتظاره وتجمع عدد كبير من الأقباط أمام الباب لتحيته أثناء دخوله فكانت فرحة الجميع بالشيخ غامرة و قال الشعراوى وقتها: «من منح الله لى فى محنتى أنه جعلنى أجلس مع قداسة البابا شنودة»، فرد البابا: «لقد نبهنا إلى شيء هام، وهو أن الذين ارتبطوا بالسماء يجب أن يضعوا أيديهم فى أيدى بعض دائما من أجل ما اتفقوا عليه ويتركوا ما اختلفوا فيه خاصة أن الملحدين يأخذون من الخلاف حجة لكى يبتعدوا عن الإيمان ونشكر الله لأن المساحة المشتركة بيننا واسعة لكى نعمل فيها معا» وقدم الشعراوى إلى البابا هدية عبارة عن عباءة سوداء وعلق البابا وهو يتسلمها قائلاً: «نحن نريد للمجتمع كله أن يعيش تحت عباءة واحدة» وحين توفى الشيخ ذهب البابا للعزاء وقال: «لقد خسرنا شخصية نادرة فى إخلاصها ونقائها وفهمها لجوهر الإيمان» ولم يستطع أن يخفى ملامح الحزن على وجهه وقتها
أترك تعليقك