د. مرفت النمر تكتب:
من نوافل القول أن قداسة البابا تواضروس الثانى قامة وقيمة مصرية قبل أن تكون مسيحية، فهو رمز ورأس الكنيسة القبطية الأرثوذكسية أقدم كنائس العالم وبالقطع مرفوض المساس بالكيان البابوى أو امتهانه أو التقليل منه على كل المستويات سواء كان ذلك محلياً أو دولياً، إلا أن الكنيسة الكاثوليكية والكيان الفاتيكانى وعلى رأسه البابا فرنسيس تحول من كيان دينى روحى إلى لاعب سياسى دولى وعالمى، ويمكن لنا أن نقبل هذا الدور إذا ما تعلق بالسلام العالمى والوحدة بين الشعوب والعمل الاجتماعي، وهو ما يمكن أن يثمن فى هذا السياق، ولكن أن يكرس الفاتيكان ثقله الدولى والعالمى لخدمة الصهيونية العالمية وإعطاء غطاء من الشرعية لكل الممارسات الفاشية التى يقوم بها الكيان الصهيونى، فهذا ما يستدعى التوقف عنده، خاصة أن الأمر أصبح يتماس مع مصالح الدولة المصرية الدولية ويهدد جانبا من أمننا القومى، وذلك عن طريق اختراق الكنيسة المصرية وتقزيمها وسحب الزعامة الدينية من كنيسة الإسكندرية فى العالم وإحراجها دولياً، خاصة وسط العائلة الأرثوذكسية فى العالم.
التحالف “الصهيوفاتيكانى”
لم تشهد الكنيسة الكاثوليكية تقارباً مع الكيان الصهيونى كما تشهده فى عهد البابا فرانسيس، وعجيب الأمر أن تاريخ العلاقات اليهودية المسيحية لم يستقم على مر العصور، فاليهود هم من صلبوا المسيح رب المسيحية وهناك قناعة لدى كل مسيحيى العالم بأن دم المسيح على رأس اليهود يتوارثه جيل بعد جيل، استنادا إلى ما جاء فى القصص الإنجيلى أنه أثناء محاكمة المسيح طلب اليهود من الوالى الرومانى صلب المسيح وصرخوا قائلين: «دمه علينا وعلى أولادنا»، وكثيراً ما حاول اليهود الحصول على صك تبرئة من دم المسيح من الكنيسة الكاثوليكية بحجة أنه لا يعقل أن يتحمل الأبناء من اليهود خطأ الأجداد، ولكن كل كنائس العالم كانت ترفض منح مثل هذا الصك لليهود، ولكن الأمر تبدل وتحول فى عهد البابا فرنسيس الذى يرى أن اليهود شعب مسالم ويدعو إلى المحبة وأنهم كثيراً ما ظلموا تاريخياً منذ أن تم سبيهم على أيدى فرعون مصر وحتى تعرضهم لمحرقة «الهولوكوست» على يد هتلر وهو ما ظهر بوضوح عندما أرسل البابا فرنسيس إلى إسرائيل مندوباً من الفاتيكان لحضور احتفالية فى الذكرى السنوية السبعين لنهاية المحرقة النازية عام 2015، وقد بعث برسالة إلى المشاركين فى اللقاء اعتبر فيها أن هذا الحدث يشكل أداة لتعزيز علاقات الأخوة بين اتباع الديانتين كما تمنى البابا أن يصير هذا اللقاء فرصة لتعزيز أواصر الأخوة، وشهد الاحتفال مشاركة سبعة كرادلة وعشرين أسقفا ومائة وعشرين حاخاما من أنحاء العالم، واستمر اللقاء على مدى أربعة أيام وناقش بعض التحديات المشتركة مثل الرسالة المخلّصة للشعب اليهودى والكنيسة الكاثوليكية فى عالم اليوم وبروز ظاهرة معاداة السامية، والمؤتمر هنا لا يبرئ اليهود من دم المسيح، ولكنه تعدى ذلك إلى الاعتراف بخلاص اليهود من خطاياهم ووضعهم على قدم المساواة مع الكاثوليك فى دخول الملكوت على الرغم من عدم وجود أى مشتركات دينية بين العقيدتين، ولكن يظهر الهدف من اللقاء أخيرا وهو مواجهة معاداة السامية ودعم الكيان الصهيونى من خلال تحالف دولى بين الصهيونية العالمية والفاتيكان وهو ما يمكن لنا أن نطلق عليه تحالفاً «صهيوفاتيكانى» والجدير هنا بالذكر أن البابا فرانسيس لا يرى فى نفسه ولا كنيسته نداً فى ذلك التحالف، ولكن هو الشريك الأقل مقاماً للصهيونية العالمية أما اليد العليا فهى لحاخامات الدولة الصهيونية، فهو لا يلتقى مع كبير هؤلاء الحاخامات الا وانحنى له وقبل يده وقدم كل فروض الولاء والطاعة.
التورط القبطى
على ما يبدو أن الكنيسة القبطية الأرثوذكسية لا تراقب تحركات الفاتيكان والكنيسة الكاثوليكية، والواضح أيضاً أن قداسة البابا تواضروس لا يرى فى نظيره الكاثوليكى غير رجل الدين والمحبة والسلام ولا يفطن للدور الخفى الذى يلعبه فرنسيس فى دعم الصهيونية العالمية، ومن المؤكد أن البابا تواضروس لم يُنصح سياسياً بالحذر من التحالف «الصهيوفاتيكانى»، والأمر الأشد وطأة أن هناك داخل الكنيسة القبطية من يدفع وبقوة تجاه الهرولة نحو الفاتيكان والاتحاد معهم، ففى دراسة أعدها القمص يوحنا نصيف وتم رفعها للبابا تواضروس اقترح نصيف توحيد موعد الاحتفال بعيدى الميلاد والقيامة مع الفاتيكان، وذلك عن طريق حذف 13 يوما من السنة القبطية بحجة أن هذه رغبة لأقباط المهجر وهو ما تضاربت فيه ردود أفعال أقباط المهجر بين أغلبية معارضة وأقلية مؤيدة للاقتراح وهو ما دعا البابا لاقتراح استفتاء بين شعب المهجر على الاقتراح وعلى ما يبدو أنها خطوة تمهيدية لتوحيد الأعياد مع الكاثوليك.
نقل الكرسى المرقسى
دراسة القمص نصيف تفصح عن مفاجأة كبيرة، حيث ذكر فى الدراسة أنه «يلزم الأخذ فى الاعتبار أنّ الكنيسة تنمو بسرعة فى المهجر.. وإذا كان الآن حوالى 20٪ من الأقباط يعيشون خارج مصر، وأكثر من 20٪ من الآباء الأساقفة أعضاء المجمع المقدّس يخدمون خارج مصر، فإنّى أتوقّع فى غضون العشرين عامًا القادمة أن يتضاعف هذا العدد، وبالتالى سيتحوّل مركز الثقل تدريجيًّا للأقباط من مصر إلى المهجر» وهنا تقفز أمامنا العديد من الأسئلة الصادمة ومنها:
ـ ألا يعنى توقع القمص بأن مركز الثقل يتحول من مصر إلى الخارج يأتى ضمن مخطط الشرق الأوسط الكبير والذى يتضمن تفريغ الشرق الأوسط من المسيحيين؟
ـهل يعنى توقع القمص حال أصبح مركز الثقل فى المهجر أن يتم نقل الكرسى البابوى المرقسى إلى إحدى عواصم العالم ولتكن واشنطن لأنها صاحبة المخطط فيتحول الكرسى البابوى القبطى الأرثوذكسى إلى الكرسى الأمريكى الأرثوذكسى؟
ـهل هناك مخطط للقضاء على الكنيسة القبطية كقوة ناعمة مصرية عن طريق محو هويتها وتذويبها فى الثقافة الأمريكية واستغلال ما تمر به مصر من فترة انتقالية فى استقطاب الأقباط للخارج؟
التهديد بمصادر التمويل
وتستمر الدراسة فى تفجير المفاجآت بالقول «وكما أنّ أعضاء الجسد خارج مصر يساهمون بقدر ملموس فى احتياجات الفقراء والكنائس داخل مصر، فسيكون ضبط التقويم على الرغم من عدم وجود احتياج ماسّ داخل مصر لذلك لمسة حُب تجاه ابناء المهجر المُحبِّين» فالدراسة إذن ليست مقترحاً ولكنها أمر يتطلب من البابا تواضروس تنفيذه رغم أنفه ولا مانع من التلويح بالتهديد بتجفيف منابع التمويل للكنيسة فى الداخل عن طريق الضغط بقطع تبرعات الأقباط فى المهجر على الرغم من أن الدراسة تؤكد، وتقر أن تغيير التقويم لا يأتى نزولا على رغبة الأغلبية فى مصر بل أن الأمر قد يؤدى إلى ارتباك فمن أعد الدراسة لا يعلم أن التقويم القبطى مرتبط بمواسم الزراعة والرى، كما أن جميع النوات المناخية يتم حسابها على أساس التقويم القبطى، فماذا نحن فاعلون بالنوات التى تحل فى الـ 13 يوماً التى سوف يتم اقتطاعها من السنة القبطية فهل يمكن لنا أيضا أن نلغى تلك النوات أو نحذفها من المواسم المناخية فى مصر فالتقويم القبطى ليس ملكاً للكنيسة تغييرة وتعدله وقتما شاءت، ولكنه ملك لكل المصريين.
الحرق الناعم للبابا تواضروس
فى نفس العام 2015 خرج علينا الفاتيكان عبر الموقع الرسمى له «راديو الفاتيكان» ببيان قصد منه إحراج البابا تواضروس أمام شعبة وأمام العائلة الأرثوذكسية فى العالم، حيث جاء بالبيان إن البابا تواضروس تقدم ثلاث مرات بطلب إلى البابا فرنسيس يطلب منه الموافقة على توحيد موعد عيد القيامة وقال: البيان أن البابا تواضروس يرى أن هناك خطأ فى حساب الأعياد وطالب من البابا فرانسيس الموافقة على مراجعة التقويم القبطى كى تتوافق الأعياد فى موعد الاحتفال بها بين الكنيستين القبطية والكاثوليكية، وعجيب الأمر أن البيان أورد أن طلبات البابا تواضروس المتكررة لم يتم البت فيها بعد ولكنها قيد الدراسة المتأنية والأمر المثير للسخط هو تلقيب فرنسيس بلقب الـ (البابا) وتوصيف الأنبا تواضروس بلقب (البطريرك) ومن المعروف أن النظام فى الكنيسة الكاثوليكية يقضى بأن (البابا) هى الرتبة الأعلى مقاماً فى الكنيسة والذى يرأس عدد من (البطاركة) وكان البابا تواضروس يرفع طلباته إلى البابا فرنسيس كرئيس دينى له وليس كند أو نظير. فهل كانت زيارة البابا تواضروس إلى الفاتيكان مؤخرا تتويجاً لسيطرة الأجندة السياسية للتحالف “الصهيوفاتيكانى” على مقدرات الكنيسة القبطية و تذويبها و تفريغها من محتواها؟ هذا ما نناقشه فى مقالنا القادم
أترك تعليقك