خارطة طريق البابا تواضروس للوحدة مع الكاثوليك ــ مصير الوحدة بين الكنائس فى مصر 5ـ7

90

د. ميرفت النمر تكتب:

فى محاضره له أثناء زيارته للفاتيكان قال قداسة البابا تواضروس معلقاً على تلك الزيارة:”جئنا إلى هنا في زيارة محبة لقداسة البابا فرنسيس، بابا الڤاتيكان، للاحتفال معاً بمرور خمسين سنة على بدء الحوار الرسمي بين الكنيسة القبطية الأرثوذكسية والكنيسة الكاثوليكية، بعد انقطاع دام ١٥ قرن من الزمان بعد مجمع خلقيدونية عام ٤٥١، فبعد أن ظلت الكنيسة المسيحية فى العالم كله كنيسة واحدة لما يقرب من خمسة قرون، حتى جاء هذا المجمع وحدث الانشقاق بين الشرق والغرب الذى اثر على شرح الإيمان المسيحيوعن موضوع الوحدة قال قداسته: طريق الوحدة طريق طويل وأرى أنه يمضي بعدة خطوات فهو طريق يشبه الصليب: أولًا بناء علاقات المحبة علاقات قوية من خلال الزيارات وبعض الفعاليات المشتركة. الخطوة الثانية الدراسة أي ندرس التاريخ والعقائد. والخطوة الثالثة هي الحوار وهو يكون حوارًا لاهوتيًا أو شعبيًّا على مستوى الخدام والشعب. وأخيرًا الصلاة لأنها تصنع المعجزات و بها نكون واحد بالمسيح.هذه الخطوات تستغرق وقتًا طويلًا ونحن نؤمن أن الروح القدس يعمل في وسطنا حتى نكمل هذا المشوار. و على الرغم من تلك التصريحات المقتضبة التلغرافية للبابا إلا ان تلك التصريحات ترسم خارطة الطريق للوحدة بين الكنيسة القبطية و الكنيسة الكاثوليكية لعهود طويلة قادمة و هو ما يستحق منا أن نتوقف أمام تلك التصريحات بالفحص و التحليل لما تحمله من دلالات لها أهميتها فى تلك الوحدة

الاحتفال بمناسبة غير دينية

على ما يبدو أن أجواء زيارة البابا تواضروس الى الفاتيكان قد تم لها الإعداد بعناية فائقة و تم اختيار التوقيت ليكون مناسباً لتلك الزيارة و جاء هذا التوقيت احتفالاً بمرور خمسون عاما على أول زيارة قام بها بطريرك قبطى للفاتيكان و هو مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث، فالزيارة إذن ليست زيارة دينية أو تأتى ضمن محفل روحى فى دولة على الرغم من صغر مساحتها إلا إنها تقود العالم المسيحى بأكمله، و البعد عن الصبغة الدينية للزيارة على الرغم من أن قطبى الزيارة هما من كبار رجال المسيحية فى العالم يهدئ من أجواء الاحتقان التاريخية بين الكنيستين القبطية و الكاثوليكية لتتم الزيارة فى إطار من المحبة و هو ما يحبط محاولات الصقور من الطرفين لإفشال تلك الزيارة لتتم فى هدوء و نعومة دون إثارة أى قلاقل و هو ما جعل البابا تواضروس يطلق تصريحاته بأريحية شديدة دون مخاوف لتأتى تلك التصريحات على محاور أربعة هى :

1ـ بناء علاقات قوية

كان البابا من الذكاء الشديد حيث أراد أن يمهد لخارطة الطريق التى سوف يؤسس عليها طريقة التعامل مع الكنيسة الكاثوليكية فى المرحلة القادمة فلا يمكن أن تتم تلك الوحدة بدون كسر الجمود بين الكنيستين و خلق أرضيات مشتركة للحوار و قنوات اتصال يمكن من خلالها التعاون البناء فى مشروع الوحدة المرجو و قد حدد البابا محورين مهمين فى هذا الصدد العنصر الأول و هو بناء علاقات محبة قوية فى إشارة واضحة لا تخطئها العين إلى إرجاء الحوار حول الحرمات التى فرضتها الكنيستين على بعضهما البعض أو ان شئنا القول غض البصر عن تلك الحرمات و عدم تفعيلها أو التعامل عليها و كأنها لم تكن فلا داعي لأثارتها مجددا حتى لا يتم فتح البابا مجدداً لخلافات لاهوتية تاريخية فشل الآباء الأوائل فى الكنيستين على احتوائها و إزاحة تلك الحرمات و استبدالها ببعض إعمال المحبة من الزيارات المتبادلة و المحور الثانى الذى حدده البابا من اجل بناء علاقات قوية بين الكنيستين هو إقامة بعض الفعاليات المشتركة دون تحديد تلك الفعاليات و التى سوف لا تخرج بالتأكيد عن بعض المشاركات المجتمعية بشكل مسكونى

2ـ الدراسة     

أما المحور الثانى الذى حدده البابا فى خارطة الطريق التى طرحها هو الدراسة و قد كان محددا هنا فى تحديد مجالات الدراسة بمجالين هما التاريخ و العقائد إلا أن البابا لم يحدد الغرض من تلك الدراسة فمن البديهى أن كل الدراسات أى كان نوعها و الغرض منها فإنها ترجو الوصول إلى نتائج و هو ما يؤكد أن تلك الدراسات سوف تتم بشكل أكاديمي تراثى لن يلتفت إلى نتائجها على أرض الواقع و لكنها سوف تكون بمثابة حلول تاريخية لمشكلات تاريخية بين الكنيستين لتسجل تلك الدراسات انتهاء حقبة من الصراعات بين الكنيستين و قد يستعان بتلك الدراسات لصياغة دستور ايمانى بين الكنيستين و لكن هذا لن يتم فى القريب العاجل و لكن قد يستغرق ذلك سنوات طويلة و يتم الانتهاء منه على المدى الطويل.

3ـ الحوار

و جاء المحور الثالث ليشمل الحوار بين الكنيستين و قد جاء هذا المحور على مستويين هما:

ــ الحوار اللاهوتي و هو الحوار على مستوى القادة الدينين من الكنيستين أى الأساقفة و المطارنة من الجانب القبطي و الكرادلة من الجانب الكاثوليكي و بالتأكيد لن تتم دعوة كل المطارنة و الأساقفة و الكرادلة لهذا الحوار و لكن يمكن ان يتم تأسيس مجلس للحوار اللاهوتي من نخبه من كل هؤلاء ينعقد بشكل دائم لمناقشة كافة الأطروحات اللاهوتية التراثية و المحدثة التى سوف تعرض عليه 

ــ الحوار الشعبى على مستوى الخدام والشعب و حسنا فعل البابا باقتراح مشاركة الشعب فى الحوار المزمع إقامته بين الكنيستين فمما لا شك فيه أن القواعد الشعبية للكنيستين لا يستهان بها و لا يمكن تجاهلها فى حوار مثل هذا فلم يعد الوضع مثل ما كان قديما حيث كانت القواعد الشعبية منفصلة عن الأحداث داخل الكنائس ففي عصر السموات المفتوحة و ظهور صحافة المواطن على مواقع التواصل الاجتماعي أصبحت القواعد الشعبية على تواصل أول بأول بكل مجريات الأمور فى الكنائس و إبعاد تلك القواعد عن الحوار يمكن أن يخلق حوارا لاهوتيا موازيا على مواقع التواصل الاجتماعي قد يؤثر بالسلب على مجريات الأمور فى هذا الحوار خاصة أن تدخلت فيه بعض الأيادي الخفية من صقور الكنيستين.

4ـ الصلاة

مما لا شك فيه أن الصلاة هى العمود الفقرى للعمل الروحى داخل اى كنيسة و بديهى فى أى محاولات للوحدة بين الكنائس ان تكون الصلاة حاضرة فى تلك الوحدة و هو أمر طبيعى ولا ريب فيه و لكن البابا لم يقصد سذاجة الطرح عندما ذكر الصلاة كأحد محاور خارطة الطريق التى طرحها للوحدة و لكنة كان يقصد ضمن ما قصد التوافق الليتورجى ــ العبادات و الصلوات بكل أنواعها ــ بين الكنيستين و لا يخفى على أحد اختلاف تلك العبادات بين الكنيستين مثل ممارسة المعمودية و سر التناول كما أن القداس الإلهي و هو فى القلب من تلك العبادات مختلف تماما فى الكنيستين و ليس من المتوقع تغيير الطقس الكنسى للعبادات و استحداث عبادات جديدة يتم الاتفاق عليها و لكن المتوقع هنا أن تعتمد كل من الكنيستين طريقة عبادات الكنيسة الأخرى.

هكذا طرح البابا تواضروس رؤيته لخارطة الطريق الخاصة بالوحدة بين الكنيستين ولا نعلم بعد هل تلك الخارطة تم الاتفاق عليها مسبقا و تقرر إطلاقها من الفاتيكان على لسان البابا القبطى أم أن تلك الخارطة اجتهاد شخصى من البابا تواضروس يتم طرحة ليتلقفه الجانب الكاثوليكى و يدلى بدلوه فيه؟ لا نعرف بعد و لكن بالتأكيد سوف تجيب الأيام القادمة على هذا السؤال.

تعليقات الفيسبوك

أترك تعليقك