نظرة الإبداع والفكرالأوروبى لليهود

90

الكاتب الأستاذ طلعت رضوان يكتب :

   كتبتُ- وكتب غيرى- عن الفرق بين اليهود والدين اليهودى، ولكن لفت نظرى أنّ كثيرين من المفكرين والمُـبدعين الأوروبيين، عمّـموا نظرة الكراهية للمواطنين اليهود. فهل هذا التعميم فيه مبالغة؟ أم أنه ترجمة لما شاهدوه من سلوك وتصرفات؟ ومن بين الكتابات الحادة ما كتبه جورج هربرت ويلزفى (موجزتاريخ العالم) إنّ ((تاريخ ملوك إسرائيل وملوك يهوذا، هوقصة ملوك همج يحكمون شعبـًـا من الهمج))

    وظللتُ لعدة سنوات أفرق بين اليهودية والصهيونية، بمراعاة أنّ الأولى دين والثانية مذهب سياسى عنصرى، ولأنّ الدين يدخل فى إطارحق الاعتقاد، فيجب بالتالى احترام معتنقيه. أما الصهيونية، فلأنها تستهدف الاستيلاء على أوطان الغير، فيجب بالتالى مقاومتها، إلى أنْ قرأتُ ما كتبه مؤرخون وعلماء أوروبيون (موسويون ومسيحيون) عن اليهود فى الدول الأوروبية. وإجماع هؤلاء المفكرين على كراهية الشعوب الأوروبية لليهـود. وبدأ السؤال يكبرفى رأسى: ما أسباب كراهية الشعوب الأوروبية لليهود؟ واكتشفتُ أننى لم أتعمق (أولم أتوقف) أمام الصورة المزرية لليهود فى كتابات المبدعين، مثل شكسبيرفى مسرحية (تاجرالبندقية) أوجيمس جويس فى رائعته (عوليس) إضافة إلى العلماء والمؤرخين الذين أكدوا على أنّ الشعوب الأوروبية احتقرتْ اليهود وعاملتهم بقسوة وصلتْ لدرجة حد الإبادة، مثلما فعل الرومان فى مذبحة (تيتوس) الشهيرة. ومثلما أجهزعليهم (هارديان) فى مذبحة نهائية، ومثلما أحرق الصليبيون اليهود فى معبدهم عندما استولوا على القدس عام1099م. وإذا كانت الأمثلة كثيرة فإنّ السؤال هو: لماذا هذا الموقف من اليهود؟  

    لقد ذكرأينشتاين (رغم نشأته على الديانة اليهودية) فى كتابه (حول الصهيونية- خطابات ورسائل) الصادرعام1931((إننا ندين إلى اللاسامية بالمحافظة على وجودنا واستمرارنا)) أما الفيلسوف سارترفقال فى كتابه (اليهودى واللاسامية- بحث فى علم أسباب الحقد) الصادرعام1948((إنّ العامل الوحيد الجامع بين اليهود هوعداء المجتمعات المحيطة بهم وكراهيتها لهم)) أما كارل ماركس فقد لخـّـص (رغم أنه موسوى الديانة) أسباب كراهية الشعوب الحرة لليهود فى سبب رئيسى هوأنّ اليهود رفضوا أنْ يعيشوا فى مجتمعاتهم كمواطنين، لأنّ تمسك اليهود بالديانة اليهودية تغلّب على ((الجوهرالإنسانى الذى كان ينبغى أنْ يربطه- بوصفه إنسانًا- بسائرالناس)) وانتهى ماركس فى تحليله الأخيرإلى أنّ خلاص البشرية من اليهود، بل والتحررالاجتماعى اليهودى نفسه، إنما هو((تحريرالمجتمع من اليهودية)) وأنّ التحرراليهودى فى معناه الأخير((يقوم فى تحريرالإنسانية من اليهودية)) وفى الفقرة الأولى من الصفحة الأولى كتب ((المال هوإله إسرائيل المطماع. ويعتقد اليهود أنه لاينبغى معه لأى إله أنْ يعيش. إنّ المال يخفض جميع آلهة البشرويجعلهم سلعًا. المتاجرة بالمال، هذا هوالإله الحقيقى لليهود)) (دارمكتبة الجيل اللبنانية- بدون سنة نشر- ص3، 38، 55، 63)

    أما الروائى الأيرلندى جيمس جويس فقد سخرمن اليهود فى روايته المهمة والبديعة (عوليس) حيث يتعرّف القارىء على مستر(ديزى) الذى يرجومستر(ديدالوس) أنْ ينشرله بيانًا فى الصحيفة التى يعمل بها.  لماذا هذا البيان؟ لأنّ مستر(ديزى) وغيره من التجاريستشعرون الخطرمن ((عصابة ليفربول التى خرّبتْ مشروع ميناء جولواى)) ليس ذلك فقط بل إنّ هذه العصابة، تــُـهدّد ((تجارتنا للماشية ومصيركل صناعتنا القديمة)) ولكى يؤجج فيه غيرته الوطنية أضاف ((إنهم سيضعون حظرًا على الماشية الأيرلندية)) ثم يستعطفه قائلا ((والآن أحاول اللجوء للدعاية. إنى محاصرمن كل جانب بالمشاكل.. بالمكائد..بالمناورات الخفية)) فمن هى عصابة ليفربول؟ ومن هم الذين يُهدّدون تجارة الأيرلنديين فى لندن، بل ويُهدّدون إنجلترا نفسها؟

         بعد حالة الذعر، يبدأ مستر(ديزى) فى الإفصاح:((رفع سبابته مُـلوحًا بها بطريقة عجائزية قبل أنْ يتكلم. قال ((خذ بالك من كلامى يا مستر(ديدالوس) إنجلترا فى قبضة اليهود. فى كل مراكزالنفوذ:مراكزها المالية وصحافتها. وهم إمارات الاضمحلال لأية أمة. أينما يتجمّعون يستنفدون طاقة الأمة الحيوية. لقد شاهدتُ ذلك يحدث فى هذه السنوات. وكتأكدى من وقوفنا هنا أقول لك إنّ التجاراليهود بدأوا عملهم التخريبى.إنّ إنجلترا العجوزتحتضر)) 

     فيرد مستر(ديزى) بحزم ((لقد كفروا بالنور. ويمكنك أنْ ترى الظلام فى عيونهم. ولهذا فهم مـُـشرّدون فى الأرض حتى يومنا هذا)) 

     وعلى درجات بورصة باريس، وصفهم جيمس جويس قائلا ((رجال ببشرة ذهبية. يحسبون الأسعارعلى أصابعهم المرصّعة بالجواهر.ثرثرة الأوز.احتشدوا حول المعبد فى جلبة فظة ورؤوسهم تزخربالمؤامرات. يُدركون أنّ الضغائن تتكتل حولهم. ويُدركون أنّ حماستهم عبث، صبرعقيم للكنزوالتكديس. سيبعثره الزمان كله بكل تأكيد. كنزمُـكتنزعلى قارعة الطريق: يُسلب ويُبعثر. عرفتْ عيونهم سنوات التشرد. وبصبرتحمّلوا مخازى جنسهم)) 

     فى نهاية اللقاء، وبعد أنْ همّ مستر( ديزى) بالانصراف توقف ليقول للبطل ((أردتُ فقط أنْ أقول لك هذا: إنّ أيرلندا، كما يقولون، لها الشرف أنْ تكون البلد الوحيد الذى لم يضطهد اليهود. ألاتعرف ذلك؟)) وعندما سأله مستفسرًا، قال مستر(ديزى) لأنها ((لم تسمح لهم بدخولها أبدًا. قال ذلك بافتخار)) وظلّ يردد جملته وهويبتعد ((لأنها لم تسمح لهم بدخولها أبدًا))  

    وكتب الفيلسوف الفرنسى فولتيرعن التاريخ اليهودى القديم ((فى البداية تتشتتْ قبائل إسرائيل العشرثم سيقتْ القبيلتان الأخيرتان إلى أسربابل. هذه إذن النهاية التى آلتْ إليها تلك العجائب المذهلة كلها، والتى زعموا أنّ (يهوه) صنعها ليهوده. وينظرالحكماء المسيحيون بألم وأسى شديديْن إلى النوائب التى ألمّتْ بآبائهم، الذين أعدوا لهم طريق الخلاص. أما أتباع مذهب الشك، فينظرون بفرح خفى إلى إبادة شعب كامل تقريبًا، هوالشعب الذى يرون أنه حامل لأبشع المعتقدات الخرافية وأدنى أشكال العهروالبغاء وأكثرضروب السلوك البشرى وحشية ودموية)) ووصف سيجموند فرويد (رغم أنه موسوى الديانة) المصريين القدماء بالودعاء، بينما اليهود بالهمج (موسى والتوحيد- ترجمة عبدالمنعم الحفنى- مطبعة الدارالمصرية- ط 2– ص 109)  

    أما العالم والمفكرالإيطالى (جوردانوبرونو) فذكرأنّ اليهود ((هم بلا شك فضلات الحضارة المصرية. ولايستطيع أى إنسان أنْ يُقنع أحدًا بأنّ المصريين قد أخذوا عن اليهود أى من مبادئهم، سواء كانت صالحة أم لا..إنّ مصرمبدعة الكتابة والآداب، أساس كل تراثنا وشرائعنا)) (مارتن برنال فى كتابه الموسوعى” أثينة إفريقية سوداء”- مجموعة مترجمين- المجلس الأعلى للثقافة- عام 97 ص 286)  

    وكتب العالم (ليوشتراوس) أنّ الفيلسوف الهولندى اسبينوزا (1632- 1677) ابتعد عن اليهودية. وأنّ هدفه الأساسى فى دراسته (البحث اللاهوتى السياسى) هو((تحريرالمسيحية من تراثها اليهودى)) وهوالأمرالذى أغضب الحاخامات اليهود على (اسبينوزا) فقرّروا طرده من الطائفة اليهودية، وبالتالى انفصاله عنها طوال حياته منذ أنْ كان فى الرابعة والعشرين من عمره حتى وفاته. وأنه لم يتراجع عن موقفه، وفى كتابه المهم عن (اسبينوزا) كتب المفكرالكبيرد. فؤاد زكريا أنّ (اسبينوزا) رفض بشدة فكرة امتيازشعب على بقية الشعوب. فى الرسالة رقم42 ((أنكرفكرة اختياراليهود أوتفضيلهم على بقية الأمم. وأكد على أنّ ممارسة الفضائل الأخلاقية، أجدى من ممارسة شعائرالعقيدة اليهودية))

    وحتى الروائى الأمريكى (جون شتاينبك) جعل أبطال روايته (توريلافلات) يسخرون من اليهود وخداعهم وأنّ من يقول لشخص ((أيها اليهودى)) فكأنه يسبه (ترجمة سيد جاد- هيئة الكتاب المصرية- عام1972- أكثرمن صفحة)

      وسؤالى الأخيرلماذا اختلف يهود مصرعن يهود المجتمعات أخرى؟ ذكرأ.محمد حسن خليفة فى حديثه عن حارة اليهود فى القاهرة أوفى بعض المدن المصرية أنّ الكثيرين من الباحثين لم يهتموا بتوضيح الفارق بين الجيتوالأوروبى والحى اليهودى أوالحارة اليهودية فى المدن المصرية، من حيث أولا: أنها لم تكن حارة مغلقة على أهلها تـُحيط بها أسوارتمنع الدخول أوالخروج من وإلى المجتمع (المصرى) الكبير. كما أنها فى كثيرمن الأحياء لم تكن حارة يهودية خالصة بل عاش فيها مسلمون ومسيحيون بجوار اليهود. والأهم أنّ الرغبة فى العزلة لم تكن مُتوفرة فى اليهودى المصرى، فنجده يعيش فى أحياء خارج الحارة اليهودية. ولم يكن مُلزمًا بالحياة داخل هذه الحارة. وأضاف ((إنّ تاريخ يهود مصرليس تاريخ حارات يهودية بل هوتاريخ جماعة مصرية دينها اليهودية ومُندمجة فى المجتمع المسلم والمسيحى ومُختلطة به وليست مُنعزلة عنه)) (من مقدمته لكتاب”تاريخ يهود مصرفى الفترة العثمانية- تحريريعقوب لاندوا– ترجمة جمال أحمد الرفاعى وأحمد عبداللطيف حماد– المجلس الأعلى للثقافة عدد 199عام 2000ص21، 22) ونظرًا لهذه اللغة العلمية فإنه ذكرالحقيقة التى تتغافل عنها الثقافة السائدة إنّ ((الصراع بين المُتدينين والعلمانيين (الإسرائليين) على أشده ومُهدّد لمستقبل إسرائيل كدولة))   

    أود توضيح موقفى: فأنا على يقين بوجود شخصيات متمسكة بالدين اليهودى، ولكنهم ضد فكرة (شعب الله المختار) وضد المرجعية التوراتية لإحتلال فلسطين، وهذا هوموقف الإسرائيليين أنصارالسلام، وبينهم أدباء وشعراء..وفى مكتبتى الكثيرمن المراجع التى تؤكد صحة اعتقادى.

طلعت رضوان

تعليقات الفيسبوك

أترك تعليقك