الكاتب الأستاذ طلعت رضوان يكتب :
من المفهوم– بل والطبيعى جدًا– أنّ يكون ولاء الإنسان لأبيه البيولوجى، ولكن أنْ يكون الولاء (للأب السياسى) فهوحالة من حالة المرض النفسى/الاجتماعى/ السياسى. وبالرغم من أنّ هذا المرض متأصل ومُـتجذرفى المورث العربى– منذ أنْ وُجد العرب على مسرح التاريخ، وامتد حتى لحظتنا الراهنة مع مطلع الألفية الثالثة، فإنّ العقل الحريتساءل: متى وكيف سيتم القضاء على هذا المرض؟ وإذا كانت الأنظمة العربية تستفيد منه، وبالتالى تحرص على استمراره، لتظل منظومة (الأب السياسى) سائدة لتمجيد الحاكم الذى يستغل شعبه، ويُحوّل ما ينهبه من خيرات وطنه إلى بنوك أميركا وأوروبا، ويُعلن الحرب على أى بلد (عربى) بإرادة مُـنفردة، ويُعيّن نواب المجالس النيابية والمحليات (عن طريق الانتخابات الشكلية) ويُـقـدّم العطايا والهبات والمناصب لكل من يتملــّـقه ويُدافع عن سياساته (الداخلية والخارجية) حتى ولو كانت ضد مصلحة الوطن، والأخطرأنّ هذا (الأب السياسى) يعتمد على المؤسسات الدينية (الرسمية والشعبوية) لتبريروتجميل كل تصرفاته، مهما كان فيها من أخطاء ضد الوطن، فإذا كان هذا هوموقف (الأنظمة الأبوية) فهل سيتمكــّــن الشعب من مقاومة هذا الفيروس؟
أعتقد أنّ أمام الشعوب العربية عدة عقبات لهزيمة هذا المرض، من بينها الموروث العربى، سواء فى النثرأوالشعر، حيث أنّ الولاء (للأب السياسى) ارتبط وامتزج بالموروث الدينى، حيث أنّ الخليفة (ظل الله على الأرض) لدرجة أنّ الخليفة العباسى جعفرالمنصور((كان أول من أحدث تقبيل الأرض بين يديه. والتحجب عن (الرعية) والترفع عليها)) عبدالمتعال الصعيدى فى كتابه المُـجددون فى الإسلام- هيئة قصورالثقافة- عام 2007- ص71، 72) ولأنّ النظام الأبوى مُـتجذرفىعقل الخلفاء، لذلك فإنّ الخليفة المأمون لم يتحمّــل أنْ يُخالفه أى (تيار مُـعارض) فى موضوع (خلق القرآن) وصبّ على مُعارضيه جام غضبه، وشمل هذا الغضب الإمام أحمد بن حنبل الذى تعرّض للسجن والجلد، لأنه قال أنّ القرآن غيرمخلوق. وصرّح ذو النون المصرى (بسبب ولعه بميتافيزيقا التصوف) والمُـتوفى عام 859 م أنّ ((طاعة المُريد لأستاذه أولى من طاعته لربه)) (الصعيدى- ص115) وكتب الصعيدى أيضًا ((فى القرن الرابع الهجرى كانت الدول الإسلامية تتطاحن على المُـلك وتسوق (رعاياها) سوق الأنعام)) (ص150) ووصف أبوالعلاء المعرى الخلفاء قائلا ((يسوسون الأموربغير عقل/ فينفذ حكمهم ويقال ساسة/ فأف من الحياة وأف منهم/ ومن زمن رياسته خساسة))
وبسبب تأثيرالدين على عقول الشعوب المؤمنة بالإسلام، فإنّ تلك الشعوب تقـبّـلتْ أبشع أنواع الحكم (الخلافة العثمانية) التركية ((وكانت تـُعامل (الرعايا) كأنهم عبيد لها، وإذا خاطبوا (الرعية) لايُوجـّهون الخطاب إليها بل يقولون لولاتهم: بلغوا عبيد بابنا العالى)) (354، 355) ومن كوارث الإيمان ب (الأب السياسى) لدى الخلفاء فإنّ السلطان سليمان القانونى (1494- 1520) كتب رسالة إلى ملك فرنسا قال له فيها ((بعناية حضرة عزة الله جلتْ قدرته وعلتْ كلمته. وبمعجزات سيد زمرة الأنبياء وقدوة فرقة الأصفياء محمد المصطفى، وبمؤازرة قدس أرواح الأربعة: أبى بكروعمروعثمان وعلى رضى الله عليهم أجمعين، أنا سلطان السلاطين وبرهان الخواقين متوج الملوك، ظل الله فى الأرض، سلطان البحرالأبيض والبحرالأسود..إلى فرنسيس ملك ولاية فرنسا ملجأ السلاطين..إلخ)) وكان تعقيب الصعيدى ((فهذا الكتاب يدل على أنّ السلطان سليمان لم يكن يدرى أنّ هذه الدول التى يُـغالى فى عظمتها تدب فيها أمراض قاتلة من أشدها هذا الغروربعظمتها والغفلة عن الأحداث البشرية ومن أشدها الاستهانة بدولة فرنسا وغيرها من دول أوروبا)) (ص371، 372) وذكرالصعيدى أنّ الملك المغولى شاه جيهان الذى حكم فى الفترة من 1628- 1658 كان أول ملك أبطل عادة ركوع الناس وسجودهم لملوكهم فى مقابلاتهم (382) وللتدليل على النظام السياسى الأبوى أورد أنّ التراث العربى به العديد من الكتب التى تتمسّـك بالكتاب والسنة وعلى التقليد منها كتاب (العلم الشامخ فى إيثارالحق على الآباء والمشايخ) وقد أشرف على طباعة هذا الكتاب رشيد رضا الذى ذكرأنه كتاب جليل فى الأحكام والأصول والفقه..إلخ (412) وبسبب الولاء الأبوى السياسى/ العروبى/ الإسلامى استجاب محمد رشيد رضا لطمع الملك فؤاد فى أنْ يشغل منصب (خليفة المسلمين) بعد أنْ ألغاها كمال أتاتورك (547) ووقف الشيخ مصطفى المراغى شيخ الأزهرمع الملك فاروق فى سياسته الرجعية (549)
وهل يمكن تحت سنابك الولاء الأبوى للحاكم وطغيان آلية (المُـطلق) المُعادى للنسبى أنْ تتحرّرالشعوب العربية وهى مؤمنة بالموروث العربى الذى مازال يُدرّس فى البلاد العربية، مثل قصيدة عمروبن كلثوم الذى قال فيها ((لنا الدنيا ومن أمسى عليها / ونبطش حين نبطش قادرينا / طغاة ظالمون وما ظـُـلمنا / ونظلم حين نظلم بادئينا / إذا بلغ الفطام لنا رضيع/ تخر له الجبابر ساجدينا)) وفى قصيدة أخرى ((ونحن وهبنا الناس كل مزية/ وهبناهمو كل الحضارات والربا / إذا ما غضبنا غضبة مضرية/ هتكنا عفاف الشمس بل سقطت ذعرا)) والإيمان بالمُـطلق ترجمه الشعرالعربى فى هذا البيت ((وإنــّـا أناس لاتوسط بيننا / لنا الصدردون العالمين أوالقبر)) وأيضًا (ترى الناس إنْ سرنا يسيرون خلفنا / وإنْ نحن أومأنا إليهم توقفوا)
ومن نماذج الشعرالعربى أيضًا ((فهل الناس غيرأبناء قحطان/ إذا ما ذكرت غيرعبيدى/ كل من يحتذى النعال ومن لا / يحتذيها من البداية عبيدى)) وكذلك ((لاينكرالناس منا يوم نملكهم/ كانوا عبيدًا وكنا نحن أربابًا)) والأخطرأنّ منظومة الولاء السياسى اختلطتْ بالولاء الدينى، وعن الولاء الأخير، وصل الهوس بتمجيد نبى العرب والإسلام لدرجة أنْ كتب أحد الشعراء ((وحتى الذباب فوق أنف نبينا / نراه جمالا يُبهرالعقل والقلبا / لأنــّـا رأينا ما اعتقدنا كماله/ وصغناه مكتوبًا بأخلاقنا الغضبى/ لذا عزّمن شئنا له العزوحده/ لذا ذلّ من شئنا له الذل والكربا / لذا نال ما يبغى المُـطيع لأمرنا / لذا نال من يعصوننا السلب والصلبا)) (نقلا عن المفكر السعودى عبد الله القصيمى فى كتابه ” العرب ظاهرة صوتية ” منشورات الجمل – عام 2000- ص275، 393)
إنّ (القصيدة) الأخيرة (خصوصًا) أفصحتْ وأبانتْ عن الذهنية العربية/ الإسلامية، خاصة فيما يتعلــّـق بمن يستحق العز، ومن يستحق الذل فى المنظومة التى مزجتْ الولاء السياسى بالولاء الدينى (راجع البيتيْن الأخيريْن) ناهيك عن أنّ (الذباب) فوق أنف النبى (جمال يُبهر العقل والقلب) لذلك كان تعقيب القصيمى ((لقد أصبح العرب عارًا وهوانـًا وسبابًا لكل العالم بسبب عنفهم. وأنّ النفط العربى خلق لهم كل مجدهم وشهرتهم. فهل وُجد خالق مثل النفط العربى؟)) (ص394) وكتب ((إنّ الإنسان العربى لم تتخلــّـق فيه مواهب الإنسان المتحضر. فلماذا جاء الإنسان العربى عربيًا ولم يجىء حضاريًا؟ او لماذا لم يجىء عربيًا حضاريًا لا عربيا فقط؟)) (ص405) وأنّ اللغة العربية هى صيغة (أفعل) لذا ينتشربينهم كلمات: أذكى، أعلم، أقوى وأعدل إلخ فى حين أنّ لغة أى قوم لابد أنْ تكون تعبيرًا عن مستوى القيم الإنسانية. وأنّ لغة العرب تــُـفسّرهم وتدل عليهم حينما يكذبون ويبالغون ويزورون..لذلك يقول المتحضرون: أيها العرب هذه هى لغتكم. هى كل مستوياتكم. خذوها .إنها هى أنتم)) (من 409- 412)
وفى الفصل الذى خصّصه للشاعرالمتنبى كتب القصيمى ((كل الرثاء للمحاريب الكثيرة التى شوّهتها جبهة المتنبى..المتنبى كان فـُحشًا نفسيًا وأخلاقيًا وإنسانيًا ولغويًا..كان وقاحة بقدرما كان قباحة. لعلّ جميع اللغات لاتجد كلمة رديئة لتكون على مقاسه. لعلّ قبحه مُعجزلجميع اللغات. فلن يُضيف أى قبح إليه فبحًا. إنّ تاريخـًا يُصبح المتنبى أحد أمجاده الأدبية والشعرية والأخلاقية لن يكون إلاّتاريخـًا عربيًا أصيلا..لقد كان المتنبى عاهة فادحة تحوّلتْ إلى غثيان تاريخى. المتنبى كان يستفرغ نفسه عندما كتب قصيدته الشهيرة ((أى محل أرتقى/ أى عظيم أتقى/ وكل ما قد خلق الله/ وما لم يخلق/ مُحتقرفى همتى/ كشعرة فى مفرقى)) ومن خلال دراسته للشعر العربى والتاريخ العربى كتب القصيمى أنّ المتنبى لم يكن وحده وأنه لم يجىء من فراغ، وأنّ العرب اهتموا به- بشكل خاص– لأنهم ((وجدوا فحشه وقبحه بكل ما فيهما من بذاءات وغرور. وهل توجد بداوة فكرية أوتحقيرللإنسان يُساوى قول هذا الشاعرالمُحتكرلأضخم الحظوظ فى الأسواق العربية ((إنما الناس بالملوك ولا / يفلح عرب ملوكهم عجم/ لا أدب عندهم ولاحسب/ ولاعهود لهم ولاذمم)) فمن الذى صنع المتنبى بأظافره وأنيابه الأخلاقية والنفسية وبعاهاته وتشوهاته؟ إنه لم يكن إلاّعربيًا ولدته مواهب وتاريخ وأخلاق ونبوات ومجتمعات عربية)) (من 472- 495) وأضاف القصيمى ((أليس قحط المتنبى تعبيرًا عن قحط الطبيعة التى أنبتته وكوّنته ونقلتْ إليه قحطها..فهل يستطيع المتنبى العودة إلينا ليرى أنّ مجده (الضخم) عار ضخم)) (من 503- 507)
والمتنبى بعد أنْ طرده سيف الدولة ذهب إلى كافور، مدحه ثم هجاه وعيّره بأصله فى العبودية ((لا تشترالعبد إلاّوالعصا معه/ إنّ العبيد لأنجاس مناكيد)) وإذا كان المتنبى– بعد أنْ منع كافورعنه المال ورفض منحه قطعة أرض– أراد الهجوم عليه، فلماذا جمع كل البشرالذين كان من سوء حظهم أنهم وقعوا تحت سنابك منظومة (العبودية) فيطلب من الشخص الذى سيشترى (العبد) أنْ تكون العصا معه، وليس ذلك فقط وإنما يُحذره من أنّ (العبيد أنجاس) أى أنّ المتنبى لم يرأنّ هؤلاء (العبيد) بشر. والمتنبى الذى عيّركافوربأصله فى العبودية، سبق له أنْ مدحه بفجاجة عندما قال ((أبا المسك هل فى الكأس فضل أناله/ فإنى أغنى منذ حين وتشرب/ فإنْ لم تنط بى ضيعة أوولاية/ فجودك يكسونى وفضلك أرحب)) وكيف يوصف المتنبى بالكبرياء– كما يقول المثقفون العرب– وهوالذى كتب عن نفسه ((أنا اليوم من غلمانه فى عشيرة/ لنا والد منه. يفديه ولده)) والمتنبى هوصاحب بيت الشعرالشهيرالذى مجـّـد فيه السيف ((حتى رجعتُ وأقلامى قوائل لى/ المجد للسيف ..ليس المجد للقلم)) وكتب القصيمى ((يقول هذا الأب والنبى للعروبة (المتنبى) مُـتحدثـًا عن الروم وعن حروبهم مع العرب وعن فتيات الروم ((ونحن فى جزل والروم فى وجل/ والبرفى شغل والبحرفى خجل/ وكلــّما حلمتْ عذراء عندهمو/ فإنما حلمتْ بالسبى والإبل)) فكان تعليق القصيمى ((قف أيها الهمجى الرؤية والحس.. إنّ أحلام جميع نساء الروم أنّ الجيوش العربية لابد أنْ تسبيها وأنْ تنقلها على إبلها إلى خيام الجنود العرب لتكون إماءً ومحظيات ومباحات جنسيًا لهم. ارتجفى خجلا واشمئزازًا يا مسامع الكون)) (516) وذكرأنّ كلمتىْ (علم) و(علماء) لم يكن لهما معنى فى كل التاريخ العربى البعيد والقريب إلاّ العلم بالإله وبصفاته وبإعداده للجنة وللناروتقسيمه للناس ليكون أقلهم من أهل الجنة وأكثرهم من أهل النار. ويتعلم العرب أنه لاعلم إلاّعلمهم لكونهم عربًا ولكونهم مسلمين، وإلاّ العلم بغزواتهم وبقهرهم واستيلائهم على البلاد والناس وعلى بيوتهم وأموالهم وحرياتهم واسترقاقهم وإلغائهم لأديانهم وتاريخهم ومعارفهم وحضارتهم، ولذلك فإنّ المتنبى هوفارس الصهيل العربى)) (من 584- 587) وروتْ كتب العرب عن أحمد بن حنبل أنه قال ((لوكانت لى دعوة مستجابة لدعوتها للسلطان لأنّ صلاحه صلاح للأمة وفساده فساد لها)) فكان تعقيب القصيمى ((سذاجة عقلية ونفسية. لم يقرأ التاريخ ولن يقرأ لها مثيلا إلاّعباقرة العروبة وأئمتها)) (623) وكتب ((إنّ محمدًا والمتنبى، النبى والشاعر، لوخـُـلطا فى كل أنبياء وشعراء العالم لاستطاع (الإنسان) أنْ يعرف أنهما عربيان)) (667) وأنّ ((أمة العرب أصوات لفظية نحاسية..والأصوات ليست حضارة أوتقوى دينية)) (ص717)
أما المفكرالفلسطينى هشام شرابى فكتب ((كان خطئى الأكبراعتقادى أنّ الثورة الشاملة قادمة لامحالة. وأنّ إزالة الأنظمة العربية المهترئة سيحدث عاجلا أم آجلا، ويقوم مكانها النظام العقلانى الحديث، وبقيتُ على هذا الفكرالطوباوى الذى زرع الحزب السورى القومى بذوره فى نفسى، حتى اكتشافى أنّ النظام الأبوى قادرعلى الوقوف ضد كل ثورة وإحباطها)) وأنّ المجتمع العربى مجتمع بطركى، أو- وفق تعبيره ((مجتمعًا نيوبطركيًا)) وفى نفس الوقت هومجتمع تابع ينقصه الاستقلال الذاتى ويعيش على الهيمنة الخارجية: سياسيًا واقتصاديًا وحضاريًا)) (النظام الأبوى- من ص140- 169)
وذكرالمفكرالكويتى أحمد البغدادى أنّ ((علم الآثاروالحفريات علم غربى خالص لادورفيه لأى عالم مسلم، خاصة وأنّ هذا العلم يتعارض مع العلم الدينى فيما يتصل بترتيب الأحداث التاريخية والشخصيات الدينية واحتمالات الوصول إلى تفسيرمادى للمعجزات الدينية الواردة فى النص الدينى، ولهذا يرفض الفقهاء نظرية التطور)) (أحاديث الدين والدنيا- مؤسسة الانتشار العربى- عام 2005- ص33) وكتب ((إذا نظرنا إلى مسألة التفكيرفى نطاق البيئة الصحراوية حيث محدودية التفكيرفى موضوعات الحياة المحدودة حيث لاعلم ولاحضارة، بإعتبارأنّ العرب آنذاك أمة أمية لاتقرأ ولاتكتب وتعتمد الثقافة الشفهية فى مجال وحيد: الشعر، سنجد أنّ مسألة التفكيرلاعلاقة لها بحرية الفكروالضمير)) (68) وكتب ((لوسألنا أنفسنا ما هوالدورالحضارى للنص الدينى فى العصرالراهن، لوجدنا أنه لاشىء. حيث لاتوجد أية علاقة بين الحضارة والدين لأسباب كثيرة نختصرها فى حقيقة أسبقية الفعل الحضارى على الفكرالدينى..ولهذا نؤمن بأنّ من الخطأ القول بمُسمى الحضارة الإسلامية) ولايعد تجنيًا على النص الدينى القول بأنه لا علاقة له بالحضارة..وفى مجال البناء الحضارى فإنّ البشرفى حاجة إلى العقل أكثرمن حاجتهم إلى النص الدينى)) (من 95- 99) وكتب ((الحضارة ترتبط بالدنيا لابالدين. ومن هنا خطأ مقولة (الحضارة الإسلامية) واللغة العربية والدين الإسلامى ليس فيهما أى تعريف لغوى أو اصطلاحى للحضارة..وأنّ التراث التاريخى والفلسفى والعلمى لم يقم على الدين، إنْ لم يكن مفارقــًا له. هذه الثقافة الدنيوية ليستْ مستمدة من الدين بل من المؤثرات الثقافية للبلاد التى تمّ غزوها باسم الإسلام..إنّ الحضارة من صنع الإنسان. والنص الدينى يتسم بالإنغلاق والمحدودية. ويجب الاعتراف بأنّ النص الدينى ساهم فى تخلف المسلمين فى هذا المجال الحضارى)) (من 161- 168)
ولأنّ الثقافة العربية السائدة كرّستْ لمنظومة الولاء الأبوى (السياسى والدينى) لذلك تمّ إهدار حقوق الشعوب العربية التى تناولتْ السم مع (عسل) الإسلاميين المُدافعين عن الطغاة أمثال راشد الغنوشى الذى كتب أنّ الحرية ((جعل قانونى وليست حقــًا طبيعيَا، ما كان الإنسان ليصل إلى حريته لولانزول الوحى وأنّ الإنسان لم يُخلق حرًا وإنما ليكون حرًا)) والحرية عند الترابى ليستْ غاية بل وسيلة لعبادة الله. وتحوّلتْ الحرية عند أبرزممثلى الإسلام: الغزالى والقرضاوى والفاسى والترابى والغنوشى لتـُـصبح عبادة أووسيلة للعبادة أوطريقة لإلغاء الحرية وسلبها. والدراسات الإسلامية المعاصرة تـُـثبت لكل قارىء وباحث حقيقة أنّ الدين ضد الحرية من حيث المبدأ وأنّ الحرية ليستْ حقــًا إنسانيًا بل مستمدة من الوحى..ويقتضى الأمرأنْ يُعاد النظرفى ترتيب علاقة الإنسان بالمجتمع وليس مع الله)) (من 318- 323)
وهكذا عكس النظام الأبوى سلطته وبطشه على البشر، عندما مزج الولاء السياسى بالولاء الدينى وضربهما فى الخلاط العروبى، فأنتج حالة الاستسلام التى تغلغلتْ داخل عقول شعبنا المصرى والشعوب العربية. والدليل على ذلك أنه عندما انتفضتْ تلك الشعوب فى يناير2011، تمّ امتصاص عنفوانها بل وتخديرها تحت سياط (طغيان اللغة الدينية) وعادتْ الأموركما كانت من استغلال عرق الشعوب لصالح الحكام وعاد القهرالسياسى بقمع الحريات، فانتصرتْ (الأحادية) على التعددية بفضل منظومة النظام الأبوى والولاء السياسى والدينى، وظلّ الموروث العربى جاثمًا على العقول والقلوب، وهوما جعل الشاعرالكبيرنزارالقبانى يكتب ((من ربع قرن وأنا أمارس الركوع والسجود/ أمارس القيام والقعود/ أمارس التشخيص خلف حضرة الإمام/ يقول: اللهم امحق دولة اليهود. أقول اللهم امحق دولة اليهود/ يقول: اللهم شتتْ شملهم. أقول اللهم شتتْ شملهم/ وهكذا يا سادتى الكرام/ أدوركالحبة فى مسبحة الإمام/ لاعقل لى. لا رأس. لا أقدام)) وكتب ((جلودنا ميتة الإحساس/ أرواحنا تشكومن الافلاس/ أيامنا تدوربين الزار/ والشطرنج والنعاس/ هل نحن خيرأمة (قد) أخرجتْ للناس؟)) وكتب ((أنا منذ خمسين عامًا / أحاول رسم بلاد تـُسمى– مجازًا– بلاد العرب/ رسمتُ بلون الشرايين حينـًا / وحينـًا رسمتُ بلون الغضب/ وحين انتهى الرسم ساءلتُ نفسى/ إذا أعلنوا ذات يوم وفاة العرب/ ففى أى مقبرة يُـدفنون؟ ومن سوف يبكى عليهم؟ وليس هناك حزن وليس هناك من يحزنون)) وبعد هزيمة يونيو67 كتب ((أنعى إليكم يا أصدقائى اللغة القديمة/ والكتب القديمة/ أنعى إليكم/ كلامنا المثقوب كالأحذية القديمة/ ومفردات العهروالهجاء والشتيمة/ أنعى لكم/ نهاية الفكرالذى قاد إلى الهزيمة))
وبينما الموروث العربى/ الإسلامى أفرز(الأب السياسى والأب الدينى) فكان من الطبيعى غياب (الأب الروحى) كما حدث مع الشعب الهندى العظيم الذى كان لديه المهاتما غاندى.
طلعت رضوان
تعليقات الفيسبوك
أترك تعليقك