عقد مدنى أم طقس كنسي؟

90

الدكتورة مرفت النمر تكتب :

علينا قبل ان نتصدى لوضع حلول للمشكلة ان نقف بداية على طبيعتها وتحديد مواطن الخلل والقصور والاختلاف وهو ما يحلينا بالضرورة للوقوف على طبيعة الزواج المسيحي والذى اختلفت التفسيرات في توصيفه فهناك من يرى انه عقد مدنى ومن ثم تكون الدولة هي المنوطة بتقنين محددات هذا العقد وعلى الجانب الاخر يرى البعض انه طقس كنسي لا يصح إلا باجراء مراسيم دينية بواسطة الكنيسة وعلى هذا تكون الكنيسة هي المتحكم في كل ما يخص تلك المراسيم والحقيقة فأن الرأيين على صواب ولكن المشكلة هنا تكمن في انصهار العقد المدني داخل الطقس الديني وأصبح الزواج المسيحي خليطاً بين العقد والطقس و تداخلت السلطة المدنية مع السلطة الدينية وتغولت كل منها على الأخرى

النظام العقدي للزواج المسيحي

من المعروف ان الزواج المسيحي بشكلة المتعارف عليه الان هو عبارة عن طقس كنسي تجريه الكنيسة وأثناء اجراء المراسم الدينية تحرر الكنيسة عقد زواج بين طرفي الزيجة ويتم التوقيع عليه من الزوجين والشهود والكاهن الذى اجرى المراسم والى هنا فالزواج تم بـ (عقد عرفي) لا سند قانونيا له ولا يحتج به أمام الجهات الرسمية في الدولة وعلى الرغم من حدوث الزواج فعليا ودخول الزوج بالزوجة الا ان الزواج يظل عرفيا لمدة أيام حتى تقوم الكنيسة بتوثيق هذا الزواج بـ ( عقد مدنى ) في الشهر العقاري وهو الوثيقة التي تعتمدها الدولة ويتم التوثيق على يد موثق في الكنيسة منتدب من قبل الدولة غالبا ما يكون كاهن.

الإشكاليات 

ــ الكنيسة تعترف هنا بل تكون طرفاً في “زواج عرفي” وتصدر عقداً تعترف فيه بذلك حتى لو كان هذا الزواج قائم على سند ديني “الطقس” فالمبدأ هنا لا ترفضه الكنيسة بل تعترف به وتمارسه بل وتعمل على توثيقة والاعتراف به 

ــ طبقا لما تمارسه الكنيسة في الشكل القانوني للزواج فإن الامر عبارة عن عقد عرفي يتم توثيقة وعلى هذا يمكن إتمام الزيجة المسيحية بعقد عرفي بين زوج وزوجة ويتم توثيقة والاعتراف به شريطة الالتزام بالنظام العام وعدم مخالفة القواعد القانونية المتعارف عليها ويكون الفصل في أي نزاع على هذا العقد يختص به القضاء وحده .

الكاهن الموثق موظف عام

عرفت محكمة القضاء الاداري في مصر في حكمها الصادر في 8 مارس سنة 1953 الموظف العام بأنه ” هو من يعهد اليه بعمل دائم في خدمة مرفق عام تديره الدولة او احد اشخاص القانون العام” فالكاهن الذى يقوم بتوثيق العقود العرفية في الكنيسة هو موظف عام لأنه عهد اليه بعمل دائم هو التوثيق في خدمة مرفق عام تديره الدولة وهو الشهر العقاري ومن ثم فهو يخضع وظيفياً كموثق للجهة الإدارية بالدولة ويكون منوطاً بتنفيذ كل التعليمات والاحكام حتى لو تعارضت مع عمله ككاهن فإذا ما صدر حكم قضائي يلزم الكاهن الموثق بإبرام وثيقة للزواج الثاني فعليه الالتزام بتنفيذ الحكم القضائي بصفته الوظيفية بعيدا عن مهامه الكهنوتية والا عرض نفسة لعقوبة الامتناع عن تنفيذ حكم قضائي و العزل من الوظيفة والحبس لمدة عام .

عودة الشيء لأصله

هنا نكون قد صدمنا بواقع اجتماعي هو في الأصل سبب المشكلة فعلى الرغم من صدور احكام قضائية تلزم الكنيسة بتحرير عقود الزواج الثاني للمسيحيين الا ان الكنيسة تمتنع وتتحجج بأنها لن تخالف عقيدتها الدينية وتتحرج الدولة من معاقبة الكاهن الموثق بعقوبته الجنائية الناتجة عن الامتناع عن تنفيذ حكم قضائي لأن هذا من شأنه ان يولد فتنة بين الاقباط والدولة ويفهم الامر ان الدولة تسجن الكهنة لأنهم يرفضون مخالفة نصوص الانجيل وهنا نكون ملزمين بإعادة السلطة في التوثيق الى صاحبها الأصيل وهى الدولة ويتم الغاء تفويض الكهنة في الكنائس بتوثيق عقود الزواج وتقوم الدولة بدورها في التوثيق وتنفيذ ما ينشأ عن هذا التوثيق من احكام قضائية وبذلك نكون قد رفعنا الحرج عن الكاهن الموثق الذى لا يستطيع مخالفة ضميره الكهنوتي للقيام بمهام وظيفته كموثق ورفعنا ايضاً الحرج عن الدولة التي غلت يدها اجتماعياً في تنفيذ احكام قضائها .

الطقس الكنسي

لسنا هنا بصدد وضع أي ضوابط او شروط لممارسة الطقس الكنسي للزواج فالأمر متروك بالكامل وبرمته للكنيسة تجرى مراسيمها بما يتفق مع عقيدتها المستقرة لديها لمن تشاء وحسبما تشاء فمن سعى للتمتع ببركات الكنيسة وطقسها في الزواج فهذا حقة ومن أراد اللجوء الى القانون فهذا حقه أيضاً.

وخلاصة القول :

ـ لا يجوز الاحتجاج بالمادة الثالثة للدستور على ان الزواج الكنسي أمر ديني 

ـ الشكل القانوني للزواج المسيحي الحالي هو عقد عرفي يتم توثيقه.

ـ الزواج مسيحياً بشريعة العقد هو امر ممارس ومتعارف عليه ولا يحتاج الى تقنين .

ـ الزواج والطلاق حريات لصيقة بالمواطنين لا يجوز تقيدها بأي قانون .

ـ الكاهن الموثق موظف عام بالدولة لا يستطيع الوفاء بالتزاماته كموثق ويخالف ضميره الكهنوتي .

ـ يجب على الدولة أعادة حق توثيق عقود زواج الاقباط الى مكاتب الشهر العقاري وسحب دفاتر التوثيق من الكنائس وإلغاء نظام الكاهن الموثق .

ـ الزواج المسيحي هو زواج مدنى حسب شريعة العقد على ارض الواقع يختص القضاء بنظر كل المنازعات الناشئة عنه والجهات المختلفة بالدولة منوطة بتنفيذ تلك الاحكام كل فيما يخصه.

ـ طقس الزواج الكنسي هو شأن كنسي خالص تجرية الكنيسة حسب المستقر في عقيدتها والكنيسة ليس من اختصاصها ابرام العقود او المواثيق فالكنيسة عملها روحي وكل كنائس المهجر تسير على هذا المنوال فلماذا تخلق الكنيسة وضعاً مختلفاً في مصر.

د/مرفت النمر

تعليقات الفيسبوك

أترك تعليقك