دولة الكهنوت والصفوة الفاسدة

90

الدكتورة مرفت النمر تكتب :

 ان المتابع لتدفق التبرعات داخل الكنيسة منذ سنوات طويلة لابد له وأن يكتشف ان هناك تحولاً نوعياً في آليات التبرعات منذ أن أرتقى مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث الكرسي المرقسى فالتبرعات كانت في الاصل تجميع لعشور المسيحيين في الكنائس تلك العشور التي لا تثمن ولا تشبع من جوع وكان لابد من التوسع في دائرة تلك التبرعات فأصبحت تشمل إتاوات يتم فرضها داخل الكنيسة مقابل بعض الخدمات فالوجاهة الاجتماعية التي يتحلى بها البعض داخل الكنيسة لا يشترط ان تكون نابعة من مواقعهم الاجتماعية أو كياناتهم العلمية ولكن يتم منح تلك الوجاهة الاجتماعية بقدر ما يتم دفعة من أموال تحت بند تبرعات من هؤلاء الصفوة فكثيراً ما نرى تلك الصفوة تحوم حول رجالات الكنيسة من كهنة وأساقفة وحتى البابا نفسه فإذا ما فتشت عن مكانة هؤلاء ستجدهم تجاراً أو أصحاب أموال ولكن يتم تقريبهم حسب ما يدفعون من أموال وعطايا وهدايا ثمينة يتم توزيعها على رجال الكهنوت ويلقى بالفتات الساقط من موائد الكهنة لفقراء الكنيسة هذا وإن تبقي شيئا زراً للرماد في الاعين ,والوجاهة الاجتماعية ليست قيمة معنوية فحسب ولكن لها مردودات نفعية على أصحابها فهؤلاء الصفوة يستخدمون مكانتهم داخل الكنيسة في تحقيق مكاسب ماديه ومصالح تجارية بينهم وبين بعضهم وبينهم وبين المجتمع فمكانتهم في الكنيسة تعطى الثقة بهم في كل التعاملات ولم يكتفى هؤلاء الصفوة بحصد المنافع المالية فقط بل دخلوا الى عالم السياسية والسلطة وكلما عظمت المنافع التي يحصدونها زادوا من تبرعاتهم في الكنيسة فنحن هنا أصبحنا أمام مثلث الفساد الوقح بأبعاده الثلاث التي تحتكرها الكنيسة فالكنيسة تمتلك الحقيقة الدينية المطلقة أمام المجتمع فهي تمثل المسيحية بل تماهى هذا التمثيل لتصبح الكنيسة ورجالاتها هم الوكلاء الحصريين للمسيح على الارض كما تحتكر الكنيسة أيضاً السلطة الدينية المطلقة على شعبها تلك السلطة التي تسيطر بها الكنيسة على كل مقدرات الاقباط كذلك وقد احتكرت الكنيسة الثروة المطلقة فكل مواردها يسيطر عليها رجالاتها فنحن هنا أمام دائرتين متقاطعتين من الفساد تحكمان آليات التبرعات في الكنيسة الدائرة الاولى هي المنافع المتبادلة بين الصفوة والكنيسة والتي تشكل العصب الرئيسي للتدفقات المالية الداخلة الى الكنيسة وفى هذا فإن الكنيسة لم يعد يؤرقها أين تذهب عشور مؤمنيها سواء وضعت في صناديق داخل الكنيسة أم وزعت مباشرة على مستحقيها فإن ذلك لن يؤثر من قريب أو من بعيد على رفاهية رجال الكهنوت فالمصالح لا تتوقف بين رجال الكهنوت وبين الصفوة وهو ما يعنى استمرار تدفق الاموال على رجال الكهنوت كما ان المصالح لا سقف لها وتتعاظم ولا تتقزم ,أما دائرة الفساد الثانية والتي تتقاطع مع الاولى بشكل كبير فهي علاقة القمع الروحي بين الكنيسة وشعبها فالكنيسة لا تشبع احتياجات شعبها ولكنها تقدم له الكفاف لكى يظل في احتياج لها وهو ما يضمن للكنيسة عدم تمرد أبنائها على سياساتها حفاظاً على ما يحصلون عليه من هذا الكفاف كما ان الملايين من هذا الشعب وخضوعهم للكنيسة هو ما يعطى الكنيسة القوه الدافعة في مواجهة المجتمع ويكرس لكل سلطاتها السياسية. إذن فالتبرعات هنا لا يتحكم فيها دافعي العشور ولكن يتحكم فيها من يستغل دافعي العشور في تحقيق مصالحة وتلك هي الكارثة الكبرى فالفساد في الكنيسة لا يتوارى ولا يعمل سراً بل يكشر عن انيابه ويكشف عن وجهه القبيح وبكل بجاحه وقد أستطاع خلال سنوات مضت أن يؤصل جذوره في الكنيسة ولا أمل في اصلاح هذا الفساد والذى يتوهم قداسة البابا تواضروس أنه قادراً على القضاء عليه ولكن الحقيقة تكشف لنا أن البابا رويداً رويداً يتم سحبه الى دوائر الفساد المتأصل في الكنيسة ويتم إيهامه بأنه يقوم بعمليات اصلاح جذرية عن طريق احلال دوائر فساد قديمة بأخرى جديدة أكثر منها فساداً ولكن الفساد الجديد موالى للبابا وغير متمرداً عليه مثل القديم والبابا لا يستطيع ان يغير من هذا لأنه يحتاج الى حصد أموال الفساد حتى يستطيع أن يقوى دعائم سلطته, والسؤال الذى يطرح نفسه الان وينتظر الإجابة هو أليس هناك وسيلة للفكاك من الفساد المتحكم داخل الكنيسة من خلال التبرعات المزعومة (الاتاوات)؟ والحقيقة أننا لا نرى أي تباشير لذلك قريباً فمعطيات الامور مجتمعياً تساعد في أتساع دوائر الفساد فالامر أصبح معلقاً على الشعب فعليه أن يتمحور في كيانات تعمل على أحكام قبضتها على الامور داخل الكنيسة ونرى انه من الضروري التسريع بانتخابات اعضاء للمجلس الملي ولا يُترك هذا المجلس للصفوة والكهنة للتحكم فيه بل علي الشعب أن يدفع بكوادر أمينة تعمل لصالح الشعب والكنيسة والمجلس الملي هو بداية السيطرة على تبرعات الكنيسة وتدفقاتها النقدية ومما لا شك فيه ان هذا المجلس سوف يكون أمامه حرب ضروس يخوضها للإصلاح المالي الحقيقي داخل الكنيسة تلك الحرب التي سوف يصطدم فيها بالبابا والصفوة ضد اعضاء المجلس الجدد ولكن على الرغم من الاحتياج والضرورة لمثل هذا المجلس الا ان ذلك يبدو مستحيلا فبالتأكيد لن يترك البطريرك المجال ليأتي مجلس ملى جديد لا يخضع لسلطانة ضارباً عرض الحائط بمصالح فقراء الشعب وليذهب دافعي العشور و مريديهم الى الجحيم .وعاشت دولة الكهنوت والصفوة فاسدة مستغلة.

تعليقات الفيسبوك

أترك تعليقك