الكاتب الأستاذ طلعت رضوان يكتب :
يـدّعى كثيرون أنّ الدين (هو المعيار الوحيد للأخلاق) فما مدى صحة هذا الزعم ؟ وقد كان من توابع زلزال يناير2011 أنْ سطا الإسلاميون على الحكم بمباركة وتواطؤ المجلس العسكرى والأمريكان، فانتشروا فى الفضائيات والأرضيات وتحوّلوا إلى نجوم ونجمات يبثون أفكارهم السامة المعادية للضمير الحى والعقل الحر، ولتاريخ شعبنا وتراثه المُستمد من حضارة جدودنا المصريين، ومن بين هذا التراث إعلاء قيمة الفنون. لذا عندما هاجم أحد الدعاة الإسلاميين إحدى الفنانات وإتهمها بالفسق والفجور، أقامتْ دعوى قضائية وصدرالحكم لصالحها بحبس الداعية الإسلامى . اختبأ الداعية المذكور فى مكان ما حتى يهرب من تنفيذ الحكم. أى أنه يرفض الامتثال لحكم القضاء. ذكــّرنى موقفه بموقف الفيلسوف اليونانى سقراط (469- 399ق.م) الذى امتثل لحكم المحكمة التى قضتْ بإعدامه.
الفروق والمفارقة بين الداعية الإسلامى والفيلسوف كثيرة منها :
-
الداعية الإسلامى يُـكثر من الاستشهاد بالقرآن والأحاديث النبوية. أى أنه يعتمد فى هجومه على من يختلف معهم بسلاح المرجعية الدينية. فى حين أنّ سقراط لم يكن معه كتاب سماوى ولا كتاب أرضى وإنما كان يعتمد على عقله فقط .
-
الداعية الإسلامى استخدم أسلوب السب والتجريح المُعاقب عليه قانونـًا، بينما سقراط لم يجرح مشاعر خصومة بكلمة واحدة خادشة للحياء.
-
الداعية الإسلامى (فى موضوع الدعوى القضائية) تدخل فى شأن شخصى بحت (هو عمل الفنانة) بينما سقراط كانت قضيته الأساسية هى (تنوير) عقول الشباب، وذلك بتشجيعهم على استخدام عقولهم، والتفكير فى كل ما يُقال لهم، وفحصه ومراجعته، وهل هو مع منطق الواقع ومصلحة الوطن والإنسان أم ضد الوطن والإنسان. واعتمدتْ فلسفته كما ذكرها تلميذه أفلاطون فى محاوراته على وجود ((حقائق عقلية ثابتة يُمكن استنباطها من الحالات الجزئية المُتغيرة. وأنّ الإنسان إذا أدرك بعقله فضيلة ما سلك بمقتضاها)) وأنّ العلم والفضيلة متلازمان. ولهما وجود رغم رفض البعض النظر إليهما.
-
ولأنّ إنارة عقول الشباب أغضب الكهنوت الدينى وأصحاب النفوذ السياسى، تواطؤوا ضد ه فكانت التهمة من شقيْن: الشق السياسى: إفساد عقول الشباب والشق الدينى ازدراء الآلهة اليونانية. والترويج لآلهة أجنبية. خصوصًا الآلهة المصرية. وأنّ الآلهة اليونانية تتمصر. أى أنّ الكهنوت الدينى والنفوذ السياسى مع الأحادية وضد التعددية. مع التحجر ضد الانفتاح على ثقافات الشعوب المختلفة. مع أنْ يكون الشباب اليونانى ضمن منظومة (القطيع) لترسيخ واحدة من آفات تراث التخلف، أى الطاعة المطلقة، التى رفضها سقراط وقاومها فأثارعليه أشرس عدوييْن على مدار التاريخ: ارهاب الكهنوت الدينى وبطش السلطة الحاكمة.
-
الداعية الإسلامى لم يحترم حكم القضاء واختارالهروب إلى أنْ إنقضّتْ عليه الشرطة فى مخبئه مذعورًا مثله مثل أى مجرم يُـفضل الهروب من تنفيذ حكم القضاء، بينما سقراط احترم الحكم من منطلق احترام القانون الذى كان سائدًا آنذاك. والمفارقة فى هذه الجزئية أنّ تلاميذ سقراط هيّأوا له هروبًا آمنـًا من السجن، بعد أنْ دفعوا مبلغـًا ماليًا (جمعوه من كل محبى سقراط) للحراس (رشوة) ثم تكون المفاجأة رفض سقراط الهروب.
-
الداعية الإسلامى تملكته غريزة (الضعف الإنسانى) فخاف من مجرد الحبس، بينما عقوبة سقراط الإعدام، ومع ذلك كان شجاعًا نبيلا ولم يرتعش وهو يشرب السم.
-
الداعية الإسلامى لن يتذكره أحد بعد سنوات قليلة. ولن يهتم المؤرخون بذكر اسمه، وإنْ تذكروا أفعاله فإنهم يضعونها فى حزمة واحدة مع أفعال كل الأصوليين المُعادين للبشر، بينما سقراط الذى عاش قبل ميلاد المسيح، لا يزال اسمه يتردّد على ألسنة الأحرار فى جامعات العالم المتحضر، ويسطع اسمه بوهج التنوير العقلى فى كتب الفلاسفة ودراساتهم ومقالاتهم رغم مرور أكثر من ألفىْ عام على وفاته.
-
الداعية الإسلامى يعتمد على (بضاعة) لفظها التطور التاريخى للعلوم الإنسانية والعلوم الطبيعية. وأنّ التقدم الإنسانى اعتمد على العمل المُنتج المُفيد للإنسان، من خلال الأبحاث العلمية وتطبيقاتها العملية، وهذا لا يتحقق إذا انشغل الناس بالنميمة وهتك الأعراض والخوض فى خصوصيات كل إنسان، بينما سقراط كان يمشى فى الأسواق والملاعب، ويتحدث مع الشباب عن الفضيلة والعدل والتقوى.
-
الداعية الإسلامى رمزللغرور والتعالى على البشر، من خلال فرض الوصاية عليهم، وأنهم يجب أنْ يكونوا متطابقين معه تطابق المثلثات، وهذا إنْ صح فى الهندسة فلا ينطبق على البشر. بينما سقراط (وأغلب الفلاسفة) هو رمز التواضع، فحتى عندما قالت له عرافة معبد (دلفى) أنه ((أحكم اليونان)) فإنه فكــّر فى كلامها ولم ينخدع به. بل قال إنه (جاهل) مثل غيره. ولكنه ((يعلم أنه جاهل وهم لا يعلمون))
-
الداعية الإسلامى حرّض على الفتنة والعنف وإقصاء المختلف، بينما سقراط كان مع السلام الاجتماعى . سقراط (وأغلب الفلاسفة) أناروا طريق البشرية من خلال سلطة العقل وبالتوازى مع رفض (النقل) كما أنّ الفلاسفة (على مر التاريخ) لم يصدرمنهم أى تحريض على قتل المختلفين أو حتى إقصائهم، بينما وقائع التاريخ أكدتْ على التحريضٍ بالقتل من بعض الفقهاء، مثلما حدث مع السهروردى وابن المقفع وعبدالحميد الكاتب إلخ فى العصرالوسيط إلى العصرالحديث بإغتيال فضيلة د. محمد حسين الذهبى وزير الأوقاف الأسبق، ومثلما حدث فى الشرق حدث فى أوروبا بإغتيال كثيرين ومن بينهم حرق الفيلسوف والعالم جوردانو برانو مع مطلع عام 1600بتحريض من القساوسة الرافضين لحق الاختلاف .
إنّ المقارنة بين الداعية الإسلامى وسقراط (وبين الكهنوت فى كل الأديان) والفلاسفة أثبتتْ (على مدار التاريخ) أنّ الدين ليس هو المعيارالوحيد للأخلاق الحميدة والفضيلة والنبل الإنسانى، وإنما المعيارهو عدم التدخل فى شئون الآخرين، واحترام خصوصياتهم حتى يحترموا خصوصيتك. وتمنى الخير لكل البشر، بغض النظر عن دياناتهم ومذاهبهم ولون بشرتهم وجنسياتهم . لذا قال بوذا (الذى لم يدع النبوة) ((إذا قطفتَ ثمرة فاترك بعضها للإنسان العابر وللطيرالمهاجر)) أما كونفوشيوس فقال ((الإنسان الخيّرهو إنسان حكيم بطبعه. والحكيم هو إنسان خيّر بطبعه))
طلعت رضوان
تعليقات الفيسبوك
أترك تعليقك