الكاتب الأستاذ طلعت رضوان يكتب :
أصدرتْ الحكومة التونسية ومجلسها النيابى، قرارًا بمساواة النساء والرجال فى الميراث، استجابة لرغبة الشعب التونسى..وهى الرغبة التى بدأها الليبراليون والعلمانيون والماركسيون..وأعتقد أنّ هذا الإصرارعلى المساواة بين الأنثى والذكرجاء نتيجة الدورالذى أدّاه الزعيم الوطنى الحبيب بورقيبة (أغسطس1903- إبريل2000) مؤسس جمهورية تونس الحديثة (يوليو1957- 1987) وتعرّض للإعتقال من جيش الاحتلال الفرنسى عام1938 أثناء مشاركته فى مظاهرة شعبية، قمعتها الشرطة الفرنسية بوحشية..وبعد مشوارطويل من الكفاح قامت الثورة التونسية عام1952فتـمّ اعتقال بورقيبة والثوارمن زملائه فى الحزب الدستورى الحر..ومنذ ذلك التاريخ ظلّ يتنقل بين سجون تونس وسجون فرنسا، التى بدأتْ فى التفاوض معه، فعاد إلى تونس عام1955، فاستقبله الشعب التونسى استقبال الأبطال..وبدأ حكمه فى25يوليو1957بعد خلع الملك..وإعلان الجمهورية.
قام زين العابدين بن على بحركة انقلابية (بحجة أنّ بورقية مريض وصحته لاتسمح له بقيادة تونس) وذلك فى نوفمبر1987..وكان وصول زين العابدين إلى حكم تونس كارثة حلــّـتْ على الشعب التونسى، بمراعاة خلفيته العسكرية، حيث حصل على دبلوم المدرسة العسكرية من (سان سير) ثم من مدرسة المدفعية فى (شالون سيرمارن) بفرنسا..وأرسله حماه الجنرال (كافى) فى بعثة إلى المدرسة العسكرية العليا للاستخبارات والأمن فى بلتيموربالولايات المتحدة الأمريكية. وبعدها انتقل إلى (مدرسة المدفعية الميدانية) بولاية تكساس الأمريكية..وهكذا جهــّـزته الإدارة الأمريكية، ليحكم الشعب التونسى بالمعتقلات والعنف وسطوة الحديد والنار، فتـمّ تعيينه المسئول عن (الأمن) العسكرى التونسى لمدة عشرسنوات..وبعدها خدم فترة قصيرة كملحق عسكرى فى المغرب وإسبانيا، ثـمّ المسئول عن الأمن (الوطنى) عام1977..وظلّ يتنقل فى الوظائف القيادية، إلى أنْ نجح فى انقلابه ضد بورقيبة.
وبعد اندلاع الثورة التونسية فى ديسمبر2010هرب زين العابدين إلى فرنسا التى رفض حكامها استقباله، فلجأ إلى السعودية التى رحــّـبتْ به، باعتباره أحد رموزالحــُـكام الطغاة المُـستبدين..وكان ذلك فى14يناير2011.
***
أعتتقد أنّ أبناء الشعب التونسى (خاصة الذين عاصروا فترة حكم بورقيبة وفترة حكم زين العابدين) كان لديهم الوعى بالفرق بين العهديْن..وبصفة خاصة فيما يتعلق ببناء دولة عصرية حديثة فى عهد بورقيبة..وبين دولة جمع نظامها بين الحكم العسكرى/ الدينى..كما فى معظم تجارب الانقلابات العسكرية فى القرن العشرين..وكان على رأس الانجازات التحديثية فى عهد بورقيبة: إلغاء تعدد الزوجات..وأنّ الطلاق لايكون بالإرادة المنفردة للزوج..وإنما من خلال سلطة القاضى، أى الاحتكام إلى القانون المدنى..وهوما يعنى تأسيس (دولة القانون) ورفع بورقيبة سن زواج الإناث إلى17سنة والذكورإلى20سنة..وأصدرقونونــًـا يسمح للمواطن التونسى (بتبى الأطفال) وقانونــًـا آخريسمح للمرأة بالإجهاض..ورأى بورقيبة أهمية إعفاء العمال العاملين فى الأعمال البدنية الشاقة من الصيام، لأنّ صيامهم سيؤثرعلى انتاجيتهم. وفى عام1962منع الصيام..واقترح أنْ يؤدى المفطرون الأيام التى عليهم فى إجازاتهم.وهم فى بيوتهم ولايـُـعانون من مشقة العمل..وحاول إقناع التونسيين بالكف عن الذهاب إلى السعودية لأداء فريضة الحج، نظرًا لإهدارالعملة الصعبة، التى يحتاجها النموالاقتصادى..وشجــّـهم على التبرك بالأولياء كأبى زمعة البلوى وأبى لبابة الأنصارى، بدلامن الحج..وذلك فى الخطاب الذى ألقاه فى صفاقس يوم29 إبريل1964..وفى عام1981 أصدرالقانون الذى أخذ اسم (المنشور108) الذى نصّ على منع النساء من تغطية رؤوسهنّ بما عـُـرف باسم الحجاب..وذكرأنّ هذا الحجاب يـُـرسخ للتمييزالطائفى..ولايتلاءم أويتناسب مع روح العصرالحديث. وظهربورقيبة فى التليفزيون وهويخاطب المرأة قائلا: انظرى إلى الدنيا وأنت بدون حجاب.
قضى بورقيبة على مؤسسة دينية شهيرة..وكانت قد بدأتْ تكتسب شعبية بين بعض الشباب التونسى اسمها (المؤسسة الزيتونية الإسلامية) التى كانت مدعومة من عدة دول إسلامية..ومن الأنظمة التى ردّدتْ (شعارات القومية العربية) وعلى رأسها نظام عبدالناصر.
وبالرغم من وفاة بورقيبة فى عام2000، إذا بالشعب التونسى يتذكــّـرأفضاله في تحديث تونس..والخروج من عصورالظلم والظلمات، العصورالتى كانت أقرب لعصرالكهوف..وذلك بمراعاة الصعوبات والعقبات التى وُضعتْ فى طريقه لتحديث تونس، سواء من الدول الكبرى مثل الولايات المتحدة الأمريكية، أومن الدول العربية والإسلامية، التى اتهمته بمعاداة الإسلام، لأنه خالف الكثيرمن تشريعاته وأحكامه الخاصة بتمييزالرجل على المرأة، مثل تعدد الزوجات، والتفرقة فى الميراث..وحقه فى الطلاق بإرادة منفردة (كأنّ الزوجة مجرد قطعة أثاث فى المنزل، لارأى لها) وحق التبنى..إلى آخرما حاوله بورقيبة فى هذا المجال..وبالرغم من كثرة أعدائه من العروبيين والإسلاميين، فإنه لم يستسلم لهم..وظلّ على معتقداته ولم يتخلّ عنها..ولعلّ هذا الإصراروالثبات على المبدأ..كان الحافزالذى جعل الشعب التونسى ينجح فى إصدارالقانون الأخيربمساواة النساء بالرجال فى الميراث.
طلعت رضوان
تعليقات الفيسبوك
أترك تعليقك