الدكتورة مرفت النمر تكتب :
لم يعد ممكناً أو مقبولاً السكوت على تصرفات وتصريحات البابا تواضروس الثانى فالمشكلة الحقيقة مع قداسته ليست تصريحاً غير دقيق هنا أو مقوله يلقيها هناك ليتلقف تلك التصريحات حملة مباخره وضاربي دفوفه وقارعي صاجاته والترويج بأن قداسته يقود ثورة الاصلاح داخل الكنيسة وحقيقة الامر ان قداسته بعد وضعه على محك التجربة اتضح لكل ذى عقل وعينين أنه لا يتمتع بمقومات الشخصية القياديه أو الاصلاحية فهو أضعف من هذا بكثير وهو ما جعل قداسته يقلب فى أيدولوجيات الكنيسة لعله يجد مخرجاً لحالة التضييق التى يفرضها عليه الحرس القديم بالكاتدرائية والتي لا يستطيع قداسته الفكاك منها بل لعل دائرة التضييق هذه تزيد أحكاماً ولقد تفتق ذهن قداسته بعد التقليب فى أدبيات الكنيسة والآباء على انتهاج سلوك الارهاب الدينى والقمع الروحى ويخطئ من يظن ان الارهاب لا اصول ولا جذور له فى المسيحية وخاصة الارثوذكسية فالمسيحية ليست عقيدة “مَنْ لَطَمَكَ عَلَى خَدِّكَ الأَيْمَنِ فَحَوِّلْ لَهُ الآخَرَ أَيْضًا” فهذا ما قاله السيد المسيح ولكن آباء الكنيسة كان لهم رأى آخر يحول عقيدة المحبة المطلقة إلى عقيدة العنف المطلق وهو ما قرر قداسة البابا أن ينتهجه ووجد ضالته المنشودة عند القديس أغسطينوس أحد أشهر آباء الكنيسة و قرارات المجمع المقدس والتي شملت منع كتب الدكتور جورج حبيب بباوى أحد عمالقة اللاهوت الارثوذكس فى العالم من التداول داخل الكنيسة وإصراره على قمع متضررى الاحوال الشخصية الاقباط إلا واقتبس من منهج أغسطينوس فى الارهاب الروحى الذى يصل الى حد العنف والايذاء البدنى والاكراه على الاذعان لسلطة الكنيسة “بالسيف” وهو ما نناقشه في مقالنا اليوم. من هو أغسطينوس؟ القديس أغسطينوس (13 نوفمبر 354 – 28 أغسطس 430) كاتب وفيلسوف من أصل نوميدي-لاتيني ولد في طاغاست (حاليا سوق أهراس، الجزائر) و يعد أحد أهم الشخصيات المؤثرة في المسيحية الغربية وتعتبره الكنيستان الكاثوليكية والأنغليكانية قديسا وأحد آباء الكنيسة البارزين وشفيع المسلك الرهباني الأغسطيني. يعتبره العديد من البروتستانت، وخاصة الكالفنيون أحد المنابع اللاهوتية لتعاليم الإصلاح البروتستانتي وتعتبره الكنيسة القبطية الأرثوذكسية قديسا. تلقّى تعليمه في روما وتعمّد في ميلانو ورغم نشأته المسيحية فإنه ترك الكنيسة وفي شبابه عاش أغسطينوس حياة استمتاعيه وفي قرطاج كانت له علاقة مع امرأة كانت خليلته لمدة 15 عاما و ولدت له ابنا حمل اسم أديودادتوس و كان تعليم القديس في موضوعي الفلسفة وعلم البيان (علم الإقناع والخطابة). تغيرت حياته بعد لقاء أمبروسيوس أسقف ميلانو وأعجب أغسطينوس بشخصيته وبلاغته وتأثر من عظاته إلا أنه لم يعتنق المسيحية فورا بل جرّب عدة مذاهب وأصبح متحمسا للأفلاطونية المحدثة والتى تنادى بالتعايش بين الفلسفة والدين من جانب وعلوم العقل وعلوم السحر والتنجيم والعرافة من جانب آخر كما أن الألوهية لا يمكن الوصول إليها عن طريق العقل وإنما يمكن الوصول إليها عن طريق المعرفة بعد القضاء على نوازع الجسم المادي والتطهير سواء كان هذا التطهير بالرغبة او الاجبار و بعد قراءته سيرة القديس أنطونيوس مؤسس الرهبنة فى العالم قرر اعتناق المسيحية، ترك علم البيان ودخل في سلك الكهنوت وأصبح واعظا شهيرا وقد عُرِفت عنه محاربته للمذاهب المسيحية التي كان قد اعتنقها في الماضي وشن ضدها حروباً استعان فيها بالسلطة فى ذلك الوقت. يعتبر منهج أغسطينوس اللاهوتى تجسيدا حيا فى التطرف و التفسير الحرفى لآيات الإنجيل , فقد قام بفلسفة وتفسير أقوال السيد المسيح وفق رؤيته واخراجها من مضمونها الروحى والرمزى لتصبح تكأة يمارس بها ارهابه ضد الطوائف المسيحية الاخرى , فالإكراه الديني مرتبط ارتباطا وثيقا بما يعرف بالحرب العادلة عند أوغسطينوس الذي يرى أن استخدام العنف مبرر في عدة حالات، وهي عند تنفيذ أوامر الرب، أو إذا اقتضاه العقد الاجتماعي، ويجب أن يكون الهدف من استخدام العنف المحبة فلقد أتخذ من قول المسيح ” أَمَّا أَعْدَائِي، أُولئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِيدُوا أَنْ أَمْلِكَ عَلَيْهِمْ، فَأْتُوا بِهِمْ إِلَى هُنَا وَاذْبَحُوهُمْ قُدَّامِي”( إنجيل لوقا 19: 27) منطلقاً لمنهجه فيقول فى كتابه
” THE CORRECTION OF THE DONATISTS”
( لماذا إذن لا تستخدم الكنيسة العنف لإكراه الخراف الضالة إلي العودة وتستخدم قوانين الدولة لتحطيمهم، هذه القوانين تبدو ضدهم ولكن في الحقيقة هي لصالحهم ” أي لإنقاذهم” فقد نسمع من الذين تم إكراههم بالقوانين وبعد أن عادوا إلي رشدهم يباركون أنفسهم لأن هذه القوانين عملت لصالحهم، ويشجعوننا علي الاستمرار علي الإكراه كي ينال أصدقائهم الخلاص. الاكراه على الدين والقتل محبة يستكمل أغسطينوس في تبرير منهج العنف والقتل لاستتابة الغير مؤمنين فيقول: ” الكنيسة في استخدامها للعنف لإكراه الناس علي الدين تمثل الأب الحنون والطبيب الماهر فالأب يقسو على ابنه لتقويمه والطبيب احيانا يقوم بالبتر ويسبب الآلام للمريض لعلاجه والاثنان يقومان بذلك وقلباهما عامران بالمحبة ! ولكن إذا تجاهل الأب والطبيب دورهما فإن ما يظهر لنا كالرحمة هي القسوة بعينها وهكذا تفعل الكنيسة .. ليس كل متسامح صديق ولا كل من يضرب بالسيف عدو ، ان ضربات الصديق خير من قبلات المخادع وهل هناك من هو أكثر محبة من الله؟ ولكن الله لا يرشدنا بلطف فقط، بل يوقظنا رهبا، ويبتلي الأتقياء بالجوع فالكنيسة تضطهد الآخر بروح المحبة من أجل تقويمهم ومن أجل رجوعهم عن الشر ان الكنيسة تضطهد الآخرين وتقبض عليهم حتى تخور قوتهم الفكرية الباطلة فيتفكرون في الحق ويتقدمون فيه لكنهم يقابلون جميلنا بشرهم إذ نحن نسعى إلي مصلحتهم وضمان حياتهم الأبدية هي رحمة عظيمة من جانبنا عندما ننقذهم ضد رغبتهم بقوة القانون ونخلصهم من التعاليم الشيطانية وفيما بعد نجلهم كاملين في الكنيسة الجامعة إذ يعتادون بعدها علي الإيمان الصحيح ويقتدون بالمؤمنين وكثيرا من المجبرين حاليا نعجب بإيمانهم القوي وهم يشكرون الله أنهم تركوا طريقتهم القديمة و هؤلاء لما كان ممكنا أن يؤمنوا لولا أننا قطعناهم من رابطتهم القديمة ضد رغبتهم فمن إذا لديه من الجنون ما يمكنه الإنكار علينا مساعدة هؤلاء لينالوا الخلاص بينما زعمائهم نالهم الرعب من قوانين الدولة وبعض زعمائهم أيضا استقاموا رعبا صحيح أرعبتهم الكنيسة، حتى لو فشلت التجربة ولكن أرعبتهم لهدف سامي ألا وهو الحب .
د/مرفت النمر
تعليقات الفيسبوك
أترك تعليقك