الأمثال الشعبية مدخل لفهم الشخصية القومية

90

الكاتب الأستاذ طلعت رضوان يكتب :

    أعتقد أنّ الإبداع الشعبى مجهول المؤلف من أمثال ومواويل إلخ مدخل لاغنى عنه لفهم الشخصية القومية لأى شعب. ازداد يقينى بهذا الاعتقاد بعد قراءتى لكتاب د. عزة عزت (الشخصية المصرية فى الأمثال الشعبية) كتاب الهلال- سبتمبر97. فى محورلم يلتفتْ إليه كثيرون رصدتْ علاقة التشابه بين الأمثال فى مصرالقديمة والمعاصرة ، كدليل على أنّ الثقافة القومية ثقافة إتصال لا إنقطاع ، فالحكيم بتّاح/ حتب يقول ((إقض اليوم فى سعادة. إنّ أحدًا لم يأخذ متاعه معه فى رحلة الموت)) وبعد آلاف السنين يقول حفيده المعاصر(الكفن مالوش جيوب) ومن الأمثال القديمة (لاتجعل لنفسك صورتيْن) يقابله الآن (ماتبقاش بوشين) وفى مصرالقديمة نقرأ (إفعل الخيروإرمه للبحر) والحفيد المعاصريقول (إعمل الخيروإرميه فى البحر) ونقلتْ من العصر الوسيط الأمثال التى لها إمتداد فى الحاضرمثل الأمثال المرتبطة بالشهورالمصرية (توت- بابه إلخ) والتى يحفظها الفلاحون الأميون لعلاقتها بالزراعة. وترى د. عزة أنّ الأمثال المصرية فيها ((كناية بليغة)) مثل (قاعد زى قرد قاطع) و(شرابة خرج) و(قاعد زى الشيخ اللى إنقطع ندره) و(فنجرى بق) و(طمعنجى بنى له بيت. فلسنجى قعد له فيه) وأحيانًا يكون الإعجاز البلاغى بكلمة واحدة مثل هلفوت. دُهُل. خرنج. لطخ. نتــّاش. مهياص. تماحيك. تلاكيك إلخ .

الأمثال الشعبية والنقد الاجتماعى

    فى إبداع بلاغى صاغ الأميون رؤيتهم لواقعهم فقالوا (عمايم على روس بهايم) و(زى الطبل. صوت عالى وجوف خالى) و(مين دارى بيك يااللى فى الضلمه بتغمز) و(يعرى..(= مؤخرته) للدبان ويقول دا قضا الرحمن) و(جبناكى ياحكومه تحمينا.. حمّيتى الناروكويتينا) و(ضلالى وعامل إمام) و(يحجج الجمل والبردعه. يروح بذنب وييجى بأربعه) وأنّ تدين الأميين لم يمنعهم من إبداع المثل الشهير(اللى عاوزه البيت يحرم على الجامع) وأكمله بآخر(لقمه فى بطن جعان أحسن من بناية جامع) رغم اعتقاد المصرى أنّ التبرع للجامع يعنى أنه يشترى قصرًا فى الجنة. ويُحذرالمثل من النميمة فيقول (زى مايقول لك يقول عليك) وعن الكرم المصرى (لقمه هنيه تكفى ميه) و(جحرديب يساع ميت حبيب) وبلاغة الصياغة تمتزج بالحس الإنسانى فى (حسدوا الغجرعلى ضل الشجر) والأمى عندما يعجب بالإبداع الإنسانى يقول (تفانينو عجب) ولم ينخدع بالتدين الشكلى فقال (بُق يسبّح وإيد بتدبح) وفى نقد الغرورقال (يادوده تتمطعى تتقطعى) وعن تعدد الزوجات صاغ الإبداع الشعبى رؤيته : (جوزالاتنين قفا بين كفين) و(عقربتين على الحيط ولاستتين فى البيت) وعن الأحمق- حسن النية- ((مستنى السمنه من.. (مؤخرة) النمله)) (262).  

الثقافة القومية واختلاف الشعوب

    امتلكت د. عزة شجاعة الاختلاف مع الثقافة السائدة التى ترى أننا نحن المصريين عرب فكتبتْ ((هناك صفات متميزة للشعب المصرى ينفرد بها دون غيره من الشعوب)) ونقلتْ عن د. سيد عويس أنّ المجتمع المصرى ((فريد متميز عمن حوله. وهو أصل حضارة الإنسان منذ وُجد. وهو مجتمع لم يفن ولم تتغيرخريطته رغم الحكام وسنوات القهر. وهو يُقدّس الأم ويُقدّس بيته)) .

      ولأنّ الباحثة تحترم لغة العلم كتبتْ ((أنّ (الفتح) العربى لم يطمس الشخصية المصرية  بل ظللها ببعض السمات الدخيلة عليها ، وإلاّ ما استشعرنا اختلافًا وتباينًا واضحًا بين المصريين والعرب)) ومن خلال دراستها لعرب الخليج كتبتْ ((إتضح لى أنّ فارقــًا كبيرًا (يفصل) بين المصريين والعرب. وأنّ أسلوب الفخر والتباهى على الآخرين نمط سلوك عربى . وأنّ المصرى كان محبًا للعمل الجماعى ومبدعًا فيه ، وإلاّ ما ترك لنا آثارًا عظيمة. والمصرى بنّاء. شارك بروح الجماعة فى العمارة والأعمال الفنية الجماعية مثل فنون المسرح والسينما والأوبريت)) وعن عدم التعاون (فى السنوات الأخيرة) ترى أنها سمات عربية وليست مصرية. فالمصرى من واقع تحليل أمثاله  متعاون ، لكن فى العقود الأخيرة عندما هاجر المصرى إلى بلاد العرب ، فقد تأثرتْ طبيعته- إلى حد ما- بالطابع العربى ، ولكنه لم يلغ حبه للتعاون)) (من 423- 427) .

الفرق بين المثل المصرى والعربى

    تـُعتبرالأمثال الشعبية من بين أدلة اختلاف الشعوب ، حتى عندما يكون المعنى واحدًا ، لأنّ (الشخصية القومية) لكل شعب تـُعبرعنها الصياغة والوجدان والبيئة لا الألفاظ ، وهذا ما ميّز بحث د. عزة حيث ذكرتْ أمثلة لأمثال عربية وقارنتها بالأمثال الشعبية المصرية. يقول العربى (ترى الفتيان كالنخل وما يدريك ما الدخل) وهو هنا يقصد الداخل ولكنها عقدة القافية التى جعلت الكلمة لاتـُؤدى وظيفتها ، بينما المصرى يرسم صورة مغايرة تمامًا فيقول : (من برا هلا هلا ومن جوا يعلم الله) ويقول العربى : (حسبك من الشر سماعه) إزاء هذا السكون ، تجد الحركة فى المثل المصرى : (إبعد عن الشر وغنى له) ويقول العربى : (من نام لا يشعر بشجوالأرق) أما المصرى فيرسم صورة ملموسة (اللى إيده فى الميه موش زى اللى إيده فى النار) ويقول العربى : (قَلَبَ له ظهرالمجن) وهو مثل يستحيل على غالبية المصريين المتعلمين فهمه ناهيك عن الأميين ، بينما المثل المصرى يدخل إلى العقل مباشرة : (ورّاه الوش التانى) ويقول العربى : (حسبه صيدًا فكان قيدًا) أما المصرى فيُصيغه فى حركة مجسدة : (تيجى تصيده يصيدك) ويقول العربى : (بشّرمال الشحيح بحادث أو وارث) وهو مثل يُعبر عن عجزالصياغة العربية لأنّ البشرى تكون للمناسبات السعيدة . كما أنها تـُوجّه للبشرلا للمادة . أما المثل المصرى فهو أكثر دقة وبنصف كلمات العربى :  (مال الكنزى للنزهى) ويقول العربى : (أنَمّ من زجاجة على ما فيها) هنا نجد استاتيكية بالاضافة إلى أنّ الزجاجة قد تكون معتمة وليست شفافة ، بينما المثل المصرى أدق وأبسط : (اللى فى قلبه على لسانه) ويقول العربى  (علىّ أنْ أسعى وليس علىّ إدراك النجاح) نفس المعنى صاغه الخيال المصرى فى صورة مجسدة ومختلفة : (هوّ أنا مغسّل وضامن جنه) (من 440- 443) وذكرتْ د. عزة أنّ المثل الشائع (أنا ومن بعدى الطوفان) الذى يُصنّفه كثيرون ضمن الأمثال المصرية ، هومثل عربى ونصه ((أنا ثم الطوفان)) (ص 387) ونقلتْ عن العالم الكبير سليم حسن ((تدل نتيجة البحوث التى قام بها علماء الآثار فى تاريخ العالم القديم أنّ مصر كان لها قصب السبق فى الانتاج الأدبى . وإنّ بابل وأشور لم تتركا شيئًا يستحق الذكر نسبيًا فى هذا المضمار)) .  

    وعن ظاهرة الشعور العدوانى ترى أنها ((سمة عربية حيث لم يثبت من تحليل المثل المصرى أنها سمة مصرية. فالمصرى ميّال للتسامح . أما الميول العدوانية ، فهى مؤقتة وعربية وليست مصرية ، لأنّ الشعب المصرى كان يُعبر عن سخطه بالسخرية والنكتة اللاذعة وبالشجن ، مثل التصوف أو التدين المبالغ فيه أو بالمجون والتحامق وليس بالعنف . حتى إذا أحبّ حاكمًا مثل عبد الناصر فإنّ الأمر لم يخل من نكت (جمع نكتة وهى صحيحة لغويًا) ساخرة منه ومن عصره. وأنّ الارهاب والتطرف الدينى مظاهر دخيلة على الشخصية المصرية. إنّ ما ذكرته الباحثة يتسق مع ما ذكره علماء علم المصريات عن الحضارة المصرية ، وفى هذا السياق كتب العالم الألمانى أدولف إرمان (( لم يتعطش المصريون نحو الأخذ بالثأر كما كانت الحال فى الشعوب الأخرى ، ولذلك بقيت هذه العادة غريبة عنهم . ولم يكن لديهم كلمة صريحة يُعبّرون بها فى لغتهم عن هذا الشعوربالثأر. ومن أجل هذا بقيتْ ديانتهم خلوًا من الطقوس المخيفة التى تحيد بالديانات الأخرى عن الطريق المعتدل . ولم يكن فيها مكان لآلهة ظمأى نحو الدماء ولا طقوس تـُسرف فى الشرور  والشراهة)) (ديانة مصرالقديمة- ترجمة د.عبدالمنعم أبوبكرود. محمد أنورشكرى- مكتبة الأسرة  97 ص 11) وإذا كان إحتلال العرب لمصر محطة رئيسية (وهى صحيحة لغويًا وليست رئيسة) تتوقف أمامها الثقافة السائدة كدليل على أننا نحن المصريين عرب ، فإنّ د. عزة ترى أنّ ما حدث مجرد إحتكاك ولكن ((ليس خلق للشخصية المصرية الأصيلة والمتفردة والعبقرية. وأنّ مصركما ذكر كثيرون لا تذوب فى الآخرين . ولكن الآخرين هم من يذوبون وينصهرون فى بوتقتها . فهى تـُؤثر أكثر مما تتأثر، وهذا سرها ولغزها)) (من 427- 446) .

طلعت رضوان

تعليقات الفيسبوك

أترك تعليقك