الكاتب الأستاذ طلعت رضوان يكتب :
فى الأنظمة الاجتماعية والسياسية التى تؤمن بأهمية الدفاع عن الشخصية القومية وعن مجمل الخصوصية الثقافية، ينتشرفيها ظاهرة العناية بإختيارأسماء الأطفال، لتكون تلك الأسماء معبرة عن الانتماء للثقافة القومية..وأسماء البشرفى كل مجتمع، تستطيع مساعدة الباحث فى علم الاجتماع على تفسيربعض الظواهرالاجتماعية والثقافية..وفى كتابها (أسماء المصريين) تناولتْ د.سامية الساعاتى موضوعًا قلـّما التفتَ إليه علماء الاجتماع..والكتاب مهم لسببيْن: الأول أنّ أسماء الأشخاص تعكس الأبعاد الاجتماعية والثقافية لشعب ما وبالتالى فإنّ دراستها تـُساعد الباحث فى التعرف على الثوابت والمُتغيرات وما تنطوى عليه منظومة القيم لهذا الشعب. الثانى أنّ البحث فى أسماء المصريين له أهميته الفريدة حيث التاريخ الحضارى..وبالتالى يكون من المهم التعرف على أسباب التغيرات التى طرأتْ على أسماء المصريين من حقبة تاريخية إلى حقبة أخرى.
قسّمتْ الباحثة الأسماء إلى أكثرمن مستوى: أسماء لها ارتباط بالحضارة المصرية. أوباعتناق المسيحية ثم الإسلام..وأنّ أسماء المسيحيين يمكن تقسيمها إلى ثلاثة أقسام: أسماء مُستمدة من مصرالقديمة..وأسماء من الأناجيل وأسماء شخصيات من الغزاة اليونان..وذكرتْ أنّ ((معظم الأسماء العربية والتركية والأجنبية أتتْ عن طريق الغزو)) ورصدتْ ظاهرة اختيارأسماء الزعماء مثل سعد زغلول ومصطفى النحاس، أوتملق الحكام مثل فؤاد وفاروق وجمال عبد الناصر..وذكرتْ الأسماء الفولكلورية مثل أدهم وبهية وناعسة.
وفى الجزء الميدانى أشارتْ إلى أنّ الأسماء الدينية فى المدينة أكثرمنها فى القرى..وهذا هوالفرق بين المُـتعلمين والأميين الذين يُحافظون على الشخصية القومية أكثرمن المتعلمين.
ورغم أهمية هذا الكتاب فإننى أبدى الملاحظات التالية:
ذكرتْ الباحثة أنّ شيوع الأسماء الدينية فى مصردليل على التدين..وهذا تعميم لأنّ السبب وراء الأسماء الدينية جزء منه وجدانى والجزء الآخربراجماتى (نفعى) ولاعلاقة له بالتدين. وعلى سبيل المثال فإنّ رموزالجماعات الإسلامية يرون فى أنفسهم القدوة للمؤمن الحق وعلى المجتمع أنْ يتبع طريقهم فى الجهاد ضد الحداثة وضد حرية الاعتقاد وضد كل انجازات البشرية عبْرآلاف السنين، لأنها بدعة وكل بدعة ضلالة إلخ والعكس صحيح فإنّ الأسماء الحيادية والمشتركة (زهرة، خضرة، رأفت، عفت إلخ) يصعب تحديد ديانة الشخص ومع ذلك يتميّزون بالورع الشديد..وأنّ تعاملاتهم الاجتماعية مع الغيرأفضل كثيرًا من الذين يحملون أسماءً دينية، ولاهدف لهم غيرتكفيرالمجتمع وإهداردم كل مختلف معهم..وأشارتْ إلى انتشارالأسماء المؤكدة على عبودية المخلوق للخالق فى التراث العربى مثل عبد الله وعبد الحق إلخ وغاب عنها أنّ علم الاجتماع لايكتفى برصد الظاهرة وإنما يهتم بتحليل المسكوت عنه، فكان يجب البحث فى أسباب إقبال شعبنا على أسماء معينة من بين أسماء الله الحسنى..والإقبال النسبى والضئيل لبعض الأسماء، مثل عبد المُهيمن وعبد الجبار، ثم تحليل أسباب الانصراف عن بعض الأسماء، أى لماذا لانجد أسماء مثل: عبد المُذل أوعبد الخافض أوعبد المتين أوعبد القابض أوعبد الرقيب إلخ؟
وذكرتْ أنّ هناك إتجاهًا متزايدًا بين المسيحيين نحواختيارأسماء محايدة دينيًا، فيُسمون أبناءهم ((أسماء عربية يستخدمها المسلمون)) وأنا أختلف مع هذا التفسيرلأنه لايوجد بين المسيحيين اسم عمرأوعائشة. أما الأسماء المُشتركة مثل إبراهيم وإسحق وموسى إلخ فهى ذات صبغة دينية تجمع بين اليهودية والمسيحية والإسلام..وبالتالى فهى ليستْ حيادية، بمراعاة أنّ الأسماء الحيادية هى التى يصعب على أى إنسان أنْ يستخلص منها أى انتماء دينى أوعرقى مثل مجدى، ماهر، باهر، أمل، أمال، أحلام، بهيج، بهيجة، سامى، سامية، عفاف، جمالات إلخ.
***
انتشرتْ بين شعبنا ظاهرة إدخال بعض التغييرات على الأسماء العربية فيصيرمحمد (محمدين) وحسن (حسنين) واكتفتْ الباحثة فى رصدها لهذه الظاهرة بأنْ كتبتْ ((تنتشرفى الثقافة المصرية عادة تضعيف أسماء معينة ربما لتأكيد صفة معينة أولزيادة البركة فى الأسماء الدينية)) وأرى أنّ أهم تفسيرلهذه الظاهرة هوحرص شعبنا على التميز، وهوالهدف من إحداث التغييرعلى الأسماء العربية. لأنه إذا كانت المسألة لتأكيد صفة معينة أولزيادة البركة، فلماذا لا توجد ظاهرة تضعيف الأسماء فى الجزيرة العربية؟ فلا تجد اسم (محمدين) ولا(حسنين) ولماذا تميّزشعبنا بإبداعها؟
ورصدتْ الباحثة ظاهرة أخرى فى التغييرات التى أدخلها شعبنا على الأسماء العربية، مثل اسم زينب الذى صار(زنوبه) و(زوبه) فى الريف ثم تحوّل إلى (زيزى) فى الحضر. واسم عائشة صار(عيوشه) فى الريف ثم تحوّل إلى (شوشو) فى الحضر..واسم خديجة تحوّرإلى (خدوجه) فى الريف وإلى (جيجى) فى الحضر..فى هذا الرصد المهم اكتفتْ الباحثة بأنْ صنـّـفتْ هذه التحولات فى الأسماء العربية على أنها أسماء تدليل (= دلع) وهذا صحيح لكن الظاهرة تحمل فى طياتها الرغبة فى التميزبجانب التدليل..كما أنّ ظاهرة التدليل ترجع جذورها إلى مصر القديمة.. وهوما لفتَ انتباه د.نعمات فؤاد فكتبتْ (لقد جمع المصرى من صفات النهرالكثي: النهر يتجدّد كل سنة، فحلم بالخلود: حياة أخرى مُتجددة..والنهرله صفتان..وكل مصرى له اسمان: اسمه واسم التدليل..والمصرى له حياتان: الحياة الدنيوية والحياة الأخرى..وروحان: الروح والقرين) وهوما غاب عن د.ساميه الساعاتى.
***
فى سطرونصف أشارتْ الباحثة إلى تسمية الشخص نسبة إلى القرية أوالمدينة التى وُلد فيها مثل سيد طنطاوى (نسبة إلى طنطا) بطرس الأسيوطى (نسبة إلى أسيوط) إلخ وأرى أنّ هذه الصياغة العابرة بشأن ارتباط شعبنا بالأرض تـُمثل تقصيرًا بارزًا فى بحث يتناول (الأصول والدلالات) كما ذكرتْ الباحثة فى عنوان كتابها. ذلك أنّ ظاهرة نسبة اسم الشخص إلى مكان ولادته ترجع إلى مصرالقديمة، أى أنّ الظاهرة لها امتداد تاريخى، الذى نشأ عنه تميزالاتصال الحضارى وليس الانقطاع كما حدث مع شعوب أخرى..وذكر الراحل الجليل بيومى قنديل أنّ اسم الفرعون العظيم (حور- إم- حِبْ) وفقـًا للمورفيم المُقابل فى اللغة المصرية القديمة يعنى (حو= صقر(الإله) إم = بتاع، حِبْ = مختصراسم المدينة التى ينتسب إليها على وجه الترجيح فى جنوب مصروهى حبنو..وبالتالى يكون الاسم قد باح بمعناه فى رسمه أوقرّبه منا على أقل تقدير، فالاسم هنا ينسب الشخص إلى المكان مثلما تفعل سائرالشعوب المُستقرة، لذلك استمرالمصريون يُسمون (شرقاوى) و(إسناوى) و(طهطاوى) و(بشمورى) إلخ))
وذكرتْ الباحثة أنّ من بين أسماء المصريين المسيحيين الأكثرشيوعًا فى العصرالحديث اسم (جرجس) وهذا الاسم بالذات كان يحتاج منها إلى تحليل خاص، لأننا لوحذفنا الحرف الأخير(S حرف تنوين يونانى) يكون الاسم (جرجا) وبالتالى يكون جرجس (بتاع جرجا) مثل الفيومى (بتاع الفيوم) والدمياطى (بتاع دمياط) وخصوصية الأرض فى اسم جرجس تتضح من أنه اسم مشترك بين المسيحيين والمسلمين الذين سموا أولادهم (محمد الجرجاوى) و(بشاى الجرجاوى) وبالتالى يكون اسم جرجس اسمًا مصريًا خالصًا نسبة إلى جرجا.
وذكرتْ الباحثة نقلاعن أ.أحمد أمين أنّ للفلاحين والطبقة الوسطى من القاهريين أسماء غريبة مثل (ست الكل) و(ست الدار) و(ست أبوها) ولكن بالرجوع إلى علماء علم المصريات نجد أنّ لهذه الأسماء إمتداد تاريخى، الأمرالذى يؤكد الاتصال الحضارى، فمثلا اسم (نفتيس- أخت إيزيس) هو التصحيف اليونانى للاسم المصرى (نِبتْ- حوت) ومعناه (سيدة البيت) أى أنّ الفلاحين المصريين الذين يُسمون بناتهم فى العصرالحديث (ست الدار) لا يستخدمون الغريب من الأسماء ، وإنما يفعلون ما كان يفعله جدودنا منذ آلاف السنين. وكانت الباحثة موفقة عندما ذكرتْ اسمًا شائعًا بين المصريين المسيحيين (بشاى) المُستمد من اللغة القبطية وترجمته إلى العربية (عيد) أى أنّ شعبنا (مسلمين ومسيحيين) إتفق على ذات المعنى ولكن بلغتيْن مختلفتيْن . وهناك أمثلة أخرى لم تـُشر الباحثة إليها مثل (أوناس) الشهير فى الحضارة المصرية وصار فى العصر الحديث (ونيس) وكانت موفقة فى الإشارة إلى ظاهرة أخرى وهى نسبة الإنسان إلى مهنة مُعينة مثل الحدّاد، النجار، الفلاح، الزارع إلخ وأيضًا الإشارة إلى الأسماء التى ترمز إلى الطبيعة مثل : شمس ، قمر، أو إلى الكائنات الحية مثل زهرة ، ياسمين إلخ .
ولكن الباحثة أغفلتْ التعرض للعديد من الظواهر مثل انتشار ظاهرة التماثل فى أسماء شعبنا بين الإناث والذكور: (سيد/ سيده) و(فتحى/ فتحيه) و(على/ عليه) و(سمير/سميره) و(سعيد/ سعيده وسعديه) و(عادل/ عدليه) و(حمدى/ حمديه) و(رأفت/ رئيفه) و(شكرى/ شكريه) إلخ وأهمية هذه الظاهرة تدل على أنّ جدودنا كانوا يؤمنون بالمساواة بين البنت والولد وأنّ الفروق البيولوجية لا تـُبرّر التفرقة فى المعاملة بينهما . بل إنّ جدودنا أبدعوا أسماءً تشترك فيها البنت والولد مثل: رضا ، أمل ، إحسان ، وفاء إلخ بل إنّ هذه الظاهرة لها جذور تعود إلى مصر القديمة ، فنجد هذا التماثل فى أسماء الآلهة مثل آمون (الخفى – الباطن) وآمونت ، نون (اللج الأزلى) و(نونيت) و(حح) أى (الأبد) و(ححت) وكاكو (أى الظلام) و(كاكت)
وتجاهلتْ الباحثة الالتباس الذى تـُحدثه أسماء مثل : رمسيس ، إيزيس ، مينا ، زوسر، مرى ، ميريت إلخ إذْ يعتقد الأصوليون أنّ هذه الأسماء (مسيحية) وهذا خطأ علمى وتاريخى ، وهذه الظاهرة المُتعصّبة تسبّبتْ فى إحجام المصريين المسلمين عن استخدام هذه الأسماء خشية إتهامهم بالمسيحية ، وبالتالى فإنّ هذه الظاهرة كانت فى حاجة إلى دراسة وتحليل للوقوف على أسبابها وكيفية علاجها وضروة التشديد على جهازىْ التعليم والإعلام للتوعية بأصول حضارتنا وجذورها . وأنّ الأسماء المذكورة هى أسماء (قومية) ولا علاقة لها بالدين. وكذا أهمية البحث عن إجابة لسؤاليْن : لماذا كانت هذه الأسماء منتشرة قبل أبيب/ يوليو1952؟ ولماذا تنازل شعبنا عن استخدامها بعد هذا التاريخ؟ وأعتقد أنّ الرداء الأكاديمى الخانق حجب عن البحث العديد من الدلالات المرتبطة بالأسماء وما طرأ عليها من تغيرات، خاصة تراجع الأسماء القومية.
وأشارتْ الباحثة إلى تأثير الغزوات والاستعمار فى أسماء المصريين فكتبتْ ((إنّ مصر عانتْ من الغزو اليونانى والرومانى والعربى والعثمانى والفرنسى والإنجليزى. وقد تأثر المصريون فى عادات التسمية لديهم بذلك تأثرًا كبيرًا)) وفى تفسيرها لهذه الظاهرة كتبتْ (من الممكن أنْ نـُرجع أسباب عادات التسمية الأخيرة إلى تفسير ابن خلدون عن أنّ المغلوب يتبع الغالب فى زيّه ولباسه وعوائده وأخلاقه)) ومع تقديرى لابن خلدون فقد جانبه الصواب عندما استخدم لغة التعميم فى أمر تختلف فيه الشعوب اختلافـًا كبيرًا وأنّ المعيار هو إلى أى مدى يكون شعب من الشعوب مُتمسّكــًا بشخصيته القومية أو مُفرّطـًا فيها. فإذا كان المُتعلمون المصريون هم الذين سارعوا (قبل الأميين) بنقل أسماء اليونانيين والعرب ، بل ويرتعبون من مجرد الإشارة إلى الأسماء القومية مثل مينا ورمسيس ، فإنّ موقف المُتعلمين الإيرانيين مختلف عنهم تمامًا ، فهم كما ذكر المرحوم بيومى قنديل لا يأنفون ((وغالبيتهم مسلمون كما هو معروف من إطلاق أسماء (الأكاسرة) الذين يُوازون عندنا (الفراعنة) سواء بسواء مثل كمبيز، داريوس ، كورش على أولادهم.. وأنّ الهنود ظلوا حتى وقتنا الحاضر يُسمون أولادهم (كريشنا ، راما ، جانيش) ولعلّ هذا هو أحد الأسباب الذى لا نحتاج معه إلى التفريق بين هنود قدماء وهنود مُحدثين ، وعلى غرار ما استمر يفعل اليونانيون حتى فى ظل دخولهم الديانة المسيحية ، إذْ لا يزالون يُسمون أطفالهم (أثينا ، إيريس ، إيرين ، أفروديت) وهو الأمر الذى لا يزال منتشرًا بين الاسكندنافيين المعاصرين الذين يُسمون أطفالهم (تور) و(تورا) على اسم رئيس المجمع الإلهى الاسكندنافى وقرينته))
وذكرتْ الباحثة أنه قد ((شاعتْ بين أسماء المواليد فى مصر القديمة أسماء عبّرتْ عن روح التدين أصدق تعبير. وكان من هذه الأسماء ما يربط بين المولود ومعبود قومه برباط التبعية مثل (حم- رع) أى عبد رع و(باكن- آمون) أى عبد آمون)) وذكرتْ فى الهامش أنّ مرجعها د. عبد العزيز صالح. وأعتقد لو أنها أولتْ علم المصريات بعض الإهتمام لعلمتْ أنّ كلمة (حِمْ) التى ذكرتها لا تعنى (عبد) عند اللغويين الذين درسوا اللغة المصرية القديمة ، وإنما معناها (خادم) مثال ذلك أنّ (حِمْ- نتر) = (خادم الإله) كما ذكر العالم فرانسوا دوما والذى أضاف ((أنّ مصر لم تعرف العبودية)) وهى حقيقة أكدها كثيرون من علماء المصريات حيث لم تعرف الحضارة المصرية العبودية سواء عبودية المواطن للحاكم (الفرعون/ الملك) أو للإله. فمثلا فإنّ من بين أسماء الملك الرسمية اسم (سا- رع) أى ابن رع . أما اسم خوفو فهو اختصار لاسمه الكامل (خنوم- خو- إف- وى) أى الإله خنوم يحمينى)) أما أخناتون فهو فى أحد أناشيده يتبتـّل فى إلهه (أتوم) يُخاطبه قائلا ((فأنا ابنك الذى تسر به)) ولم يقل أنا عبدك. وهكذا فى كل النصوص على ألسنة ملوك مصر كلهم يستخدمون تعبير((أنا ابنك)) والعالم الكبير بريستد الذى قرأ وحلل آلاف البرديات وعكف عدة سنوات على دراسة مصر القديمة ، كتب عن إحدى البرديات ((نجد هنا اعترافـًا صريحًا بقيمة الحياة الصالحة فى نظر الإله. وهو الذى لا يقبل أنْ تقوم الهدايا عنده مقام الأخلاق)) فكيف إذن يمكن تصور علاقة عبودية بين الإنسان والإله الذى ينشد الأخلاق للبشر، ولا ينتظر هداياهم؟ بل كيف تكون العلاقة بين المصرى القديم علاقة عبودية مع العثور على برديات عديدة فيها تشكيك فى وجود الآلهة. وخاصة إذا علمنا أنّ الآلهة المصرية جزء من منظومة الأساطير المصرية التى أبدعها جدودنا. وذكر العالم أدولف إرمان أنه كانت فى مصر القديمة ((دولة غارقة فى القِدم سُمىَ ملوكها خدم حورس)) وحورس هو الإله الذى حاز شعبية كبيرة فاقتْ شعبية معظم الآلهة المصرية بل إنه ((لم يكن ثمة إله أحب إلى قلب الشعب من حورس الطفل)) بل إنّ عين حورس ((تطوّرتْ وأصبحتْ تـُمثل رمزًا مقدسًا استعمله المصرى كتميمة)) ومن صفاته (الإله الطيب) وعن قصة المحاكمة التى عقدتها الآلهة للفصل فى النزاع بين حورس و(ست) ذكر أدولف إرمان ((وفى الحق يبدو كل شىء فى هذه القضية وقد طـُبع بطابع الإنسانية المُتحضّرة ، كما تبدو الآلهة كأنها بشر)) وإذا كان فى الأساطير المصرية أكثر من حورس فإنّ أشهرهم هو حورس الطفل ابن إيزيس وأوزيريس . وأنّ أسطورة هذا الثالوث انتشرتْ فى معظم أرجاء العالم القديم ، ووصل الأمر (وفق تقدير إرمن) أنها ((عادتْ من جديد فى القرن12م فى أوروبا)) وكان لمقطوعة (الناى السحرى) أو(الفلوت الساحر) للموسيقار موتسارت (القرن18م) دورًا فى نشرها وذيوعها بين الأوروبيين حتى لقد صرخ جوته فى حنق ((إى إيزيس وأوزيريس . لو أنى أستطيع التخلص منكما)) وإذا كانت الديانة المصرية هى التى انبثق منها (فجر الضمير) كما أثبتها علماء المصريات ، لذا لم تكن مصادفة أنْ تـُشير نصوص البرديات إلى أنّ الملوك هم (خدم حورس) وليسوا (عبيد حورس) وأنّ (حِمْ- نتر) هو خادم الإله وليس عبد الإله. وأكثر من ذلك أنّ نصوص البرديات تـُشير إلى أنّ العلاقة بين الإنسان والإله علاقة بنوة وليست علاقة عبودية ، لذا نجد كثيرًا الإشارة إلى (سا- آمون) أى ابن آمون و(سات- آمون) أى ابنة آمون و(ميرى- رع) أى حبيب رع و(ميريت- رع) أى حبيبة رع . وإذا كانت الحضارة المصرية كما وصفها العالم رندل كلارك هى ((حضارة راقية)) فكيف تكون علاقة الإنسان بالآلهة فى تلك الحضارة علاقة عبودية؟ خاصة إذا علمنا من كتاب تركه لنا جدودنا باسم (كتاب الطريقيْن) وفيه يقول رب الكون ((خلقتُ كل إنسان مثل أخيه. وخلقتُ الآلهة من عرقى . أما البشر فخرجوا من دموع عينى)) ووصل الأمر لدرجة أنّ الآلهة المصرية كانت تتولى إطعام الموتى كما جاء فى اللوحة الشهيرة التى أبدعها الفنان المصرى ، وهى اللوحة المحفوظة فى متحف برلين برقم 7291 والمُعنونة ((آلهة تـُطعم الموتى))
طلعت رضوان
تعليقات الفيسبوك
أترك تعليقك