الدكتورة ميرفت النمر تكتب :
نقلا عن : الأقباط متخدون
|
|
لقد بات واضحاً لكل ذي عينين أن ملف الأحوال الشخصية للأقباط بات يؤرق المجتمع ويلقى بظلالة الثقيلى الدولة ولا يمكن لنا بأي حال من الأحوال ان نقزم المشكلة ونختزلها في صراع بين بعض حركات وائتلافات متضرري الأحوال الشخصية من طرف وبين الكنيسة ورأسها كطرف فأخر لأن حق الزواج والطلاق وتكوين الاسرة حقوق أصيلة يكفلها الدستور والقانون طبقاً للنظام العام ومن غير المعقول ان نستحدث نظاماً خاصاً وقانونا جديداً يطبق على طائفة من المواطنين دون جموع الشعب لأننا هكذا نكون قد ارتكبنا عواراً دستورياً وقانونياً ضد مبادئ تكافؤ الفرص والمساواة أمام القانون(المواطنون لدى القانون سواء، وهم متسـاوون فى الحقوق والحريات والواجبات العامة، ال تمييز بينهم بسبب الدين، أو العقيدة أو الجنس، أو الأصل، أو العرق، أو اللون، أو اللغة، أو الإعاقة، أو المستوى الاجتماعي، أو الانتماء
السياسي أو الجغرافي، أو لأى سبب آخر. التمييز والحض على الكراهية جريمة، يعاقب عليها القانون.)”المادة 53 من الدستور” ولا يمكن لنا ان نقبل بأي حال من الأحوال ان تتنازل الدولة عن جزء من سلطاتها في الفصل القضائي لقضايا الأحوال الشخصية لجهة دينية “الكنيسة ” بحجة ان الاقباط هم رعايا الكنيسة و إشكاليات الأحوال الشخصية إشكاليات دينية تختص الكنيسة بفصل النزاع فيها لأن هذا ينال من سلطة القضاء واستقلاليته ويخضع القضاء واقعياً لسلطة الكنيسة وهو الامر الذى لا يحمد عقباه من هذه المنطلقات كانت رؤيتنا التي نطرحها لفك الاشتباك القضائي والقانوني بين الدولة والكنيسة ليمثل ذلك انفراجه لدى متضرري الأحوال الشخصية الاقباط بما يضمن هيبة الدولة واستقلال القضاء وحرية الكنيسة في ممارسة سلطتها الدينية
(1) حول المادة الثالثة من الدستور
المادة الثالثة من الدستور هي المادة المنظمة لحقوق غير المسلمين الدينية وهى مادة مستحدثة في دستور 2014 ولم تختبر بعد ومن الطبيعي ان يكون هناك ضبابية مجتمعية في فهم تلك المادة وما تتمخض عنه من حقوق وواجبات ومن الطبيعي ان يستنطق البعض تلك المادة بما لم تنطق او توحى به، والتعاظم في خلق حقوق لم تأتى بها تلك المادة يمكن ان يحول غير المسلمين الى محميات طائفية لا تخضع للنظام العام ومن ثم يتوجب علينا قبل الخوض في اتخاذ تلك المادة كمرجعية للحقوق الدينية لغير المسلمين ان نقف على حدودها ومحدداتها حتى لا يتخذها البعض مبرراً لشطط دستوري و قانوني يخلق سلطات لمن لا سلطات له بغية تركيع النظام المدني للدولة لصالح المفهوم الديني لبعض الفئات
محددات المادة الثالثة
تنص المادة الثالثة من الدستور على أن :
(مبادئ شرائع المصريين من المسيحيين واليهود المصدر الرئيسي للتشريعات المنظمة لأحوالهم الشخصية، وشئونهم الدينية، واختيار قياداتهم الروحية)
مرجعية المادة
من الأخطاء الشائعة استخدام تلك المادة على انها لا تسمح بمخالفة أي “نص إنجيلي” وان هذا النص هو المرجعية فيما يخص المسيحيين في مصر والحقيقة ان الدستور هنا واضح فلم يشير الى “شريعة المسيحيين” والتي ترتكن في كل أركانها وجوداً وعدماً للنص الإنجيلي وتتمحور حولة و السبب في هذا ان تلك الشريعة تختلف باختلاف المذاهب المسيحية المعترف بها في مصر فلا يمكن لنا مثلاً ان نقرر قانوناً يحدد شكل البناء الكنسي لأن الكنيسة كدور عبادة يختلف تصميمها من طائفة لأخرى حسب فهم الطوائف المختلف للنص الإنجيلي لـ ( شريعة المسيحيين) فلو قصد بـ ( شرائع المصريين من المسيحيين) على انها المرجعية الحاكمة لحقوق المسيحيين الدينية لأوقعنا الدستور في صراع طائفي حول مفهوم الشريعة وحتى لا يقع الدستور في مثل هذا العوار فقد اتخذ من “مبادئ” شرائع المصريين من المسيحيين مرجعية لتلك المادة أي الأمور المتفق عليها والتي لم ينشأ عنها قضايا خلافية “شرائعية” عند المسيحيين ونحن هنا لا نذيع سراً اذا قلنا ان لوائح الأحوال الشخصية لدى الطوائف المسيحية هي من القضايا الخلافية والتي لم تحسم بعد ومن ثم لا يوجد لدينا فهم “شرائعى مسيحي” متفق عليه في الأحوال الشخصية حتى يتخذ هذا الفهم ضمن “المبادئ” المتفق عليها مسيحياً ومن ثم لا يجوز التذرع بالمادة الثالثة كمرجعية دينية لتقنين لوائح الاحكام الشخصية لدى المسيحيين
نطاق التطبيق
ــ من الطبيعي ان كل مواد الدستور هي في الأصل موجهه للمشرع حتى تكون ضابطاً له عند سن القوانين و لم يحدد بعد ما هي (مبادئ شرائع المصريين من المسيحيين واليهود) التي يلتزم بها المشرع عند التقنين ومن ثم فإنه عند اتخاذ تلك المادة كمرجعية لسن قوانين الأحوال الشخصية للمسيحيين يستلزم الامر الرجوع الى المحكمة الدستورية العليا وهى المفسر والرقيب للدستور لمعرفة حدود تلك المادة كمرجعية لقانون الأحوال الشخصية للمسيحيين
ــ المادة الثالثة ليست هي المصدر “الوحيد” لتشريع مبادئ الأحوال الشخصية عند المسيحيين ولكنها المصدر “الرئيسي ” لذلك التشريع وهو ما يتيح لنا اللجوء الى مصادر تشريع أخرى خاصة اذا ما تعارضت تلك المبادئ مع النظام العام ــ وهو ما سوف نبينه لاحقا ــ فمثلاً لا يمكن لنا منع الطلاق والزواج الثاني بحجة ان النص الإنجيلي لا يسمح بذلك لأن الطلاق والزواج الثاني من (الحقوق والحريات اللصيقة بشخص المواطن لا تقبل تعطيلا ولا انتقاصًا.
ولا يجوز لأى قانون ينظم ممارسة الحقوق والحريات أن يقيدها بما يمس
أصلها وجوهرها ) مادة 92 من الدستور ومن ثم يكون اللجوء هنا للنظام العام كمرجعية بعيدا عن النص الإنجيلي .
د/مرفت النمر |
أترك تعليقك