الخصيان يحكمون الكنيسة

90

الدكتورة مرفت النمر تكتب :

 الخصيان هكذا وصفهم السيد المسيح في بشارة الانجيل للقديس متى قائلاً “يُوجَدُ خِصْيَانٌ خَصَوْا أَنْفُسَهُمْ لأَجْلِ مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ” وقول السيد المسيح هنا لم يقصد به الاخصاء الجنسى فقط ولكنه ينسحب على الاخصاء الفكرى والروحى والعقلى والوجدانى اى التخلص من كل شهوات القلب والفكر والجسد وهو الغرض الذى أسس عليه القديس أنطونيوس أبو الرهبان دعوته للانعزال والتوحد وهو الامر الذى يسلك فيه الانسان مسلكاً يتسم بالفقر الاختياري والزهد فى مباهج الحياة ومحاربة الغرائز وهو الامر الذى يعيش بسببه الراهب في حرب ضروس ضد الطبيعة الإنسانية وهو أمر ليس بالسهل ولا الهين وهو ما نبه اليه السيد المسيح قائلاً “مَنِ اسْتَطَاعَ أَنْ يَقْبَلَ فَلْيَقْبَلْ” فالدعوة هنا ليست للجميع ولكنها لأصحاب القدرات الإنسانية الخاصة “لَيْسَ الْجَمِيعُ يَقْبَلُونَ هذَا الْكَلاَمَ بَلِ الَّذِين أُعْطِيَ لَهُم ” والرهبنة ليست درجه من درجات أو وظائف الكهنوت ولكنها أسلوب حياه يختاره من يشاء ويسلك فيه كيفما يرى ومن رأى في نفسه انه راهب فهو راهب لا يحتاج ان يعترف به أحد أو ان يقيمه أحد مثله في ذلك مثل الشخص “النباتى” فإن أدعى أنه “نباتى” فهو هكذا فهكذا تم التأصيل للرهبنة ولكن لم تستمر هكذا طويلاً بل تم تبديلها وتحويرها لتلتف على قيادة الكنيسة وأحكام قبضتها على الشعب المسيحى وأصبحت مؤسسة ضخمه ابتدعت أنظمتها وقوانينها وأحسنت تنظيم نفسها والتف من هربوا من العالم ليحكموا قبضتهم على هذا العالم لتذهب رهبنة أنطونيوس الى حيث لا رجعه فلم يتبقى منها سوى الزى الرهبانى لتحل الرهبنة المحدثة أو ان شئنا الدقة فهى الرهبنة الوظيفية فهل أفادت الرهبنة الحياه الكنسية أم أنها اقتاتت وأستقوت على حساب الكنيسة ؟ المؤكد أن الرهبنة الأولى قضت نحبها منذ زمن بعيد وفسدت وأفسدت معها الكنيسة وسر الكهنوت العظيم وهو ما نرصده في سطورنا القادمة انحراف الرهبنة الكهنوت هو قمة الهرم الرعوى داخل الكنيسة والكاهن هو الاب الروحى لكل المسيحين له من الكرامة والتبجيل ما يستحقه كرجل الله ونتيجة لظروف سياسية وحروب عقائدية ترك الرهبان مغائرهم وصوامعهم التي اعتزلوا فيها من العالم ورجعوا الى هذا العالم مرة أخرى عملوا بالسياسة وتصدوا للدفاع عن العقيدة منذ العقود الأولى للمسيحية وثمن المؤمنين دورهم وكان يفترض ان يعودوا من حيث أتوا مرة أخرى بعد استقرار الأمور ولكن سلطان العالم راق لهم ولم يكن مستساغ وجود الرهبان في العالم دون مبرر فكانت فكرة احتكار الكهنوت وعقدوا من أجل هذا المجامع المسكونية وقرروا ان تكون الرتب الكهنوتية الأعلى في الكنيسة “البطريرك والاسقف” حكراً عليهم وهو ما يضمن لهم البقاء في العالم كرعاه روحيين للكنيسة وشعبها وكان هذا بالمخالفة لقوانين الرهبنة التي تقضى بأن “المنصرف إلى العالم بعد رفضه اياه اما أن يسقط في فخاخه ويتدنس قلبه بأفكاره وأما انه لا يتدنس لكنه يدين المدنسين فيتدنس هو أيضاً” إذن فوجود الراهب في العالم حتى لو كان بطريرك او أسقف هو دنس غير مقبول رهبانياً ويقول القديس مقاريوس الكبير” ان انتم رهباناً، فلماذا تطوفون مثل العلمانيين. أن الذي قد هجر العالم ولبس الزي الرهباني وهو في وسط العالم، فهو لنفسه يخادع” فالراهب لا يخرج من قلايته ( المغارة التي يسكن فيها) طيلة حياته وهو ما يؤكده أباء الرهبنة الأوائل فيقول الأب باریكوس “اجلس في قلايتك وان جعت كل، وان عطشت اشرب، ومنها لا تخرج ولا تتكلم بكلمة سوء، وانت تخلص” وهو نفس المعنى الذى يؤكده الأنبا انطونيوس مؤسس الرهبنة “آما تموت السمكة إذا اخرجت من الماء هكذا يموت الراهب إذا مكث طويلاً خارج قلايته” النهى عن الكهنوت يخبرنا أباء الرهبنة الاولين انه يجب على الراهب ان يبتعد عن اى كرامة او رئاسة في العالم فتلك الرئاسات تولد تعاظم النفس وتهلك صاحبها روحياً فيقول القديس يوحنا القصير “ليس لك أن تفحص عن كل الأمور لأنك لم تصر مدبراً أو رئيساً، ولكنك مأمور وليس لك سلطان حتى ولا على نفسك” كما ان أباء الرهبنة لم يكن من بينهم كاهن فتقول القديسة اناستاسيا الشماسة انها كانت “ترى الأنبا دانيال مرة واحدة كل اسبوع يوم أحد عندما كان يتقدم الى الأسرار المقدسة” فالأنبا دانيال كان من شيوخ الرهبان ومع ذلك لم يمارس الكهنوت وكان يذهب للكنيسة ليتقدم للأسرار على يد كاهن الكنيسة وهو ما كان يفعله القديس ايسيذوروس مع القديس موسى الاسود ناصحاً أياهان يذهب الى الكنيسة وتناول من الأسرار على الرغم من ان الاثنان كانوا من كبار رهبان البرية .

د/مرفت النمر

تعليقات الفيسبوك

أترك تعليقك