نوبارالأرمنى: عاشق مصر

90

الكاتب الأستاذ طلعت رضوان يكتب:

    نوبارباشا (1825- 99) شخصية ذات أهمية كبيرة فى تاريخ مصرالحديث. جاء إلى مصر سنة1842، أى كان عمره17سنة. ورغم جنسيته الأرمنية، فإنه عندما عاشرشعبنا..وتعرّف على ثقافتنا القومية، إذا به يُـحاول دائمًا العمل على كل ما هوفى صالح مصر..وفى نهاية مشوارحياته يكون (دون أدنى مُبالغة) مصريًا أكثرمن بعض المصريين..خاصة الذين دافعوا عن (الخلافة العثمانية) فى زمنه.

    عندما كان نوبارصغيرًا قال له خاله ((سوف تلتحق بقلم المُـترجمين..ولكن عليكَ أنْ تــُـتقن اللغة التركية)) كان خاله يُـدرك أنّ تعليم اللغة التركية مهم بسبب سيطرة الخلافة العثمانية على معظم دول البلقان وآسيا الصغرى..ومن بين تلك الدول دولة أرمنيا..وبالفعل تعلــّم نوباراللغة التركية وأجادها مثل أى إنسان تركى..كما أجاد اللغات الفرنسية والإنجليزية واليونانية الحديثة..وفشل فى تعلم اللغة العربية..وكان يُـفضــّـل التحدث بلغة شعبنا المصرى فى حياته اليومية..وذكرمن أرّخوا لحياته أنه كان يُجيد الحديث والكتابة بإحدى عشرة لغة..ومولع بالقراءة وخاصة كتب التاريخ (نوبارفى مصر- تأليف نبيل زكى- كتاب اليوم- عام 91، وهيئة قصورالثقافة- عام 2006- ص15)

    وصلتْ شهرة نوبارودقته فى العمل الإدارى فى مصرلدرجة أنّ بعض القادة السياسيين فى الغرب  فكــّروا فى الاستعانة به ليكون أميرًا لإمارة مستقلة فى أوروبا أوفى أرمنيا (موطنه الأصلى) ورغم ذلك فضــّـل البقاء فى مصر..وكتب فى مذكراته ((مصرمثل عظمة كبيرة ثمينة يرغب فيها كلبان (فرنسا وإنجلترا) وبينما هما يتشاجران ويتوجـّس كل منهما من الآخر، يتسرّب سرب من النمل (اليونانيون واليهود الشرقيون) ويصل إلى العظمة وينهشها ويسمن منها)) وكان يرى أنّ مصرتـُعانى من ثلاث مشكلات: الجباية (300 ألف جنيه استرلينى تدفعها مصرسنويًا للسلطان التركى/ العثمانى) التى أخذت اسم (الجزية) وفرضتها تركيا على مصر، الامتيازات الأجنبية ومنظومة السخرة التى هى امتداد لعصورالخلافة الإسلامية..ويعتبره كثيرون أنه ((أول رجل دولة مصرى تحدث (فى القرن19) عن مبادىء الإنسانية والعدل الاجتماعى.

    تزوّج نوباروعمره24سنة فتاة أرمنية تتحدث مثله عدة لغات..ووقفتْ بجانبه تــُسانده فى كل المحن والدسائس التى كانتْ تــُحاك ضده خاصة من العثمانيين أومن  الإنجليزوالفرنسيين.

    وكتب نوبارفى مذكراته أنّ محمد على هوصاحب الفضل فى انتقال مصرمن حال إلى حال أفضل وقال ((إنّ كل ما يتعلق بمصرالحديثة يجب أنْ يُنسب إلى محمد على، إنه الرجل الذى قام بهذا التحول فى مصر. لقد فتح أبوابها أمام التقدم المادى فى أوروبا..وحكى عن زيارة للريف الفرنسى ومعه إبراهيم ابن محمد على..وأنّ إبراهيم بكى عندما شاهد جمال الريف ونظافة مبانيه والإهتمام بالزراعة..وتمنى أنْ يكون الريف المصرى مثل الريف الفرنسى..خاصة أنّ التربة فى مصرأكثرخصوبة من تربة الأراضى الفرنسية..كما تمنى لوأنّ التعليم المصرى يكون مثل التعليم فى المدارس الفرنسية..ونقل نوبارفى مذكراته قول إبراهيم باشا ((إنّ الله خلقنى من أجل خيرمصر، لكى أجعلها غنية ومُرفــّهة..ولن يكون من العدل أنْ يدعونى الموت قبل أنْ أتمكــّن من إسعادها)) وكان يرى أنّ الدولة المُـحترمة هى (دولة القانون) وعندما تأكــّـد أنّ القانون البريطانى يحترم حقوق الإنسان الإنجليزى قال ((إنّ احترام القانون يُـشكــّـل مضمون العظمة الحقيققة لإنجلترا))

    أما والده (محمد على) فكان يرى أنّ إنجلترا تسعى وتشتهى امتلاك مصر..وهوما عبّرعنه المستشرق والمؤرخ (بوركهارت) الذى كتب ((كان محمد على مُـهتمًا اهتمامًا كبيرًا بالأحداث التى تجرى فى أوروبا..وكان يعتقد أنّ إنجلترا سوف تسعى بعد سقوط نابليون إلى تدعيم سيطرتها على البحرالأبيض المتوسط بالإستيلاء على مصر)) وأنّ محمد على قال لهذا المؤرخ ((أنا أعرف أنّ إنجلترا تطمع فى مصر. إننى صديق الإنجليز..ولكن الحقيقة أنّ من بين كبارالدول من يعطيك من طرف اللسان حلاوة..ولا يُضمرلك فى نفسه الإخلاص)) وكتب نوبارفى مذكراته ((فى الوقت الذى كان فيه إبراهيم باشا يضرب الجيش التركى فى قونيه ويقترب من الأستانة ليصبح على مسيرة بضعة أيام منها..كان يتردد أنّ محمد على يُـريد الاستحواذ على الامبراطورية..وإعلان سقوط السلطان العثمانى وتنصيب نفسه سلطانـًا بدلامنه)) وعن المقابلة التى تمّتْ بين ستراتفورد كينج (المسئول البريطانى والحاكم الفعلى للامبراطورية العثمانية) والذى كان وزراء السلطان العثمانى يرتعدون أمامه..ولكنه عندما قال لإبراهيم باشا أنّ الجيش المصرى لايجب أنْ يتجاوزعدده الرقم المُـقررفى الفرمان العثمانى، قال له إبراهيم ((عندى ستون ألف رجل تحت السلاح..وسوف أحتفظ بهم..وإذا وجدتُ أنّ هذا العدد لايكفى لحماية مصرفإننى سأزيده)) ولذلك ((كان الجميع فى الأستانة يعتبرونه خائنـًا للامبراطورية..وعندما شعرأنّ حياته مُـهدّدة من العثمانيين..واقتراح البعض ترك مصر، قال ((سوف أرابط فى مصر)) وانتصرإبراهيم بسبب شجاعته وإصراره على مبادئه، عندما صدرفرمان1841بتنصيبه واليًا على مصر..وكانت آخركلماته لكبارالوزراء العثمانيين..وهويُغادرالأستانة ((هل ترون هذه التلال والروابى عندكم. إنها جرداء. أما والدى وأنا فقد زرعنا عشرة ملايين شجرة فى مصر..وأنتم تفعلون العكس، إذْ تــُـدمّرون ما أعطاكم الله)) وذكرنوبارأنه بينما كان إبراهيم باشا فى حالة الاحتضارقال ((اللهم لاتنتزع روحى قبل أنْ أكمل عمل أبى..واجعل مصرسعيدة وأمتها غنية)) وبعد وفاته كتب عنه نوبارأنه ((أكتسح بلاد الموره وانتقل منها إلى المناطق اليونانية الشمالية..وهذا القائد العسكرى الفذ كان يريد دخول مقرالسلطنة لولا اعتراض والده..ولكنه ترك ذكريات لاتـُمحى فى عكا وحلب وطرابلس ودمشق وصيدا والجزيرة العربية..والخليج والبحرالأحمر. إنه الرجل الذى لم يحرق الزرع ولم يذبح المغلوبين (إشارة إلى ما فعله المسلمون الأتراك) وهوبطل معركة نفارين والدرعة وحمص وقونيه..وحرب المورة وكريت))

    خاض نوبارعدة معارك مع السلطنة العثمانية وفرنسا بسبب مشروع خط السكة الحديد (الإسكندرية- السويس) وكان محمد على قد طرد كل العمال الإنجليزالذين كانوا يعملون فى السكة الحديد..وكانت (مصلحة إنجليزية بحتة) وأحلّ محلهم عمالا مصريين..وفى عام1845أصبحتْ مصلحة مصرية..وفى عام1858تـمّ إنشاء خط حديد مصرتحت إشراف نوبارباشا..وهوثانى خط سكة حديد فى العالم، بعد الخط الحديدى بين لندن وليفربول..وذكرنوبارفى مذكراته ((إننى أعتبرأنّ إقامة خط السكة الحديد (وكنتُ صاحب الفكرة) ومتابعة تنفيذها من جانب عباس..كان بمثابة مبدأ أوعقيدة بالنسبة لى..وهوالمرحلة الثانية للتحول فى مصر..وزاد هذا المشروع من أهمية مصركمركزتجارى..وكان التحول الأول هوإقرارالمساواة بين المسيحيين والمسلمين..وتوفيرالفرص للجميع..وحماية ممتلكاتهم وأشخاصهم..وكان هذا التحول الأول من إنجازات الباشا الكبيرمحمد على))  ثم معركة ضد تركيا بسبب إصرارها على إخضاع مصرلتنظيمات جديدة بإعتبارأنّ مصرجزءٌ من الامبراطورية العثمانية..وكانت تلك التنظيمات تعنى ربط مصربالأستانة من الناحيتيْن الإدارية والقانونية..وهوما رفضه عباس الأول بمساندة وتشجيع من نوبار..وقد اقترح وزيرالمالية على عباس فرض ضرائب جديدة فسأله عباس: هل ميزنيتنا متوازنة؟ فقال الوزير: الميزانية متوازنة..وهناك فائض فى الايراد. فقال عباس: إذن فى هذه الحالة ما ضرورة فرض عبء جديد؟ إنها جريمة وخطيئة. حذارى من الآن لاتطرح أمامى مثل هذه الاقتراحات.  

    وعندما حدث خلاف بين نوباروالوالى سعيد الذى قرّرالتخلص من نوبار..حدث شىء مهم يدل على اعتزازشعبنا بنوبارالذى كتب ((احتشد جميع الموظفين فى محطة الإسكندرية..وكذلك إداريون من المصريين والأوروبيين لوداعى..واتخذ الحشد شكل مظاهرة وهذا جديد فى مصر)) وعن علاقته المُـتوترة مع الخديوإسماعيل، فإنّ نوبارقال له ((كان والدك العظيم إبراهيم باشا يقول لى ويُكرّرالقول فى مرات عدة أنّ محمد على أخطأ عندما أهدرجهوده وأموال مصرفى سوريا بينما لديه السودان، فالتطورالحقيقى لمصريجد مجاله فى السودان))

   وحدث خلاف بين عباس ونوبارحول مسألة التمثيل الدبلوماسى.. وفقــًا للفرمانات العثمانية، فقـدّم نوباراستقالته (وكانت سابقة جديدة فى نظام الحكم فى مصر) ولكن انتهى الخلاف بأنْ قال عباس ((إننى يا نوبارلا أستغنى عن خدماتك))

    وفى نهاية عام 1867كان نوبارفى باريس، فتلقى برقية من الخديوإسماعيل يستدعيه إلى القاهرة..وعندما وصل قال له إسماعيل أنه تقـدّم ببعض الطلبات للسلطان العثمانى: 1- إلغاء تحديد عدد قوات الجيش 2- حق مصرفى أنْ يكون لها أسطول حربى 3- حق مصرفى وضع التشريعات الخاصة بها 4- الحق فى إيفاد وزراء مصريين لدى الدول الأجنبية 5- عقد معاهدات تجارية وإدارة كاملة لمصر. وافق نوبارعلى هذه الطلبات..ولكنه قال لإسماعيل ((إنّ ما تـُريده لايصلح لأنْ يكون موضع طلب بل إنّ مثل هذه المطالب إنما تـُنتزع بالسيف. إنه الاستقلال. ما تطلبه هوالاستقلال فإذا أردتَ أنْ تكون مًستقلا حقــًا فإنّ عليك أنْ تكون سيد نفسك. إنّ حكومتك عبارة عن17قنصلا. فهناك17قنصلية تتمتــّع كل واحدة منها بسلطة تـُضاهى سلطة حاكم مصر. إنّ ما يلزمنا هوأنْ نخرج من الوضع الذى نوجد فيه الآن..وأنْ نكون أسياد البلاد..وإذا حققنا ذلك نـُصبح مُستقلين حقــًا. إنّ ما يُـضايقنا هم القناصل الذين يشاركونك السلطة. ثم هذه المُستعمرات الأوروبية داخل مصر. هل تريد أنْ تـُحررنفسك؟ تستطيع ذلك يا سيدى. إن المائة وخمسين ألف أوروبى الموجودين فى مصر، يمثلون الثلاثمائة مليون أوروبى..والأوروبيون أشبه بالمماليك..وعليك أنْ تفعل بهم ما لم يستطع جدك أنْ يفعله معهم. لقد أرغم جدك المماليك على الانصياع للنظام والخضوع له..وهذا النظام هوالقانون..ومن أجل إخضاع هؤلاء للقانون يجب أولا أنْ تخضع أنتَ نفسك للقانون))

    وهكذا كان نوبارشـُـجاعًا فى مواجهة الخديوإسماعيل..وفى رسالة منه إلى السيدة زوجته كتب ((إننى أحب مصر..ولا أنتِ ولا أنا نستطيع العيش فى مكان آخر..ومع ذلك فما دام الأوروبيون يعيشون بلا قيد يكبح جماحهم وبلا قوانين فى مصر..وليس لدينا محاكم، فسيكون من المستحيل بالنسبة لى أنْ أعيش هنا. إننى أعانى والظلم يُسبّب لى الضيق. يجب أنْ نـُنشىء محاكم تحمينا من الأوروبيين ومن الوالى، حتى نستطيع أنْ نحيا فى أمان وكرامة. نحن فى حاجة إلى محاكم حتى تكون مصرهى مصر، ولكى أكون وزيرًا حقيقيًا وليس مجرد حاجب فى محكمة))

    انفجرالسلطان التركى غضبًا بمطالب إسماعيل وتأييد نوبار..وفى الزيارة التى قام بها نوبارإلى الأستانة وجد كبارالدول العثمانية يتهمون روسيا بأنها وراء مطالب إسماعيل..وكانت روسيا فى ذلك الوقت وراء ثورة كريت المناهضة للسيطرة العثمانية..وقال على باشا (رئيس الوزراء العثمانى) لنوبار((مصربلد مقهوربالسيف. أنتم تـُريدون الاستقلال عن الامبراطورية..كيف يتجاسرإسماعيل ويطلب هذه المطالب؟ واعترف نوباربأنه تعرّض لاهانات شديدة فى الأستانة. واشتدّ غضب الوزيرالتركى فقال: أنتم تـُريدون زيادة عدد قوات الجيش وأسطول حربى، أليس هذا هوالاستقلال؟ ثم ذكــّره بفرمان عام1848والتهديد بأنه إذا عاد الوالى إسماعيل وكرّرهذه المطالب فإنّ الأستانة ستنظرفى ضرورة اتخاذ إجراءات بشأنه.

     ولكن نوبارلم يُرهبه هذا التهديد فقال ((مطلبنا الآن الحصول من الباب العالى على وسيلة للدفاع عن خمسة ملايين مسلم ضد تعديات وانتهاكات الأجانب فى مصر..وضد الاستغلال الذى يُمارسه مائة ألف أجنبى ضد سكان مصر..وكل المصريين يساندون الوالى فى هذه المطالب)) وقال فؤاد باشا التركى لنوبار ((مصرشجرة مزروعة فى أرض تنتمى للامبراطورية..ولذلك فإنّ الشجرة تنتمى إليها)) فكان رد نوبار((ولكن هذا الحق– حق الانتفاع– يُصبح سرابًا إذا لم تكن لدينا سلطة تشذيب الشجرة كما ينبغى..وتقليب الأرض حول جذورها لإشباعها بالهواء..وتخليصها من الأعشاب الطفيلية والحشرات. أى السماح لمصربأنْ تصنع تطورها بنفسها بحرية. فهى لاتطلب أكثرمن ذلك: الفصل التام بين إدارتنا وإدارة الامبراطورية..والهدف هوالحفاظ على الشجرة وصيانتها لكم ولنا)) وأخيرًا وافقتْ الأستانة على منح مصرحق إدارة شئونها..ورفضتْ حق مصرفى وضع ترتيبات جمركية مع الدول الأخرى. فقال نوبارلفؤاد باشا التركى ((كيف إدارة بدون جمارك؟ ما الإدارة إنْ لم تكن مجموع المصالح المادية والمالية والأدبية لبلد ما؟ إنكَ تعطينى بيد ما تأخذه باليد الأخرى)) وبعد جدال طويل وافقتْ الأستانة على منح مصرحق وضع ترتيبات وعقد اتفاقيات جمركية بشرط أنْ تخضع هذه الترتيبات لموافقة الباب العالى..ولكن نوبارأصرّعلى إلغاء هذا الشرط..وبعد جدال جديد وافقتْ الأستانة على مطلب نوباربشرط ألايكون لهذه الاتفاقيات الجمركية طابع سياسى..وكان من بين إنجازات نوبارفصل القضاء عن الإدارة.

    وعندما طلب إسماعيل إلغاء إحدى الصحف الفرنسية التى تـُطبع فى مصر، وتطعن فى الحكومة المصرية، حدثتْ أزمة بين مصروفرنسا التى شنــّـتْ الهجوم على مصر، فقام نوباربدعوة كل القناصل الأجانب إلى اجتماع وطلب منهم أنْ يحكموا فيما إذا كانت قنصلية فرنسا مصيبة أم مخطئة؟  وفى نفس الوقت هدّد نوبار بالقبض على كل فرنسى يحمل سلاحًا..وبعد المناقشة اتفق القناصل على أنّ قنصل فرنسا مُخطىء فى تصرفاته..وتدخــّـلتْ الحكومة الفرنسية لتهديد مصربمخاطبة الأستانة. ثم طلبتْ تعيين ثلاثة من قناصل الدول الكبرى للتحكيم فى الخلاف وهم قناصل بريطانيا وإيطاليا وألمانيا..وكان السؤال المطروح: هل من حق البوليس المصرى أنْ يستولى على جريدة ممنوعة وتـُباع فى الشوارع؟ وكان الحكم بالاجماع مؤيدًا لرأى نوبارضد القنصل الفرنسى..وكتب مسيودى فوجيه (وهومن مشاهيركتاب فرنسا) ((لقد اكتشفَ نوباروسيلة المراقبة الوحيدة الفعالة لوضع حد لاستبداد الحكومة فى الشرق..وستبقى ذكراه ملازمة لفكرقوى عظيم. أبرزه إلى حيزالفعل..وهوإنهاض الشرق من خلال عدالة تحمى الذين أرهقهم الظلم. لقد شيّـد المصريون القدماء الأهرام..والآن يُـشيّـد نوبارفى مصرأثرًا باقيًا)) وفى مارس 1878 تقرّرتشكيل لجنة للتحقيق فى أحوال مصرالمالية فطلب إسماعيل من نوبارمواجهة تلك الأزمة. فقال له نوبار((يجب على سموكم التنازل عن كل ممتلكاتكم..وإنْ لم تفعل ذلك ستفقد مصر. رفض الخديوطلب نوبار..ولكنه بعد فترة وافق على التنازل عن كل أراضيه للدولة، على أنْ تـُخصص الحكومة له ولأسرته مبلغـًا سنويًا قدره نصف مليون جنيه.

    وبعد أنْ تواطأ توفيق مع الإنجليز..وتـمّ خلع إسماعيل سافرنوبارإلى باريس فسأله الصحفيون: ماذا حدث فقال ((إنّ ما يشغلنى الآن شىء آخر..هوأننى أتمنى العودة إلى مصر. لأننى أتلهف على رؤية القاهرة وأتطلع إلى مآذنها وأضوائها التى تنعكس على جبل المقطم فتتحوّل إلى ومضات خافتة وردية..وأرى الأهرمات والنيل وأهل مصرالذين أحبونى وأطلقوا علىّ اسم (أبوالفلاح) وذكرفى مذكراته ((كانت مصرتبدوأمامى عظيمة. تستحق أنْ تكون مُرفهة مستقلة. تـُقرّرمصيرها بنفسها..وشعبها المُـتعطش للعدالة..ومن أجل تحقيق هدف العدالة كنتُ مستعدًا للتضحية بكل شىء.. ثروتى وحياتى نفسها))

    فى عام 1903 أقيم تمثال من البرونزفى جنينة عامة بالإسكندرية لنوبار..وفى نوفمبر1966تـمّ دفن التمثال فى متحف غيرمشهور.. ونشرتْ صحيفة الجمهورية الخبريوم 29 نوفمير1966 وقال مُحرّرالخبر((وهكذا أسدل الستارعلى مؤسس المحاكم المختلطة فى مصر)) ولكنه ضنّ على القارىء..ولوبسطرعن إنجازات هذا الأرمنى العظيم لصالح مصر.

تعليقات الفيسبوك

أترك تعليقك